ما سر منح إسرائيل تراخيص بناء للفلسطينيين في المناطق "ج"؟‎

ما سر منح إسرائيل تراخيص بناء للفلسطينيين في المناطق "ج"؟‎


كاتب ومترجم فلسطيني‎
25/08/2019

ترجمة: إسماعيل حسن


في سابقة هي الأولى من نوعها؛ صادق المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغَّر على منح الفلسطينيين تصاريح محدودة لبناء منازل في المناطق المصنفة "ج"، والتي تقع تحت السيادة الإدارية والأمنية الكاملة لإسرائيل، بحسب اتفاقية أوسلو التي أُبرمت بين الجانب الفلسطيني والإسرائيلي عام 1993، المناطق المصنفة "ج" تأتي في أعقاب تقسيم مساحة الضفة الغربية إلى ثلاث مناطق؛ حيث جاءت المنطقة "أ"، والتي تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية الكاملة، وتليها المنطقة المصنفة "ب"، التي تخضع للسيطرة المدنية من قبل السلطة والسيطرة الأمنية للجانب الإسرائيلي، أما المناطق "ج"؛ فهي خاضعة للسيادة الإسرائيلية بشكل كامل، والتي تمثّل ما مساحته 60% من مساحة الضفة الغربية، وتعدّ من أكبر المساحات بحسب التقسيم.

عبّر رؤساء مجالس مستوطنات إسرائيل عن رفضهم التام لمقترح رئيس الوزراء
خطة البناء المفاجئة، التي بادر رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، بمنحها بالتزامن مع وصول مستشار الرئيس الأمريكي، جاريد كوشنير، إلى إسرائيل، والتي تأتي في إطار الاستعدادات التي تبذلها الإدارة الأمريكية لنشر تفاصيل خطة السلام المعروفة بـ "صفقة القرن"، خلال الأشهر القادمة، لم تلقَ ترحيباً من قبل الداخل الإسرائيلي؛ حيث عبّر رؤساء مجالس مستوطنات إسرائيل، عن رفضهم التام لمقترح رئيس الوزراء بمنح الفلسطينيين تسهيلات بناء في مناطق خاضعة للسيادة الإسرائيلية، مطالبين المجلس المصغر بالتراجع العاجل عن ما تمّ إصداره والضرب بيدٍ من حديد على الفلسطينيين، والعمل على توسيع بناء المستوطنات في الضفة الغربية وغور الأردن، دون شروط مسبقة.

ما تحاول إسرائيل الآن تعزيزه يأتي ضمن رؤية تكاملية أوجدتها في أعقاب شروعها بإقامة الجدار الفاصل

بالنسبة إلى إسرائيل؛ تعدّ المناطق "ج" مخزوناً إستراتيجياً ثميناً يشكّل نقطة انطلاق نحو إقامة الدولة اليهودية على كافة أراضي الضفة الغربية، إلى جانب ذلك، وأكثر، احتواؤها على مخزون من الثروات الطبيعية؛ حيث توجد فيها آبار نفط وغاز، إضافة إلى وجود مياه جوفية عذبة يستفيد منها الفلسطينيون، بما نسبته 20%، بينما تسيطر إسرائيل على الحصة المتبقية وتبيع من المياه للفلسطينيين وتصدّر منها إلى العديد من البلدان، منها؛ العربية والأوروبية، أيضاً تشكّل المنطقة نقطة التقاء مركزية للعبور إلى المنطقتيْن "أ" و"ب"؛ حيث إنّ حركة تنقّل الفلسطينيين للمناطق المذكورة تتمّ عبر المنطقة "ج"، وبإمكان جندي إسرائيلي عرقلة حركة تنقّل الفلسطينيين إلى تلك المناطق، إضافة إلى أنّ البحر الميّت، بمكوناته السياحية والطبيعية من الأملاح وغيرها، يقع في نطاق حدود المنطقة "ج"؛ لذلك تحاول إسرائيل منح تسهيلات في تلك المناطق لفتح مجال لبناء المزيد من الوحدات الاستيطانية في باقي مدن الضفة الغربية، تحت مسمَّى تسهيلات متبادلة، والتي لربما تواجه رفضاً من قبل القيادة الفلسطينية في أعقاب فرض الهيمنة الإسرائيلية الكاملة على مدن الضفة، في وقت تأتي هذه المبادرة بعد حملة هدم شرسة نفذتها السلطات الإسرائيلية بحقّ منازل المقدسيين في مدن وأحياء مدينة القدس، والتي رافقها ضرب عصب الاقتصاد الفلسطيني هناك، من خلال هدم 80 منشأة صناعية، ورفع نسبة الضرائب على المقدسيين؛ لإجبارهم على ترك منازلهم وإخلاء المدينة المقدسة، وبسط السيطرة الإسرائيلية الكاملة عليها.

الفلسطينيون بدؤوا فعلياً في طرق أبواب الانفتاح الاقتصادي مع بلدان عربية
في خضمّ ذلك؛ نجد أنّ القاسم المشترك في اشتداد حدّة الصراع: أنّ الفلسطينيين بدؤوا فعلياً في طرق أبواب الانفتاح الاقتصادي مع بلدان عربية، وذلك في إطار الانفكاك الاقتصادي مع إسرائيل والقائم على نوايا السلطة الفلسطينية؛ بإلغاء بروتوكول باريس، الموقَّع عام 1994، بين الجانبين، والقائم على تبعية الاقتصاد الفلسطيني لإسرائيل، فمحاولات الانفكاك والبحث عن بدائل أخرى منذ فترة طويلة، وصلت إلى جهود مثمرة من تفاهمات هذا الشأن؛ حيث وقعت السلطة اتفاقاً مع الأردن، يقوم على إنشاء منطقة تجارية لوجستية بين الجانبين لتبادل البضائع والسلع، إضافة إلى حذو السلطة نحو شراء الوقود والغاز الطبيعي من العراق، بدلاً من الجانب الإسرائيلي.

اقرأ أيضاً: سلفيت.. مدينة الزيتون الفلسطينية يبتلعها الاستيطان الإسرائيلي
الانفكاك الحاد، في وجهة نظر الشارع الإسرائيلي، دفع بالإدارة الأمريكية الى إقناع نتنياهو، بفتح باب التسهيلات مع الفلسطينيين، من أجل كبح جماح التعنّت الفلسطيني، والذي قد يتطوّر لاحقاً بوصوله لانهيار التنسيق الأمني، والذي تلوّح به السلطة، مهددةً بتوقفه، تزامناً مع استمرار حجز أموال الضرائب وتواصل بناء آلاف الوحدات الاستيطانية في الضفة الغربية.

لاندو: يهدف نتنياهو من الإجراء ضمان الحصول على حصانة بمعسكر اليمين المتطرف تحول دون تقديمه لجلسة المحاكمة بتهم الفساد

سياسيون إسرائيليون يفسرون بالقول إنّ إسرائيل اختارت أن تكون في فلسطين التاريخية دولة واحدة لليهود؛ وذلك بتخلّيها نهائياً عن مبدأ حلّ الدولتين، بتقسيمها للأراضي وفق ما تراه مناسباً لها، فيما يرى الساسة أيضاً أنّ هناك رغبة جامحة هاجمت رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، للمصادقة على بناء وحدات سكنية للفلسطينيين؛ فهو لم يكن بإمكانه ضبط نفسه حتى يجتمع الكابينت قبيل زيارة صهر الرئيس الأمريكي، وكان قد طلب الاتصال هاتفياً مع الأعضاء، وتمّت المصادقة بالإجماع عبر الهاتف، ونوّه الساسة إلى أنّه لم تكن هناك رغبة جامحة لدى نتنياهو فقط؛ بل أيضاً بصورة مدهشة عند كلّ وزراء الكابينت؛ إذ صوّتوا مع الخطة بمن فيهم وزراء اليمين المتطرف، في وقت صمّم فيه نتنياهو على أن يكون كلّ أعضاء الكابينت موقّعين على المصادقة؛ وذلك كي لا يخطر ببال أحدهم التلويح خلال حملته الانتخابية، بأنّ نتنياهو يحبّ العرب ويصادق لهم على البناء في مناطق "ج"، متسائلين: ماذا كان سيحدث لو أنّ كابنيت حكومة اليسار هو الذي قام بذلك، رغم أنّ الحكومة القائمة ما تزال انتقالية؟!

اقرأ أيضاً: هل سعت الحركة الصهيونية لاستيطان شرق الأردن؟
لا شكّ في أنّ إسرائيل تحرص بشكل كبير على تعزيز رؤيتها الإستراتيجية في تحقيق أعلى كثافة سكانية لها على الأرض الفلسطينية، من خلال المشاريع الاستيطانية، ولتعزيز هذا التوجّه؛ كان خيار إسرائيل وضع تقسيمة المناطق وفق ما جاء في الاتفاق، ما يعني أنّ تعزيز إسرائيل لوجودها في المناطق "ج" هو ليس وليد اللحظة، وما تحاول إسرائيل الآن تعزيزه من خلال منح الفلسطينيين البناء في المناطق "ج"، يأتي ضمن رؤية تكاملية أوجدتها في أعقاب شروعها بإقامة الجدار الفاصل، وضمّها مئات آلاف الدونمات من أراضي الضفة واعتبارها جزءاً من الأراضي الإسرائيلية.

نتنياهو يريد ائتلافاً مستقراً يمكّنه من الاستجابة لـ "صفقة القرن"
المعلّق السياسي، ألون ديفيد، رأى في إعلان رئاسة الوزراء منح تراخيص لبناء 715 منزلاً للفلسطينيين؛ إنما هو في المقام الأول دعاية موجَّهة إلى أوروبا لامتصاص الغضب في أعقاب هدم السلطات الإسرائيلية لمنازل المواطنين ومحالهم التجارية في قرية وادي الحمص بالقدس، إضافة إلى نية رئيس الوزراء توسيع بناء الوحدات الاستيطانية في تلك المناطق، قائلاً: "في حال كان هذا هو الوضع، فإنّ فوزاً حاسماً لنتنياهو في انتخابات أيلول (سبتمبر) المقبل، يمكن أن يضعه في وضع غير بسيط، نتنياهو يريد ائتلافاً مستقراً يمكّنه من الاستجابة لـ "صفقة القرن"، المعروضة عليه من قبل إدارة ترامب، الصديقة جداً؛ حيث يتم منع رفضها تحت أيّ سبب".

ديفيد: الهدف من التراخيص هو دعاية موجَّهة لأوروبا لامتصاص الغضب في أعقاب هدم السلطات الإسرائيلية لمنازل المواطنين ومحالهم التجارية بالقدس

المراسلة السياسية في صحيفة "هآرتس"، نوعى لاندو، أبرزت (بحسب مصادر حكومية حصلت عليها)؛ أنّ نتنياهو يهدف من الإجراء الذي أقدم عليه، ضمان الحصول على حصانة في معسكر اليمين المتطرف، تحول دون تقديمه لجلسة المحاكمة، المقرَّر الاستماع إلى أقواله فيها في الأول من تشرين الأول (أكتوبر) المقبل، وما يسعى إليه نتنياهو بشكل أكبر؛ شطب لوائح تهم الفساد الموجهة إليه في أكثر من قضية، مقابل الضمّ المتدرج للضفة، وتقليص مساحات الأراضي الواقعة تحت السيطرة الفلسطينية، والعمل على السحب المتدرّج للسيادة التي تتمتع بها السلطة على بعض المناطق، والتضييق عليها بمنعها من المشاركة في المخططات المستقبلية؛ بفرض السيادة الإسرائيلية على أرض الواقع، وضمان عدم إخلاء أيّ مستوطن من منزله، كما حصل سابقاً من إجلاء جموع المستوطنين من قطاع غزة، بعد قرار الانسحاب الذي أصدره رئيس الوزراء الراحل آنذاك، آرئيل شارون.


المصدر: صحيفة "هآرتس" العبرية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية