ماذا على تركيا أن تفعل لتطبيع علاقتها مع العرب؟

ماذا على تركيا أن تفعل لتطبيع علاقتها مع العرب؟


10/03/2021

بالعودة إلى عام 2010 كانت العلاقات العربية التركية في أوج قوتها الاقتصادية، في ظلّ وجود مجموعة حاكمة في تركيا، تبنت سياسة صفر مشاكل، وركزت على التنمية الاقتصادية، والانفتاح الثقافي بين الدول العربية وتركيا، حتى صارت الأخيرة مثالاً يُحتذى به في التنمية.

ولم تشهد العلاقات العربية التركية هذه القوة إلا باحترام أردوغان سيادة الدول العربية، خاصة وأنّ الماضي العثماني ما يزال حاضراً بمآسيه في واقع وذهن الكثير من العرب؛ على المستوى الرسمي والشعبي، لكنّ مع أحداث الربيع العربي في عام 2010، كشف أردوغان عن أطماعه السياسية، المقنعة بالتاريخ العثماني، وتوترت العلاقات مع العرب، ووصلت إلى حد القطيعة والصراع المسلح.

منتدى الصداقة في اليونان بمشاركة خليجية

واليوم بعد مضي عشر سنوات على الصراع، وإخفاق مشروع الهيمنة التركي، وتأثر التبادل التجاري سلباً، سواء بالتراجع أو الثبات، يخرج أردوغان وأذرعه الإعلامية في جميع مؤسسات الدولة، بعد أنّ صارت جميعها مجرد أبواق إعلامية، وفقدت مهنيتها واحترامها، ليغازل الدول العربية، وتارة يغازل كلّ دولة على حدة، مستنداً إلى الروابط التاريخية، ومتغافلاً أنّه قطعها بأطماعه، وتدخلاته التخريبية في البلاد العربية.

اقرأ أيضاً: "أوقفوا أردوغان" يعمق التباعد بين أنقرة وواشنطن

ولا يدرك أردوغان أنّه صار المشكلة، وبات عبئاً على تركيا قبل أنّ يكون عبئاً على المنطقة، ومهما يغازل الدول العربية فلم يعد بالإمكان استعادة العلاقات الودية، لأنّه رغم مغازلته لا يريد علاقات ندية، بل علاقات تبعية تخدم أطماعه، التي تفتقد أي إمكانية لتحقيقها.

غزل لا ينتهي

خرجت كثير من التصريحات الودية من أنقرة حول علاقتها بالدول العربية، خصوصاً مصر التي لها نصيب الأسد من الغزل التركي، وشهدت الأيام الماضية موجة تصريحات تركية تتحدث عن بوادر إيجابية مصرية، وأخرى تحمل دعوة إلى عودة العلاقات لطبيعتها مع دول خليجية.

تتطلب تصريحات أنقرة قراءة خاصة؛ كون المؤسسات التركية فاقدة للياقة الدبلوماسية والاحترافية، وصارت أقرب إلى أبواق إعلامية، تعمل كحلقة في سلسلة دعائية

وتتطلب التصريحات التركية قراءة خاصة؛ كوّن المؤسسات التركية فاقدة للياقة الدبلوماسية والاحترافية، وصارت أقرب إلى أبواق إعلامية، تعمل كحلقة في سلسلة دعائية، بهدف تحقيق أغراض غير المعلن عنها.

وبتطبيق ما سبق على موجة التصريحات الأخيرة حول مصر، والتي تتبنى مقولة واحدة، بتنويعات مختلفة، وهي أنّ "احترام مصر للجرف القاري التركي خلال أنشطتها للتنقيب شرقي المتوسط، رسالة مصرية تحترم ما تراه تركيا حقّاً لها في شرق المتوسط".

ولم تبدأ تلك الحملة بتصريحات المسؤولين الأتراك، بل سبقها تمهيد واسع في الصحافة التركية، ثم تلقفتها مؤسسات الدولة، وبدأت الحملة عقب طرح وزارة البترول والثروة المعدنية المصرية أول مزايدة استكشافية عالمية في العام الجاري، للتنقيب عن النفط والغاز، في 24 منطقة بخليج السويس والصحراء الغربية وشرق وغرب البحر المتوسط، بشكل إلكتروني عبر "بوابة مصر للاستكشاف والإنتاج"، في 18 شباط (فبراير) الماضي.

اقرأ أيضاً: إمبراطورية عثمانية من صُنع أردوغان

وبدأت حملة الغزل التركية لمصر بنشر الصحف التركية لتقارير منقولة عن صحف يونانية، تشكك في مراعاة مصر لما تظنّه أنقرة حدودها البحرية في شرق المتوسط، اعتماداً على خريطة مناطق الاستكشاف في المزايدة الأخيرة.

وكرر كل من؛ وزير الخارجية، ووزير الدفاع، والمتحدث باسم الرئاسة التركية نفس الرسائل الإعلامية التي بدأتها وكالة الأناضول، ما يحتم قراءة التصريحات الرسمية التركية في سياق الإعلام ككل، وما يحمله من رسائل موجهة للداخل قبل الخارج.

اقرأ أيضاً: كيف ستتعاطى أمريكا مع سياسات أردوغان بـ "تبريد" الملفات الساخنة؟

ووقعت مصر اتفاقية لترسيم الحدود البحرية مع اليونان العام الماضي، وكانت وقعت اتفاقية مع قبرص، دخلت حيز النفاذ في 2013، وانبنت هذه الاتفاقيات على الخرائط المصرية المودعة في الأمم المتحدة في عام 1982.

ولا تخرج التصريحات التركية عن كوّنها لعبة إعلامية، من نظام أردوغان الذي ينظر للمنطقة من برج عاجي، مبني على أوهام القوة والتفوق، دون إدراك لتغير موازين القوى من حوله.

اقرأ أيضاً: أردوغان المضطرب في تركيا يهدد استقرار المنطقة

ويؤكد الخبير في شؤون الطاقة والجيولوجيا البحرية، جمال القليوبي على أنّه وفقاً لقانون أعالي البحار، "لا تشترك تركيا في جرف قاري مع مصر وليبيا، وبالتالي لا وجود لحدود بحرية بينهما، فضلاً عن وجود دولة قبرص، و33 جزيرة حدودية يونانية بين تركيا ومصر وليبيا".

الخبير في شؤون الطاقة والجيولوجيا البحرية، د. جمال القليوبي

وعن ادعاءات تركيا حول الجرف القاري، يقول القليوبي لـ"حفريات"، لا يوجد جرف قاري ممتد لتركيا، ووفق قانون أعالي البحار، فإنّ "الجرف القاري هو منطقة من التكوينات الجيولوجية الممتدة من شواطئ دولة ما في عمق البحر، بحيث لا تزيد درجة انحدارها عن 1000 متر، في حين أنّ جيولوجيا الجرف القاري في تركيا، تمتد إلى 12 ميل بحري، ثم يهبط قاع البحر إلى 4300 متر، نتيجة وجود تصدع، ما يعني قانونياً عدم وجود جرف قاري تركي تراعيه مصر من الأساس، ولذلك كلّ ما تدعيه تركيا هو افتراءات، لا قيمة لها".

أهداف أردوغان

وكان المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم قالن، صرح في حوار مع وكالة "بلومبيرغ"، بأنّ أنقرة "يمكنها فتح صفحة جديدة في علاقتها مع مصر وعدد من دول الخليج"، وذلك في الثامن من الشهر الجاري. وأضاف قالن: "يمكن فتح صفحة جديدة في علاقتنا مع مصر ودول الخليج من أجل المساعدة في تحقيق السلام والاستقرار الإقليميين".

الخبير في شؤون الطاقة جمال القليوبي لـ"حفريات": لا تشترك تركيا في جرف قاري مع مصر وليبيا، وبالتالي لا وجود لحدود بحرية بينهما

وتأتي تصريحات قالن عقب التصريحات الخاصة بمصر على لسان وزيري الخارجية والدفاع، ما يفرض قراءة هذه التصريحات ككلّ، لمحاولة سبر النوايا التركية.

ويقول الباحث في الشؤون التركية، كرم سعيد، أنّ هناك مجموعة من الدوافع وراء هذه التصريحات، بعضها للخارج وأخرى للداخل، أولها "فزع تركيا من التطورات المتلاحقة في شرق المتوسط، والتي تجرى دون مشاركتها، ومنها ترسيم الحدود المصرية اليونانية، وتحويل منتدى غاز شرق المتوسط إلى منظمة إقليمية، وتدشين منتدى الصداقة في اليونان بمشاركة دول خليجية".

اقرأ أيضاً: انتهاكات أردوغان لحقوق الإنسان تكشف خدعة خطته الإصلاحية

واستضافت العاصمة اليونانية، أثينا اجتماع منتدى الصداقة، في شباط (فبراير) الماضي، بمشاركة وزراء خارجية عدّة دول عربية إلى جانب اليونان وقبرص، وهي: السعودية، والإمارات، ومصر، والبحرين، والأردن. ومن غير المستبعد أنّ تكون التصريحات التركية حول الخليج لها صلة بذلك.

الباحث في الشؤون التركية، د.كرم سعيد

وأكد سعيد لـ"حفريات"، أنّ الدافع الثاني هو "رغبة تركيا في احتواء الضغوط الأمريكية والأوروبية عبر حلحلة الأزمة مع مصر والخليج"، ثم الدافع الثالث، وهو خاص بمصر بعد أنّ "أدركت فشل سياستها العدائية تجاه النظام المصري، منذ 2013، سواء في إضعاف شعبيته، أو سحب الشرعية الدولية منه".

ويردف سعيد، بأنّ الدافع الرابع مرتبط بالتحوّلات التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط، "بداية من حلحلة الأزمة العربية - القطرية، والتوتر التركي مع إيران، بعد تصريحات أردوغان في أذربيجان، والصدام بين سفيري البلدين في العراق".

اقرأ أيضاً: "ويكيليكس": أردوغان خطط لتصفية نصف جنرالات الجيش قبل انقلاب 2016

وإضافة إلى ما سبق؛ يرى كرم سعيد، أنّ تصريحات المسؤولين الأتراك عن مصر تأتي في أحد جوانبها لرفع الحرج عن نظام أردوغان، الذي يواجه انتقادات شديدة من المعارضة بسبب القطيعة مع القاهرة، ولذلك يريد أردوغان، "رمي الكرة في ملعب القاهرة، وتبرئة ساحته أمام الشعب التركي، بالادعاء أنّه مد يده للقاهرة، لكنّها رفضتها".

وفي السياق ذاته، تخشى تركيا من حملات المقاطعة الشعبية التي لاقت رواجاً كبيراً في السعودية، وأدت إلى انخفاض بنسبة 72% في وارداتها إليها خلال الأشهر الثلاثة الماضية.

اقرأ أيضاً: لماذا على بايدن منع أردوغان من إساءة توظيف الإرهاب

وبناء على ذلك؛ تقف تركيا وحيدة ومعزولة في ظلّ محيط إقليمي ووضع دولي متغير، فمن جانب لم تكسب شيئاً من عدائها لدولتي؛ السعودية والإمارات، خاصة بعد الصدام الدبلوماسي مع إيران.

وربما تريد تركيا اللعب على الأزمة الخليجية - الإيرانية، بعد أنّ كانت تميل إلى الموقف الإيراني بشكل نسبي، ويعزز ذلك إحجام المحكمة التركية التي تحاكم المتهمين في قضية خاشقجي عن قبول التقرير الذي أصدرته الخارجية الأمريكية حول القضية، بناء على طلب الادعاء، وتنديد تركيا بالهجمات الحوثية ضد المملكة.

الانتهاكات التركية لسيادة العراق مستمرة

وعلاوةً على ذلك؛ وصلت تركيا إلى أقصى حدود الصراع مع الدول العربية، خاصة في ليبيا وسوريا، وباتت تكلفة التوسع في العراق محفوفة بمخاطر، لن يستطيع نظام أردوغان استيعابها، في ظل تدني شعبيته بين الأتراك، بسبب الأزمة الاقتصادية الطاحنة.

وبجمع العزلة الدولية التي تعيشها تركيا، وإخفاق سياستها الإقليمية في تحقيق مكاسب حقيقية، مع تدني شعبية نظام أردوغان في الداخل، يمكن القول إنّ هدف التصريحات التركية تسكين الأزمة مع الدول العربية، والحفاظ على التبادل التجاري، وكسب نقاط في الداخل.

اقرأ أيضاً: أردوغان يواصل تدخلاته في ليبيا... ماذا فعل؟

وفي سياق التحليل السابق، تترقب تركيا مصير تجديد اتفاقية التجارة الحرة مع مصر، التي انتهى مفعولها العام الماضي، وحال لم تُجدد كما هي، أو طلب الجانب المصري تعديلها، وهو المرجح، ستخسر تركيا مكاسب كبيرة من شريك تجاري مهم، وسيزيد ذلك من نقمة الأوساط الاقتصادية على نظام أردوغان.

التصريحات وحدها لا تكفي

وبمقارنة العلاقات التركية العربية قبل وبعد عام 2010، وبحث القضايا الخلافية بين الجانبين، والتي تمثّلت بشكل أساسي في دعم أردوغان لجماعة الإخوان المسلمين، وربط إستراتيجيته في المنطقة بتحركات الجماعة وفروعها في الدول العربية، يتضح أنّ شخص أردوغان هو سبب الصراع العربي التركي؛ كوّنه المسؤول عن سياسة بلاده الخارجية، خاصة بعد تنحية المجموعة التي صنعت تركيا، واستبدالهم بشخصيات لا تعدو كونها أبواق إعلامية له.

اقرأ أيضاً: البحث عن سلطان عثماني يشبه أردوغان

ولو انتهى نظام أردوغان،افتراضاً، ستجد تركيا والعرب أنّ حلّ الخلافات ممكن، وذلك بتلبية المطالب العربية المشروعة، والتي جاءت كرد فعل على سياسة أردوغان، ومنها؛ الانسحاب العسكري من الأراضي العربية كافة، والكف عن دعم جماعة الإخوان الإرهابية، واحترام سيادة الدول العربية، وإعادة بناء العلاقات على أسس العلاقات الاقتصادية والثقافية.

ومن غير تحقيق هذه المطالب فلا إمكانية لتطبيع عربي تركي، لأنّ عدم تحقيقها يعني استمرار النهج التركي المعادي للدول العربية، وربما تؤدي التهدئة إلى بعض التفاهمات الثانوية، لكنّ ستظل الأزمة قائمة.

ومن المستبعد أنّ يبحث أردوغان المطالب العربية، فهو يراها حقّ مكتسب، ولا يريد سوى توظيف العرب في خدمة أطماعه، أو عدم التصدي لها، فضلاً عن أنّ أي استجابة من طرفه ستُصور على أنّها تنازل.

اقرأ أيضاً: لماذا أطلق أردوغان سراح زعماء المافيا؟

ويرى الصحفي المصري، والباحث في التاريخ والسياسية، حسن حافظ، أنّ أردوغان لم يعد لديه ما يقدمه للعرب، مثلما لم يكن لتركيا ما تقدمه من قبل سوى التبادل التجاري.

الصحفي المصري حسن حافظ

ويردف حافظ لـ"حفريات"، بأنّ أردوغان رفع سقف الأطماع، حتى صار مكبلاً بما يؤمن به، وصار كالبطل التراجيدي، "الذي يعلم أنّ عليه الخروج من المشهد، والتوقف عن اللعبة، لأنّ قواعد اللعب التي يتقنها تغيرت، لكنّ رغم ذلك لن يتراجع، وسيظل كأي بطل تراجيدي حتى النهاية المآساوية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية