ما بين "العمل الجهادي" و"الكتاب والسلطان".. هل تغيّرت توجيهات الظواهري؟

ما بين "العمل الجهادي" و"الكتاب والسلطان".. هل تغيّرت توجيهات الظواهري؟


13/09/2021

وضع تنظيم القاعدة في العام 2013 دستوراً خاصاً به ضمنه في وثيقة أطلق عليها "توجيهات عامة للعمل الجهادي"، صدرت عن مؤسسة السحاب، الذراع الإعلامي للتنظيم، اشتملت على 17 توجيهاً منهجياً في العمل، وحملت توقيع أيمن الظواهري، لكن بعد مرور هذه السنوات ومع التغيرات في واقع وظروف هذا التنظيم من ضعف قيادته وتشتت مجموعاته وقتل قياداته هل تغيرت التوجيهات وتلك القوانين أم لا؟ خاصة مع حلول ذكرى الحادي عشر من سبتمبر هذا العام التي نشر فيها الظواهري كتابه الجديد (الكتاب والسلطان اتفاق وافتراق).

ملخص الوثيقة

كان أبرز ما جاء بهذه الوثيقة التي وجهها التنظيم لكل فروعه ومؤيديه والمتعاطفين معه، أنه قسّم عمل التنظيم إلى الأول: عسكري، والثاني: دعوي، معتبراً أنّ العمل العسكري يستهدف أولًا أمريكا وإسرائيل، والثاني الحكام، وأنّ الأولوية هي استهداف أمريكا لإنهاكها واستنزافها، لتنتهي لما انتهى له الاتحاد السوفيتي، وتنكفئ على نفسها، ليبدأ حلفاؤها وفق قول الظواهري في التساقط واحداً بعد الآخر.

ركّز الظواهري على جبهتين: الأولى: توعية وتربية طليعة تحمل عبء المواجهة، والثانية: توعية الجماهير وتحريضها والسعي في تحريكها، ثم ضرب مصالح التحالف الغربي في أي مكان في العالم.

من الركائز السابقة وضعت الوثيقة مجموعة من التعاليم والقواعد:

1- بذل الجهد لإخراج المساجين بشتى الوسائل بما في ذلك مهاجمة سجونهم أو خطف الرهائن.

2- عدم الاشتباك القتالي مع الأنظمة إلا إذا اضطر التنظيم لذلك، كما فعل في أفغانستان بمساعدة طالبان لأن النظام كان جزءاً من أمريكا.

3- تهدئة الصراع مع الحكام المحليين لاستغلال ذلك للدعوة والبيان والتحريض والتجنيد وجمع الأموال والأنصار.

4- عدم مقاتلة الفرق الأخرى مثل؛ الإسماعيلية والقاديانية والصوفية ما لم تقاتل هي أولاً، مع تجنب ضرب غير مقاتليهم وأهاليهم في مساكنهم وأماكن عبادتهم ومواسمهم وتجمعاتهم الدينية.

5- عدم التعرض للنصارى والسيخ والهندوس في البلاد الإسلامية، وإذا حدث عدوان منهم فيكتفي بالرد على قدر العدوان.

6- الامتناع عن قتل وقتال الأهالي غير المحاربين، حتى ولو كانوا أهالي من يقاتل القاعدة.

7- الامتناع عن استهداف الأعداء في المساجد والأسواق والتجمعات التي يختلطون فيها بالمسلمين.

 مراجعة أم ترشيد؟

لم يبد في تلك الوثيقة مراجعات منطقية لاستراتيجيات وأيديولوجيات التنظيم، لكننا يمكن أن نعتبر ما ورد فيها هو ترشيد لأعمال القاعدة الذي توسّعت فروعه وبدا أنّ هناك خللاً منهجياً كبيراً بين مجموعات متنافرة داخله تتعلق بالقتال المحلي، أو مجابهة الطوائف الأخرى، وكذا قضية المواجهة المسلحة مع الأنظمة.

مع حلول ذكرى 11 سبتمبر نشر الظواهري كتابه الجديد (الكتاب والسلطان اتفاق وافتراق)

ورد في التوجيه الذي يحمل الرقم 3 في الوثيقة "عدم الاشتباك القتالي مع الأنظمة إلا إذا اضطررنا لذلك، كأن يكون النظام المحلي يشكل جزءًا من قوة الأمريكان كما في أفغانستان، أو يقاتل المجاهدين نيابة عن الأمريكان كما في الصومال وجزيرة العرب، أو لا يقبل بوجود المجاهدين كما في المغرب الإسلامي والشام والعراق، ولكن يتجنب الدخول في قتال معه كلما أمكن ذلك، وإن اضطررنا للقتال معه فيجب إظهار أنّ معركتنا معه هي جزء من مدافعتنا للحملة الصليبية ضد المسلمين"، وهذا التوجيه يعتبر أصلاً عند تنظيم القاعدة منذ تأسيسه، حيث يرى أنّ قتال العدو البعيد هو الأولى، وأنه لا جدوى في قتال الأنظمة يقول أسامة بن لادن في كلمة صوتية نشرتها مؤسسة السحاب قبل مقتله بعام: "والذي ينبغي في مثل هذه الحالة أنْ يَبذل الجميع قُصَارى الجُهْد في تحريض وتعبئة الأمّة ضدّ العدوّ الصّائل والكُفْر الأكبر المُخيّم على البلاد والذي يُفسدُ الدّين والدُنيا ولا شيء أوجب بعد الإيمان من دفعه، ألا وهو التحالف الإسرائيليّ الأمريكيّ المحتلّ لبلاد الحرمين ومسرى النبيّ عليه الصّلاة والسّلام، وتذكير المسلمين بتجنّب الدّخول في قتالٍ داخليٍّ بين أبناء الأمّة".

غلاف الكتاب

كما أكد عطية الله الليبي عضو اللجنة الشرعية في تنظيم القاعدة في لقاء مفتوح منشور في موقع "التوحيد والجهاد" أن بن لادن كان لا يرى الاصطدام بالحكومة السعودية ولا غيرها من الحكومات العربية أيضاً، ويرى تحييد هذه الحكومات المحلية ما أمكن ذلك وعدم استعجال الاصطدام بها.

اقرأ أيضاً: أشياء لا تعرفها عن أيمن الظواهري.. ما علاقة أنور السادات؟

أما المحور الخاص بقتال الطوائف فورد بالوثيقة "عدم مقاتلة الفرق المنحرفة مثل الروافض والإسماعيلية والقاديانية والصوفية المنحرفة ما لم تقاتل أهل السنة، وإذا قاتلتهم فيقتصر الرد على الجهات المقاتلة منها، وعدم التعرض للنصارى والسيخ والهندوس في البلاد الإسلامية، وإذا حدث عدوان منهم فيكتفي بالرد على قدر العدوان، مع بيان أننا لا نسعى في أن نبدأهم بقتال، لأننا منشغلون بقتال رأس الكفر العالمي". ولم يكن هناك أي جديد فقد ورد من قبل في حديث الظواهري في حوار مفتوح بموقع التوحيد والجهاد أنّ موقفه من عوام الشيعة هو موقف علماء أهل السنة، وهو أنهم معذرون بجهلهم. أما من شارك منهم زعماءهم في التعاون مع الصليبيين والاعتداء على المسلمين فحكمهم حينئذٍ حكم الطوائف الممتنعة عن شرائع الإسلام. أما عوامهم الذين لم يشاركوا في العدوان على المسلمين، ولم يقاتلوا تحت لواء الصليبية العالمية، فهؤلاء السبيل معهم الدعوة.

القاعدة الآن في معضلة كبيرة تتمثّل في أنّها ليست جماعة واحدة، بل مجموعة من الجماعات، وبعضها يعطي أولوية للقتال المحلي وليس المعولم

كما أصدر تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين من قبل أنه لن يمد يده بسوء على الفصائل الشيعية التي لم تتعاون مع المحتل، وذلك في بيان نشر العام 2005 ما نصه "كل طائفة من الشيعة تستنكر جرائم الحكومة على أهل السنة في تلعفر، وغيرها، ولات عين الاحتلال بوجه من الوجوه فإنها مستثناة من الضربات".

وفيما يخص التفجيرات في الأماكن العامة مثل المساجد والأسواق جاء في الوثيقة "الامتناع عن إيذاء المسلمين بتفجير أو قتل أو خطف أو إتلاف مال أو ممتلكات. الامتناع عن استهداف الأعداء في المساجد والأسواق والتجمعات التي يختلطون فيها بالمسلمين أو بمن لا يقاتلنا". وهذا أيضاً ليس بجديد فقد أصدر تنظيم القاعدة بياناً في خريف 2007 يوضح موقفه من مثل هذه العمليات، جاء فيه أنّ التنظيم ضد استهداف المساجد.

وعن الموقف من الجماعات الإسلامية الأخرى فقد اشتملت الوثيقة في التوجيه الذي يحمل الرقم 11 ما نصه: الموقف من الجماعات الإسلامية الأخرى نتعاون فيما اتفقنا فيه، وينصح بعضنا بعضاً فيما اختلفنا فيه "الأولوية في المواجهة مع أعداء الإسلام وخصومه"، وهذا ليس بجديد فقد تحالفت القاعدة مع طالبان، يقول أبو مصعب الزرقاوي في حوار أجري معه قبل مقتله عام 2006: "ها هم الطالبان مثلاً المعروف عنهم أنهم ماتُريدية خريجو المدرسة الديوبندية وهؤلاء من المعروف عنهم أنهم لا يقبلون إلا بتحكيم شرع الله وقاتلوا في سبيل الله ووقفوا بوجه طغيان أمريكا، وعندهم بعض الأخطاء ونعلم بهذا ولكن هم عندي خير من أصحاب العقيدة الصحيحة من الذين بايعوا الطاغوت".

الكتاب والسلطان

لم تتغير توجيهات القاعدة مؤخراً، وأعاد التنظيم نشر الوثيقة في منتدياته، ومع حلول ذكرى الحادي عشر من سبتمبر العام 2021 نشر الظواهري كتابه الجديد (الكتاب والسلطان اتفاق وافتراق) ولم يبد فيه أي جديد، إلا أنّ ما ورد في أروقة الإنترنت لعناصر التنظيم ومنظريه بدا منه أنّ كل التوجيهات السابقة كانت ترشيداً لأخطاء على الأرض، وأنه من الممكن إعطاء الأولوية للقتال المحلي؛ أي قتال أمريكا لكن عبر الأنظمة الموالية لها أو المرتبطة بها.

إنّ القاعدة الآن في معضلة كبيرة خاصة مع نجاح القتال المحلي على يد حركة طالبان، وتتمثّل المعضلة في أنّ القاعدة ليست جماعة واحدة، بل مجموعة من الجماعات، وبعضها يعطي أولوية للقتال المحلي وليس المعولم، يقول أبو بصير الطرطوسي أحد منظّري السلفية الجهادية: لو عزم الشيخ أي الظواهري على إزالة العقبة (الكأداء)، وهي الارتباط بالقاعدة، وباستراتيجيتها، التي لا تناسب قط جهاد وتطلعات الأمم والدول، والشعوب، والتي بات الارتباط بها ضرراً محضاً لا مرية ولا شك فيه، ولا يُقبل من الشيخ ولا غيره أن ينادي بالوحدة .. ثم هو في نفس الوقت يحرص على الأسباب التي تمنع من تحقيق هذه الوحدة، التي منها إلزام أهل الشام ومجاهديهم بأن يتحدوا تحت مسمى واستراتيجية القاعدة، فيكون مثله مثل من يقول بالشيء وضده معاً، وهذا لا يليق!



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية