ما دلالات التعديل الحكومي الأخير في سلطنة عُمان؟

ما دلالات التعديل الحكومي الأخير في سلطنة عُمان؟


23/08/2020

بعد أن قرر أنّ الوقت كان مناسباً، في 18 آب (أغسطس) 2020، أصدر سلطان عُمان، هيثم بن طارق، المراسيم السلطانية التي حددت التغييرات واسعة النطاق في القيادة العليا في عُمان؛ منذ التغييرات الوزارية الأخيرة التي أجراها مؤسس عُمان الراحل السلطان قابوس بن سعيد، والتي أعقبت الاضطرابات المرتبطة بـ"الربيع العربي" في عام 2011.

تبرز في التعديل الجديد وجوه في السياسة الخارجية والسياسة المالية أكثر تصالحاً مع الجوار

ويظهر من خلال التعديل الحكومي الجديد أنّ السلطان هيثم بن طارق يولي أهمية أكبر للأسرة الحاكمة، ويسعى إلى ترشيق حكومته، وإبراز وجوه في السياسة الخارجية والسياسة المالية أكثر تصالحاً مع الجوار، في سعي لإحداث اختراقات دبلوماسية غير منفصلة عن رغبة في تخفيف وطأة الأوضاع الاقتصادية الصعبة في السلطنة.

وفي تحليل نشره مركز أبحاث "ذا أتلانتك كاونسل-المجلس الأطلسي" الأمريكي، تمّت الإشارة إلى أنّ التعديل انطوى على عدد من التغييرات والإشارات المهمة منها:

أولاً، أنّ الأكثر وضوحاً هو العدد الأصغر بكثير للوزراء - تسعة عشر مقابل ستة وعشرين في المجلس السابق.

سلطان عُمان هيثم بن طارق

ثانياً، تم دمج أو توحيد عدد من الوزارات. على سبيل المثال، تم دمج وزارة القوى العاملة الكبيرة، التي كانت تتمتع في السابق بسلطة كبيرة من خلال سيطرتها على تصاريح العمال الأجانب، في وزارة عمل جديدة، على الرغم من أنّ التأثير الدقيق لذلك لا يزال غير واضح.

ثالثاً، تم دمج أو توحيد الوزارات الأصغر؛ إذْ جرى فصل وزارة التراث والثقافة السابقة- حيث كان السلطان هيثم وزيراً لها لعدد من السنوات قبل أن يصبح سلطاناً في 11 شباط (يناير) 2020- إلى وزارة جديدة للثقافة والرياضة والشباب، يرأسها نجل السلطان ذي يزن بن هيثم، وإنشاء وزارة للتراث والسياحة تسلمها سالم بن محمد المحروقي.

يظهر من خلال التعديل الحكومي الجديد أنّ السلطان هيثم بن طارق يولي أهمية أكبر للأسرة الحاكمة، ويسعى إلى ترشيق حكومته

رابعاً، تم اختيار العديد من وكلاء الوزارات أو رؤساء السلطات الجدد من مجلس الشورى العماني المنتخب لأول مرة، ونالت المرأة ثلاث حقائب وزارية.

خامساً، في وزارة الخارجية، تم استبدال يوسف بن علوي بن عبد الله، وزير الخارجية العربي الأطول خدمة (23 عاماً)، بالأمين العام للوزارة الذي يحظى باحترام كبير، بدر بن حمد البوسعيدي. وجرى تغيير اسم الوزارة من وزارة الشؤون الخارجية (حيث كان السلطان الراحل قابوس يشغل منصب وزير الخارجية والمالية والدفاع) إلى وزارة الخارجية. وفي وزارة المالية، حل محل درويش البلوشي الخبير المالي سلطان بن سالم الحبسي، الذي شغل سابقاً عدداً من المناصب العليا، بما في ذلك أمين عام المجلس الأعلى للتخطيط ورئيس مصلحة الضرائب. وفي وزارة التجارة والصناعة، خلف الدكتور علي السنيدي الرئيس السابق الديناميكي لغرفة التجارة والصناعة العمانية، قيس بن محمد اليوسف، حيث جرى جلب ممثل هام عن القطاع الخاص إلى مجلس الوزراء. السنيدي هو الآن رئيس مجلس إدارة الهيئة العامة للمناطق الاقتصادية الخاصة، لكن بن علوي والبلوشي أحيلا على التقاعد.

ديناميكية جديدة

سادساً، يسلط مجلس الوزراء العُماني الجديد الضوء أيضاً على ديناميكية جديدة في سياسة العائلة المالكة العمانية. فبينما احتفظ السلطان هيثم بدور الراحل قابوس كرئيس للوزراء، فلا شك في أنّ نائبي رئيس الوزراء، ابن عمه الأكبر فهد بن محمود آل سعيد وشقيقه شهاب بن طارق آل سعيد، قريبون منه ومن المرجح أن يلعبوا أدواراً مهمة. وفي الربيع الماضي استحدث السلطان هيثم منصب نائب رئيس الوزراء لشؤون الدفاع يتسلمه شهاب بن طارق. وتزامن الدور الجديد لنائب رئيس الوزراء شهاب بن طارق في الإشراف على الدفاع الوطني مع تقاعد الوزير الأسبق المسؤول عن شؤون الدفاع بدر بن سعود البوسعيدي وأمين عام وزارة الدفاع محمد الراسبي. في مجلس الوزراء الجديد، لا يوجد وزير للدفاع، وعملياً هو من مسؤولية السلطان هيثم.

الجدير بالذكر أنه في عام 2017، استحدث السلطان الراحل قابوس منصبي نائب رئيس الوزراء للشؤون الدولية والممثل الشخصي للسلطان للأخ غير الشقيق للسلطان الجديد هيثم، أسعد بن طارق آل سعيد، لكنه لم يتم إدراجه في مجلس الوزراء الجديد. ومن غير الواضح ما إذا كان يحتفظ بدور رسمي. ومع ذلك، تم تعيين نجل أسعد، تيمور بن أسعد آل سعيد، نائب رئيس مجلس البحوث السابق، من قبل السلطان هيثم رئيساً لمجلس محافظي البنك المركزي. وتُظهر تعيينات السلطان هيثم في 18 آب (أغسطس) 2020، من بين أمور أخرى، الأهمية التي يوليها للأسرة.

ترحيب سعودي

وفي سياق قراءته للتعديل الحكومي الأخير في سلطنة عُمان، قال المحلل اللبناني خير الله خير الله إنّ التغيير الأخير الذي حصل في سلطنة عُمان ليس بسيطاً، وهو تغيير شمل بين ما شمله، تولّي بدر البوسعيدي وزارة الخارجية مكان يوسف بن علوي بن عبدالله الذي اخترق الدائرة الضيقة للسلطة... عبر بوابة ظفار. وأضاف: التغيير صغير ظاهراً، نظراً إلى أنّه تغيير للوزير المسؤول عن الشؤون الخارجية. جاء التغيير في ظلّ إعادة تشكيل مجلس الوزراء وتعيين وزير جديد للمال وحاكم جديد للمصرف المركزي أيضاً، لكنّه تغيير في العمق نظراً إلى أنّه يتناول الرمز المعبّر للسياسة الخارجية لسلطنة عُمان، خصوصاً في السنوات العشرين الأخيرة.

اقرأ أيضاً: عُمان: عدم الاستقرار في هرمز سيستمر حتى الانتخابات الأمريكية

وتابع خيرالله في تحليله بأنّ المملكة العربية السعودية-التي رفضت استقبال يوسف بن علوي في نيسان (أبريل) 2020 عندما طلب موعداً لزيارة الرياض- كان لها اتصال بين الملك سلمان بن عبد العزيز والسلطان هيثم بن طارق، بعيد خروج يوسف بن علوي من الحكومة، في إشارة سعودية إلى الترحيب بهذه الخطوة، على حدّ قوله.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية