ما حقيقة صداقة الغنوشي بأردوغان؟

ما حقيقة صداقة الغنوشي بأردوغان؟

ما حقيقة صداقة الغنوشي بأردوغان؟


30/04/2023

كثيراً ما يفتخر راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الإخوانية في تونس بعلاقة صداقة قوية تجمعه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي يحظى بتبجيل كبير عند قواعد النهضة وأتباعها، وإذا كانت القواعد عاطفية دوماً وتنساق وراء قياس العلاقات الدولية بالعلاقات الإنسانية كأن تقيس عبارة "الصداقة" التي ترتبط بمعاني التضحية والصدق ونكران الذات وتبجيل الآخر، وغيرها من القيم المثالية التي تنشأ عادة في عالم الناس، بعبارة "الصداقة" التي تُذكر في سياق يجمع دولاً أو أقاليمَ أو أحلافاً تتشكل على قاعدة أخرى لا علاقة لها بما في عالم الناس، فإنّ علاقات الدول تتأسس بالتحديد على المصالح المشتركة، ولا معنى لعبارات الوفاء والصدق والإخلاص فيها، إذ تنتهي بنهاية هذه المصلحة وتضمُر بانقضائها.

وينطبق ذلك خاصة على "صداقة" الغنوشي بأردوغان بصفة مخصوصة، وعلى "صداقة" أردوغان بالجماعات الإخوانية وحتّى الإرهابية. فإذا كانت علاقة تركيا بتونس ضاربة في القدم، فإنّها توطّدت أكثر منذ العام 2011 لمّا صعدت حركة النهضة إلى الحكم، وحقق التبادل التجاري والاقتصادي التركي صعوداً صاروخياً في التبادل لا تحصل منه تونس سوى على الربع، في حين تسيطر تركيا على الأرباع الثلاثة المتبقية.

يأتي ذلك على حساب المؤسسات الاقتصادية التونسية التي وجدت نفسها عاجزة عن مجاراة سيل السلع التركية التي غزت الأسواق غزواً غير مسبوق، فأفلست منها عشرات المؤسسات والمعامل والورشات الصغيرة، وأُحيل عمالها وموظفوها على بطالة قسرية.

وتغرق الأسواق التونسية بالسلع التركية من ملابس ومنسوجات متنوعة. كما تستورد من تركيا نحو (90) مادة؛ من بينها نباتات الزينة وآلات الموسيقى والمواد المكتبية ومختلف المواد الغذائية، ومواد البناء والخشب والأثاث وغيرها.

ووفقاً لإحصائية تعود للعام 2020، فقد بلغ التبادل التجاري بين تركيا وتونس (1.09) مليار دولار، وكانت قيمة الصادرات التركية إلى تونس قد بلغت (928) مليون دولار مقارنة بـ (887) مليون دولار في 2019، أمّا واردات تركيا من تونس، فقد انخفضت عام 2020 إلى (160) مليون دولار، بعد أن سجلت (190) مليون دولار في عام 2019. وهي إحصائية تشير بوضوح إلى تنامي العجز التجاري بين البلدين بسرعة بعد 2011، وفي المقابل يبلغ معدل نمو الصادرات التركية إلى تونس قرابة 10% سنوياً. زيادة عن السوق التونسية، تمثل تونس بوابة تركيا نحو أكثر من مليار ساكن يعيشون في القارة الأفريقية منهم قرابة (60) مليوناً في الجزائر وليبيا.

كثيراً ما يفتخر راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الإخوانية في تونس بعلاقة صداقة قوية تجمعه بالرئيس التركي رجب طيب أردوغان

وللتمدّد في تونس استغلت تركيا كل المجالات لتقتحم بها البلاد عبر تسهيلات حكومات النهضة المتعاقبة بداية من أيلول (سبتمبر) 2011، إذ أدخلت اللغة التركية لغة اختيارية في المعاهد التونسية، وأبرمت اتفاقيات في قطاع التربية والتعليم والتعليم العالي وقطاعات أخرى حيوية مثل الصحة والنقل والصناعة والفلاحة. واستغلت العمل الخيري عبر مؤسسة (تيكا) التركية التي تأسست في العام 1992، وبدأت العمل في تونس رسمياً في العام 2012 بتقديم هبات وأعمال خيرية ليست سوى دعم مقنّع لحركة النهضة في مشروعها السياسي وفكّ الضغط الاجتماعي وتهدئة الشارع التونسي في وجهها.

كما حادت تونس عن مبدأ الحياد الذي يُعدّ تقليداً تونسياً راسخاً لدى ديبلوماسيتها التي تحافظ دوماً على حيادها أمام سياسة المحاور، فإذا بها منذ العام 2011 تنخرط لأول مرة في المحور التركي القطري عبر حركة النهضة التي أصبحت أداة لتنفيذ سياسات المحور في المنطقة والعالم.

ويتضح ممّا سبق أنّ حركة النهضة كانت جديرة بصداقة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، لأنّها المكوّن السياسي الوحيد الذي حقق له هذا الانتشار الواسع في تونس، وحقق له كل أحلامه في السيطرة على المنطقة، وسهّل له تواصله مع حلفائه في ليبيا للحفاظ على مصالح تركيا في المنطقة وتوسيع دائرة نفوذ بلاده في شمال أفريقيا اقتصادياً وسياسياً وثقافياً.

وقد كانت تركيا أول بلد يصدر موقف مساندة للغنوشي وإدانة لـ 25 تموز (يوليو)، ولمّا ألقي القبض على الغنوشي وأودع في السجن، صرّح الرئيس التركي بأنّه حاول الاتصال بالرئيس التونسي على خلفية اعتقال "أخيه"، غير أنّ الرئاسة التونسية رفضت تلقي مكالمته أو التواصل معه في الموضوع متمسكة باستقلال قرارها.

وقد استدعت تونس سابقاً السفير التركي لديها للاحتجاج، واتصل وزير الشؤون الخارجية التونسية بنظيره التركي للاحتجاج على ما اعتبرته تدخلاً في شأنها، وصرّح الرئيس التونسي بأنّ تونس "ليست إيالة تنتظر فرماناً من أحد" في إشارة واضحة إلى الموقف التركي.

غير أنّ هذه المواقف ليست سوى ضغط على تونس لضمان المصالح التركية فيها، بما أنّ ضامنها الأول أودع في السجن وأغلقت مقراته ومنعت اجتماعاته، وأمّا علاقات "الصداقة"، فإنّها لم تنفع إخوان مصر لمّا تركهم أردوغان في العراء، وحرمهم من الدعم الإعلامي والمادي وهرول إلى مصر يطلب المصالحة، وكذا فعل مع المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة لمّا ضاق عليه الخناق، ضارباً عرض الحائط بـ "أخلاقيات الصداقة"، لأنّ ما يحكم الدول هو المصالح المشتركة لا العلاقات الإنسانية، وهو ما لم تفهمه حركة النهضة الإخوانية وقواعدها إلى حدّ الآن. وأبرز دليل على ذلك أنّ تركيا تسارع الآن إلى عقد علاقات ودية بمؤسسات الدولة التي انبثقت عن "انقلاب" كانت أول من أدانه في العالم، فقد التقى رئيس مجلس نواب الشعب بسفير تركيا في 5 نيسان (أبريل) 2023 بقصر باردو، حيث "تقدّم له بتهانيه بمناسبة انتخابه رئيساً للمجلس وسلّمه رسالة خطية من نظيره رئيس المجلس الوطني الكبير التركي"، حسب بلاغ نُشر على الموقع الرسمي للمجلس على (فيسبوك). وقبل ذلك كان نبيل عمّار، وزير الشؤون الخارجية والهجرة والتونسيين بالخارج، قد استقبل يوم الثلاثاء 22 آذار (مارس) 2023، السفير نفسه، سفير تركيا بتونس، الذي هنّأه على نيل ثقة رئيس الجمهورية. وقد أكد محللون أن تركيا من خلال هذه الزيارات تدير ظهرها للغنوشي وجماعة الإخوان في تونس وتحاول مدّ جسور جديدة مع السلطة القائمة في تونس.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية