ماذا يعني فوز رئيس إصلاحي في إيران؟

ماذا يعني فوز رئيس إصلاحي في إيران؟

ماذا يعني فوز رئيس إصلاحي في إيران؟


09/07/2024

ربما لم يكن مفاجئاً أن يفوز المرشح الإصلاحي (مسعود بزشكيان) في انتخابات الإعادة لمنصب رئيس الجمهورية الإسلامية، بعد سيطرة المتشددين على مقاليد الحكم في إيران، وإفشال تجارب رئيسين إصلاحيين، وهما: (محمد خاتمي وحسن روحاني)، حيث لم يتمكنا من تحقيق تغيير يُذكر في إيران، والدولة الإيرانية تعاني من أزمات داخليّة مستعصية يرتبط استمرارها باستمرار النظام ودستوره وقوانينه، ويجعل المواقع المهمة في السلطات الـ (3): "البرلمانية، والتنفيذية، والقضائية" بيد المرشد الأعلى للثورة التي لم تنتهِ، ولن تنتهي، بإعلان الانتصار والتفرغ للتنمية، منذ حوالي (45) عاماً.

لقد أنتج النظام الإيراني نظاماً سياسياً محكماً بقيادة ولاية الفقيه، وليس بمقدور أيّ رئيس إصلاحي إلّا أن يكون مكبَّلاً به، مهما كانت شعاراته وبرامجه ومقارباته الإصلاحية تجاه قضايا: التنمية والحريات والديمقراطية وحقوق الإنسان، وحتى مصالحة إيران مع الإقليم وجيرانها، فالقرارات الاستراتيجية المتعلقة بالشؤون الداخلية والخارجية لإيران بيد المرشد الأعلى ودائرته، ولو كان الرئيس إصلاحياً أو متشدداً، فالمرشد الأعلى يسيطر على البرلمان والسلطة القضائية، ولديه جيش خاص وهو الحرس الثوري الإيراني، والأجهزة الأمنية بما فيها استخبارات الحرس الثوري، والاستخبارات الداخلية  "الباسدران والباسيج"، والأهمّ من ذلك أنّ أيّ قرارات لرئيس الجمهورية لا يمكن أن تكون نافذة، وفقاً للدستور الإيراني، إلّا بعد موافقة هيئات تقع تحت سيطرة مطلقة للمرشد، مثل البرلمان ومجلس تشخيص مصلحة النظام.

أنتج النظام الإيراني نظاماً سياسياً محكماً بقيادة ولاية الفقيه، وليس بمقدور أيّ رئيس إصلاحي إلّا أن يكون مكبَّلاً به، مهما كانت شعاراته وبرامجه ومقارباته الإصلاحية

كان واضحاً في مراحل التحضير للانتخابات التي أعلن عنها بعد "تصفية" الرئيس إبراهيم رئيسي المقرب من المرشد الأعلى، والذي يُعدّ من أبرز رموز التشدد، أنّ هناك خطة إيرانية محكمة فتحت أفقاً أمام التيار الإصلاحي لتقديم (بزكشيان) مرشحاً وحيداً له، مقابل (5) مرشحين من التيار المتشدد، في محاولة لدفع تيار الإصلاح لعدم اتخاذ قرار بمقاطعة الانتخابات، إذ إنّ القيادة الإيرانية معنية بهذه الانتخابات بتحقيق أعلى نسبة تصويت ممكنة، تتجاوز حدود الـ (40%)، وهو ما تمّ فعلاً، وبمرجعية أنّ هذه النسبة ستكون شهادة اعتراف بشرعية النظام الإيراني، لا سيّما أنّ هذه الشرعية موضع شكوك عميقة داخلياً وخارجياً، وفي ضوء ذلك فإنّ أسئلة ملحة تطرح في أوساط كثيرة، داخل إيران وخارجها، عن التغييرات المحتملة على الصعيدين الداخلي والخارجي في إيران، والتي يمكن إجمالها على النحو التالي:

أوّلاً: داخلياً: لا شكّ أنّ فوز (بزشكيان) يعبّر عن رغبات لدى الإيرانيين بحدوث تغيير في حياتهم الاقتصادية في ظل أزمات اقتصادية متفاقمة تعكسها مستويات وإحصاءات رسمية إيرانية حول مستويات الفقر والبطالة وارتفاع الأسعار، وهو ما يعني رفضاً لسياسات تيار التشدد على الصعيد الداخلي على الأقل، وإلى جانب ذلك فإنّ مطالب الانتفاضات الإيرانية منذ عام 2009، والتي تمحورت حول تحسين ظروف المعيشة إلى جانب الحريات والحقوق المدنية تمّت مواجهتها بالقوة من قبل تيار التشدد، ومن المرجح مع الرئيس الإصلاحي الجديد أنّ "حلحلة" في مستوى الحريات ستشهدها إيران، لكنّها ستبقى وفق معايير وقرارات المرشد الأعلى للثورة ومكتبه الذي يضم فريقاً من المستشارين والخبراء، وستساعد صورة الرئيس الإصلاحي الجديد بإظهار تنوع في إيران وتقاسم السلطة، وربما يشهد البرلمان الإيراني جدالات وخطابات غير مسبوقة، على غرار جدالات الديمقراطيين والجمهوريين في أمريكا، لكنّها جدالات ستبقى محكومة بقرار المرشد الأعلى وفريقه.

أثبتت التجارب السابقة مع رئيسين إصلاحيين وهما محمد خاتمي وحسن روحاني أنّ صلاحيات منصب رئيس الجمهورية وفريقه الوزاري محدودة جداً وأنّ القرار بيد المرشد الأعلى

ثانياً: خارجياً: أثبتت التجارب السابقة مع رئيسين إصلاحيين، وهما محمد خاتمي وحسن روحاني، أنّ صلاحيات منصب رئيس الجمهورية وفريقه الوزاري محدودة جداً، وأنّ القرار بيد المرشد الأعلى، وهذا ما أكده وزير الخارجية (جواد ظريف) في عهد حسن روحاني بأنّ وزير الخارجية الفعلي كان (قاسم سليماني/ قائد الحرس الثوري)، وهو ما يعني أنّ وجود التيار الإصلاحي في الواجهة لا يتجاوز أهداف التيار المتشدد بتقديم صورة مقبولة للغرب، مع استفحال أزماته الاقتصادية والعقبات التي تواجه المفاوضات النووية ومطالب رفع العقوبات، بالإضافة إلى عدم قدرته على الاستمرار بدعمه اللّامحدود لوكلائه في المنطقة، ودون أن ينعكس هذا الدعم بتحقيق إنجازات فعلية للشعوب الإيرانية، ولا على مستوى الدور الإقليمي، فحامل جواز السفر الإيراني اليوم شخص مشتبه به في كل العواصم باستثناء العواصم التي تسيطر عليها طهران .

إنّ سياسات طهران في إطار علاقتها الإقليمية والدولية، مع الرئيس الإصلاحي الجديد، ربما تشهد تغييرات شكلية، لكنّها لن تمسّ جوهر الاستراتيجيات الإيرانية التي يتبنّاها تيار التشدد، ومع ذلك لا يُستبعد أن تصدر الأوامر من المرشد للحرس الثوري والوكلاء "حزب الله اللبناني، والحشد الشعبي العراقي وفصائله، والحوثيين" بخفض مستوى التصعيد في المنطقة، ذلك أنّ إيران ومعها الكثير من القوى الدولية وفي الإقليم ترجح إمكانية فوز الرئيس الأمريكي السابق (ترامب)، وعودته إلى البيت الأبيض، وتدرك مواقف (ترامب) المتشددة ضد إيران، وانحيازه لإسرائيل وعداوته لإيران.

وفي الخلاصة؛ فإنّ تسهيل فوز رئيس إصلاحي جديد، وبترتيب من المرشد الأعلى ومكتبه ومستشاريه الأقرب، ربما جاء في إطار خطة، لإفشال أيّ حراكات وانتفاضات داخلية على خلفية قضايا معيشية أو قضايا مرتبطة بالحقوق والحريات، استعداداً للتغييرات المتوقعة في أمريكا بانتخاب (ترامب)، وفتح آفاق جديدة لمفاوضات حول البرنامج النووي والصاروخي الإيراني، بالإضافة إلى المسيّرات، إذ من المؤكد أنّ الليونة التي مارسها الديمقراطيون مع إيران ووكلائها ستكون مختلفة في حال فوز (ترامب).



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية