ما الخيارات الإيرانية الواقعية للرد على الضربة الأمريكية المحتملة؟

ما الخيارات الإيرانية الواقعية للرد على الضربة الأمريكية المحتملة؟


23/05/2019

رغم التصعيد الإعلامي والتهديدات المتبادلة بين إيران وأمريكا، وضعف احتمالات اندلاع حرب بين الطرفين لأسباب مرتبطة بحسابات أمريكية داخلية لإدارة الرئيس ترامب، وأخرى لدى القيادة الإيرانية، والتي لم تصل بعد للمستوى الذي وصلت إليه التهديدات المتبادلة بين أمريكا وكوريا الشمالية، قبل الانقلاب المفاجئ بين الطرفين، والتوصل لاتفاق وضع حداً لاحتمالات نشوب حرب، إلا أنّه لا يمكن التعامل مع هذا الخيار بالنسبة لإيران باعتباره غير قائم، رغم الشكوك العميقة والقناعات التي تسود في المنطقة، رسمياً وشعبياً، بأن لا حرب تلوح في الأفق بين أمريكا وإيران، ويصل بعضها إلى حد اتهام الولايات المتحدة، بأنّ كل ما تقوم به ضد إيران يأتي تنفيذاً لاتفاق مبرم بين الطرفين.

اقرأ أيضاً: هل تبحث إيران عن وسطاء؟ اعتراف غير مباشر
ومع ذلك، فإنّ الاحتمالات المنخفضة لحرب بين الجانبين، تطرح تساؤلات لدى الخبراء في المستويات؛ السياسية والعسكرية والأمنية، حول حدود الردود والخيارات الإيرانية المتاحة، وبعيداً عن الرومانسية التي يتعامل بها الرأي العام في الشرق الأوسط، والرغبات المكبوتة بظهور قوة فاعلة تستطيع مواجهة الولايات المتحدة، التي لا تخفي دعمها المطلق لإسرائيل، فإنّ تلك الخيارات، بالإضافة إلى كونها محدودة جداً، فإنّها ستعتمد على شكل وعمق آلية ضربها وأهدافها، فهل ستكون حرباً شاملة على غرار الحرب التي شنّتها أمريكا على العراق، أم ستكون ضربة ضد أهداف عسكرية؛ منشآت نووية، منصات إطلاق صواريخ، قطاعات الحرس الثوري، أم ستكون ضد البنى التحتية ومراكز الاتصالات والقيادة؟

المؤشرات الأولية التي تم رصدها تؤكد أنّ دفع أذرع إيران بالعراق وسوريا واليمن لقيادة المواجهة هي الخيار الأول لدى طهران

من المرجح أنّ رد الفعل الإيراني سيعتمد بالدرجة الأولى على قوة الضربة وأهدافها، واحتمالات ألا تبادر إيران لأي رد واردة، خاصة إذا استهدفت الضربة المواقع النووية، كما فعلت العراق وسوريا، مع الضربات الإسرائيلية التي استهدفت مفاعلات نووية عراقية وسورية.

لكن المؤشرات الأولية وردود الفعل الإيرانية التي تم رصدها خلال الأسابيع الماضية تؤكد أنّ دفع أذرع إيران في "العراق وسوريا ولبنان إضافة لليمن" لقيادة المواجهة هي الخيار الأول لدى القيادة الإيرانية، وقد دللت ثلاثة تطورات على ذلك وهي: العملية التي نفذت ضد ناقلات نفط في الفجيرة الإماراتية، والصواريخ والطائرات التي أطلقها الحوثيون ضد أهداف في المملكة العربية السعودية، بما فيها الصواريخ التي تم اعتراضها على مكة المكرمة، والتطور الثالث تمثّل بإعلان أمريكا عن مخطط للحشد الشعبي العراقي، بإشراف قائد فيلق القدس، قاسم سليماني، لإطلاق صواريخ على أهداف أمريكية في العراق وسوريا والخليج.

ويبدو أنّ هذا الخيار تفضله القيادة الإيرانية، خاصة وأنّه يؤكد قدراتها الإقليمية من جهة، ولا يرتب عليها أعباء حقيقية، فقد كان لافتاً إدانتها للعملية التي نفذت ضد ناقلات نفط في الفجيرة، ولا تعترف بمسؤوليتها عن إطلاق الطائرات المسيرة والصواريخ من قبل الحوثيين ضد السعودية، فيما تسهل الأوضاع المعقدة في العراق وسوريا عليها، تجنب أية مسؤولية عن أية عمليات، في ضوء استمرار داعش والإرهاب.

اقرأ أيضاً: 3 سيناريوهات محتملة للمواجهة العسكرية بين أمريكا وإيران

ويجري الحديث، بشكل واسع عن احتمالات إقدام إيران على إغلاق مضيق هرمز أمام تجارة النفط العالمية، ويبدو أنّ هذا الحديث مرتبط بالدعاية الإيرانية التي مارست تهديدات مبطنة وعلنية بإغلاق هرمز، إلا أنّ كل التهديدات لم تنفذ عبر تاريخ الصراع في المنطقة، لأسباب مرتبطة بإدراك إيران صعوبة ذلك، بما فيها قدرة الولايات المتحدة على فتح هذا الممر البحري بالقوة، ولأن إغلاقه من قبل إيران يعني تسويغ مبررات الحرب عليها، وخسارة إيران لأي حلفاء أو متفهمين لموقفها من القوى الدولية "روسيا، الصين، أوروبا، شرق آسيا"، بالإضافة لكون إغلاق مضيق هرمز يضر بمصالح إيران، ويعزز الحصار عليها وعلى حلفائها وخاصة العراق. ويجمع محللون وخبراء على أنّ إيران لن تذهب إلى هذا الخيار إلا إذا قررت خوض الحرب وفق مقولة: "عليّ وعلى أعدائي".

إيران التي صاغت الصراع في المنطقة على أسس مذهبية تدرك أنّ موقفاً إسلامياً مؤيداً لها يبدو مستحيلاً

وفي إطار خيارات الرد الإيراني، تطرح تساؤلات حول ردود إيران المحتملة بشن ضربات ضد إسرائيل، وإمكانية إصدار أوامر لحزب الله بتنفيذ هذه المهمة، بهدف استقطاب العالم الإسلامي، إلا أنّ إيران التي صاغت الصراع في المنطقة على أسس مذهبية، تدرك أنّ موقفاً إسلامياً مؤيداً لها يبدو مستحيلاً، فترسانتها العسكرية التي تعلن عنها تم استخدامها ضد "السنّة" في العراق وسوريا واليمن والخليج، كما تدرك عواقب ضرب إسرائيل وكيف أنّ الرأي العام العالمي سيكون ضدها وينقلب عليها.

الرهانات الإيرانية على مواقف روسيا والصين وعلى الموقف الأوروبي، بدت أكثر وضوحاً، خلال الأسابيع القليلة الماضية، وخاصة الموقف الروسي الذي عبّر عنه الرئيس بوتين "روسيا ليست مهمتها إطفاء الحرائق في المنطقة ولن تكون شرطي المنطقة"، إضافة إلى الموقف الصيني الدبلوماسي ومواقف أوروبا الخجولة، كلها تؤكد أنّ القيادة الإيرانية لا يمكن أن تراهن على موقف دولي يؤيد مواقفها أو يقف بشكل حيادي.

وفي الخلاصة، فإنّ من المبالغة الزعم بأنّ إيران لا تملك خيارات، إلا أنّ النظر بواقعية لخيارات القيادة الإيرانية المحتملة، يؤكد محدودية تلك الخيارات، وإنّها تذهب باتجاه القضاء على النظام الإيراني، أو صفقة بشروط قاسية، وهو ما تدركه دول الخليج والمملكة العربية السعودية التي دعت لثلاث قمم في مكة نهاية الشهر الجاري، مؤكد أنّ سبل مواجهة أو احتواء إيران ستكون أحد أبرز موضوعاتها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية