ماذا بعد قرار ترامب وقف ضربة عسكرية ضد إيران؟

ماذا بعد قرار ترامب وقف ضربة عسكرية ضد إيران؟


24/06/2019

مهّدت أمريكا لتوجهاتها بعدم اتخاذ إجراءات حاسمة ضدّ إيران، في ثنايا إعلانها عن ردّ فعلها على العملية التي استهدفت ناقلتَيْ نفط قبالة خليج سلطنة عُمان مؤخراً، والتي قدّمت أمريكا الدلائل على مسؤولية الحرس الثوري عنها، رغم الشكوك في أنّ أوساطاً أخرى يُحتمل أن تكون وراء العملية، وقد جاء هذا التمهيد بالإعلان الأمريكي عن أنّ القيادة الإيرانية يتوقَّع أن تنفّذ مزيداً من العمليات في المنطقة.

اقرأ أيضاً: للمرة الأولى: محادثات أمريكية-روسية-إسرائيلية محورها إيران.. ما سياقها؟

إعلان الرئيس الأمريكي عن أنّه أوقف الضربة العسكرية قبل عشر دقائق فقط من تنفيذها؛ لأسباب إنسانية مرتبطة بأعداد الضحايا المدنيين جراء الضربة، ولأنّ أوساطاً في القيادة الإيرانية غير راضية عن الجهة التي قررت إسقاط الطائرة الأمريكية، إضافة إلى عدم تناسب ردّ الفعل الأمريكي في حال الضربة مع الفعل الإيراني، خاصّة أنّه لا يوجد ضحايا أمريكيون، كل تلك الأسباب ربما غير كافية لإقناع المتابعين بكونها أسباباً وجيهة لعدم اتخاذ قرار أمريكي بالردّ على إيران، كما أنّ إقدام إيران على إسقاط الطائرة الأمريكية عملية محسوبة بدقة، بما فيها الإعلان عن الامتناع عن إسقاط طائرة أخرى مرافقة لها، كانت تحمل (35) راكباً.

الإعلان عن وقف ضربة أمريكية مقررة مرتبط بالداخل الأمريكي وخلافات ترامب مع الأغلبية الديمقراطية

التصعيد المرتبط بقضية إسقاط إيران لطائرة الاستطلاع الأمريكية جاء ترجمة أمريكية وإيرانية لإستراتيجيات إدارة الصراع بين الجانبين، وقاسمها المشترك خوض معركة العضّ على الأصابع بين الجانبين، والرهان على عامل الوقت بالنسبة إليهما، في ظلّ تقدير موقف إيراني مفاده؛ أنّ إرسال مزيد من التعزيزات العسكرية الأمريكية إلى منطقة الخليج، إنما يستهدف الضغط على القيادة الإيرانية، لإجبارها على التفاوض مع القيادة الأمريكية، بشروط مذلّة، بحسب القيادة الإيرانية، فيما ترى القيادة الأمريكية؛ أنّ التحرّش الذي تمارسه إيران في الخليج العربي، إنما يرتبط بتحسين شروطها التفاوضية، وإرسال الرسائل بقدرتها على الردّ، في ظلّ تقدير أمريكي بأنّ العقوبات الاقتصادية على طهران آتت أُكلها، وأنّ إيران تعاني من العقوبات، وتخشى من انتفاضة شعبية داخلية تطيح بالنظام.

اقرأ أيضاً: مسؤولون يمنيون: الحوثي أداة تخريب إيرانية

إنّ المتابع للتصريحات الأمريكية والإيرانية يستطيع بسهولة أن يدرك  حرص الجانبين على التأكيد على وجود نوايا بشنّ هجوم على الطرف الآخر، وهو ما شكّل قاسماً مشتركاً للجانبين، في محطات إدارة الأزمة المختلفة؛ حيث كانت مقولة "على إيران الجلوس إلى طاولة المفاوضات الأمريكية"، مقابل "إيران لن تتفاوض تحت التهديد"، أبرز العناوين في إدارة هذه الأزمة، وبالتزامن مرّرت إيران العديد من الرسائل، خلال لقاءات الوسطاء الدوليين، أبرزها ما قاله المرشد خامنئي حول حرمة صناعة قنبلة نووية، وفق الشريعة الإسلامية، وهو ما يشير إلى الملف الأعقد الذي من أجله أعلن ترامب انسحابه من الاتفاق الذي أنجزه سلَفه، أوباما، بالتعاون مع أعضاء مجلس الأمن وألمانيا، فيما لا يمكن تفسير غياب الدور الإيراني في سوريا، خاصة عن معارك إدلب وريف حلب، إلا في إطار الرسائل التي ترسلها إيران عن إمكانية وضع ملفات عديدة على طاولة المفاوضات، فيما كانت التوجيهات للحوثيين بالتصعيد ضدّ السعودية، لارتباطها مباشرة بالجغرافيا السياسية، وهي توازي العمليات التي تنفذها إيران في مياه الخليج، للتأكيد على أنّ السعودية، ومعها الإمارات، ستكون أهدافاً مشروعة بالنسبة إلى إيران في حال تعرّضها لهجوم أمريكي.

أرسل القرار رسالة سلبية لحلفاء أمريكا، أكّدت شكوك أوساط عديدة بعدم جدية أمريكا في حسم الصراع مع إيران

الإعلان عن وقف ضربة أمريكية مقررة من قبل الرئيس ترامب، مرتبط بالداخل الأمريكي، وخلافات ترامب مع الأغلبية الديمقراطية، فوقف الضربة أكّد أنّ قرار الحرب قرار يتخذه الرئيس الأمريكي، وأنّ الرئيس المشكوك في صحّة رئاسته ما يزال قادراً على اتخاذ القرار، فيما أرسل القرار رسالة سلبية لحلفاء أمريكا، أكّدت شكوك أوساط عديدة بعدم جدية أمريكا في حسم الصراع مع إيران، وأنّ الولايات المتحدة تخطّط للإبقاء على التهديد الإيراني في المنطقة، لتحقيق أهدافها الإستراتيجية، بما فيها إبقاء الخليج تحت طلب "الحماية" الأمريكية.

اقرأ أيضاً: بسبب تهديدات إيران.. شركات طيران عالمية تتخذ تدابير وقائية

إنّ الرهانات على حرب أمريكية إيرانية تبدو محدودة جداً، لصالح رهانات الصبر الإستراتيجي الأمريكي، واحتمالات قبول إيران بالتفاوض، وتقديم تنازلات عميقة، خلافاً لرغبات كثيرة في المنطقة، تتطلع إلى "سحق" إيران، أو صمودها، وتوجيه ضربات لـ "المارد" الأمريكي، بما يقنعه بأنّه ليس الوحيد في العالم، غير أنّ قدرة دول المنطقة على التعايش مع سيناريو عضّ الأصابع، وعدم حسم الصراع، سلماً أو حرباً، ستبقى موضع شكوك عميقة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية