ما الذي يجري في الجنوب السوري؟

سوريا

ما الذي يجري في الجنوب السوري؟


01/07/2018

لم يشكل ما يجري في الجنوب السوري، تحديداً درعا ومحيطها، مفاجأة لأي متابع؛ إذ كانت المؤشرات منذ أسابيع تدل على أنّ معركة يتم الترتيب لها في إطار صفقة شاملة بين واشنطن وموسكو بالدرجة الأولى، وإسرائيل والأردن بالدرجة الثانية، وبشروط متبادلة، تضمن تحقيق الحكومة السورية لهدفها باستعادة سلطتها على الجنوب السوري، ووصولها إلى الحدود، مقابل إبعاد المليشيات الإيرانية عن الجنوب السوري، واستعادة الوضع القائم على الحدود مع الجولان قبل الثورة، العام 2011، وكان الإعلان الأمريكي بمطالبة الفصائل المسلحة في الجنوب السوري بأن لا تتوقع من أمريكا التدخل عسكرياً لصالحها، أوضح تعبير عن هذه الصفقة ومضامينها.

تتوالى المؤشرات التي تدل على ترجيح إمكانية وضع نهاية لمعارك درعا قريباً

هذه الصفقة ضمنت لكل الأطراف مطالبها، باستثناء فصائل المعارضة، فمن جهتها أثبتت روسيا أنّها صاحبة الكلمة الفصل في سوريا، وأمريكا التي تتعامل مع الجنوب السوري بعيون إسرائيلية، تريد ضمانة مصالح إسرائيل، ومطلبها بإبعاد المليشيات الإيرانية عن حدودها لأكثر من 40 كلم، وأن يتسلم الجيش السوري مواقعه على الحدود مع الجولان المحتل، والأردن يريد ضمانات تحول دون التهديد الإرهابي القادم من الجنوب السوري، ممثلاً بالقاعدة وداعش، وضمان وصول الجيش السوري للحدود الأردنية السورية، بما في ذلك المعابر الحدودية، لاستئناف التجارة البينية في ظل أزمته الاقتصادية، وضمان ألّا يتحمل أعباء إضافية لموجات لجوء جديدة، في ظلّ عدم قدرته على تحمل أعباء اللاجئين لديه، وضمان استقرار الأوضاع على حدوده في الجانب السوري.

الحديث عن إنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية ما يزال يخضع لحوارات بين أمريكا وروسيا

مسار العمليات العسكرية في الجنوب السوري، يشير إلى أنّه تجري ترجمة الصفقة، التي تم الاتفاق عليها، وهو ما يفسر الدخول الروسي في هذه المعركة، لا بل وقيادتها من خلال سلاحه الجوي وشرطته العسكرية على الأرض، فيما تبدو القوات السورية تتحرك بأوامر وتوجيهات روسية، بعد إبعاد المليشيات الإيرانية عن ساحة الجنوب، رغم مزاعم للمعارضة بأنها تشارك في المعارك، وفي تقديرنا أنّها، حتى لو كانت هناك مشاركة إيرانية فهي محدودة ومحدودة جداً، إضافة إلى اكتفاء إسرائيل بالمتابعة عن بعد، فيما لم تتدخل أمريكا عسكرياً، ولم تصدر أية بيانات إدانة لعمليات القصف من قبل المجتمع الدولي، باستثناء تحذيرات أممية من نتائج القصف والمعارك على المدنيين، وتمت معالجة قضية اللجوء بتنسيق بين الحكومة السورية والأمم المتحدة، بإنشاء مخيمات لإيواء اللاجئين داخل الأراضي السورية.

من المرجح أنّ القوات الروسية وقوات الجيش السوري معنية بحسم المعارك في درعا قبيل انعقاد قمة ترامب بوتين في هلسنكي

وفي ترجمة أكثر عمقاً للصفقة، تتوالى المؤشرات التي تدل على ترجيح إمكانية وضع نهاية لمعارك درعا قريباً، من خلال:
أولاً: الإعلان عن هدنتين منفصلتين، بعد تخفيف حدة القصف الجوي في غالبية المناطق، الأولى؛ من قبل روسيا، لتحلق بها في اليوم التالي، هدنة أخرى من قبل الجيش السوري، لإتاحة المجال أمام عمليات مصالحة بدأها الجيش السوري بالتعاون مع روسيا، منذ انتهاء معارك الغوطة ودوما، جوهرها تسليم الفصائل المعارضة أسلحتها للجيش السوري، وضمّ بعض الفصائل للقوات السورية، وانتشار الشرطة العسكرية الروسية في مناطق المصالحة.

اقرأ أيضاً: الجنوب السوري يغلي على وقع مساومات سياسية لتقاسم النفوذ

ثانياً: عودة الحديث عن إعادة العمل باتفاقية الهدنة عام 1974، بين إسرائيل وسوريا، فيما يتعلق بحدود الجولان المحتل، بإشراف قوات من الأمم المتحدة.
ثالثاً: الحديث عن إنشاء منطقة عازلة داخل الأراضي السورية، ما يزال يخضع لحوارات بين أمريكا وروسيا، ويبدو أن إمكانية إقامتها، أو عدم إقامتها، ستكون مرتبطة بالتطورات على الأرض لاحقاً، وتحديداً الاستقرار الأمني، وتعامل الحكومة السورية مع مواطنيها.

من غير الواضح كيف ستنتهي الأوضاع في الجنوب، إلا أنّ المرجح أنّ سيطرة واسعة للجيش السوري ستكون عنواناً للجنوب، رغم بعض العقبات التي سيتم التوصل لحلول بشأنها، وتحديداً كيفية التعامل مع جبهة النصرة ومع داعش في وادي اليرموك "جيش خالد بن الوليد"؛ حيث ترجح تقديرات واسعة لمختصين أن يكون الحل على غرار ما تم في مناطق أخرى: "حلب، حمص، الغوطة، دوما، ومخيم اليرموك"، بالترحيل إلى محافظة ادلب.

اقرأ أيضاً: آثار سوريا تدفع ثمن سبع سنوات من الصراع

ومن المرجح أنّ القوات الروسية وقوات الجيش السوري معنية بحسم المعارك في درعا، قبيل انعقاد قمة ترامب بوتين في هلسنكي، في منتصف تموز (يوليو) الجاري؛ حيث لن تتم مناقشة تفاصيل الجنوب السوري فحسب؛ بل مستقبل سوريا، في إطار الحل السياسي، الذي أصبح يتردد على هامشه العودة إلى حديث الانسحاب الأمريكي العسكري من سوريا، وبحيث تتولى روسيا باتفاق مع أمريكا ترتيبات الملف السوري، تلك الترتيبات التي بدأت ملامحها بإجراءات روسية ضد إيران، وكشف الغطاء عنها في سوريا، في ظل تفاهمات روسية إسرائيلية، وربما لا يكون بعيداً استئناف مفاوضات السلام السورية الإسرائيلية، في ظلّ سوريا جديدة، بقيادة الأسد، بعد إعادة تأهيل النظام السوري، بانسجام أوسع مع المجتمع الدولي، وأقلّ ممانعة، بعد ثمانية أعوام من الحرب الأهلية، بتداخلاتها الإقليمية والدولية.


 

 


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية