مأساة غزة: حصان طروادة الإخواني لطرق أبواب أوروبا

مأساة غزة: حصان طروادة الإخواني لطرق أبواب أوروبا

مأساة غزة: حصان طروادة الإخواني لطرق أبواب أوروبا


05/06/2024

لطالما وجدت جماعة الإخوان في القضية الفلسطينية مساحة رحبة لتحقيق المصالح وكسر الجمود من حولها خلال أزماتها الطاحنة، ويقول خبراء: إنّ الجماعة كلما ضاق عليها الحال، لجأت إلى القضية الفلسطينية من أجل خلق حراك وتضامن مع التنظيم وليس مع الفلسطينيين، ولعل أحداث غزة الأخيرة التي تتزامن مع أزمة مركّبة يعيشها التنظيم، خاصة داخل أوروبا، تمثل فرصة ذهبية لقياداته لفرض أجندتهم في الداخل الأوروبي ومواجهة حالة التضييق السياسي والأمني، تحت شعارات دعم فلسطين. 

منذ أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر) وبدء الحرب في قطاع غزة، سعت جماعة الإخوان إلى تصدير نفسها باعتبارها قاطرة العمل الميداني والسياسي لدعم القضية الفلسطينية داخل الأوساط العربية والغربية، وقد عكفت على تخوين الأنظمة العربية بشكل خاص، والتقليل من أيّ مجهودات تبذل لوقف الحرب، وانعكست تلك الرسائل في بيانات التنظيم وخطابه الإعلامي بشكل واضح، في محاولة مكشوفة لكسب التعاطف العربي والعودة إلى المشهد السياسي في الدول العربية، وفك الحصار عن التنظيم داخل أوروبا. 

استثمار سياسي لحرب غزة

يقول رئيس المركز الأوروبي لدراسات مكافحة الإرهاب والاستخبارات جاسم محمد لـ (حفريات): إنّ جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك الحركات الإسلامية الأخرى، بالإضافة إلى الجماعات الجهادية، استغلت الحرب في غزة لاستثمارها في الساحة السياسية الإسلامية. 

تركز هذه الجماعات المتطرفة، بحسب جاسم محمد، على دعم فلسطين، لكنّها استخدمت ذلك غطاء لتنفيذ أجنداتها المتطرفة، وبدأت الشعارات المتطرفة تظهر، ومن بينها الدعم لتنظيمات مثل (داعش والقاعدة)، والدعوات إلى إقامة الخلافة. 

هذا الوضع دفع الحكومات، بما في ذلك حكومة ألمانيا، إلى اتخاذ إجراءات لمنع نشاط هذه الجماعات، وتسعى أوروبا الآن إلى فرض رقابة صارمة على الجماعات الإسلامية المتطرفة. 

جماعة الإخوان المسلمين، وكذلك الحركات الإسلامية الأخرى، بالإضافة إلى الجماعات الجهادية، استغلت الحرب في غزة لاستثمارها في الساحة السياسية الإسلامية. 

يعكس ذلك بحسب الخبير الأوروبي تغييراً في النهج المتبع، حيث أصدرت ألمانيا تحذيرات جديدة بشأن التطرف الإسلامي، مشيرة إلى زيادة في عدد الجماعات والعناصر الخطرة مقارنة بالعام الماضي.

وخلال الأشهر الـ (3) الأخيرة شهدت جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا زيادة في الانتقادات والضغوطات بسبب أنشطتها وتأثيرها في المنطقة. وتبنت بعض الحكومات إجراءات أكثر صرامة لمراقبة ومنع نشاطاتها، ممّا يشير إلى تزايد القلق من نشاطها وتأثيرها على الساحة السياسية والاجتماعية في القارة الأوروبية.

أساليب المناورة الإخوانية

تستغل جماعة الإخوان المسلمين قضية فلسطين وسيلة للترويج لنفسها داخل أوروبا من خلال عدة طرق؛ في مقدمتها التضامن السياسي، وتستخدم جماعة الإخوان القضية الفلسطينية لجذب دعم سياسي داخل أوروبا، وتعبر عن مواقفها المناهضة للاحتلال الإسرائيلي وتدعو إلى دعم حقوق الفلسطينيين، بحسب جاسم محمد. 

كما تقوم الجماعة بجمع التبرعات وتنظيم الحملات الخيرية لصالح الفلسطينيين، ممّا يساهم في بناء صورة إيجابية عنها وجذب المؤيدين والأتباع.

كذلك تستخدم جماعة الإخوان الفعاليات الاجتماعية والثقافية المرتبطة بقضية فلسطين للتواصل مع الجمهور الأوروبي ونشر أفكارها وقيمها، وتوظف الجماعة وسائل الإعلام المختلفة لنشر رؤيتها للقضية الفلسطينية وتسليط الضوء على دورها في دعمها، ممّا يساهم في تعزيز مكانتها داخل المجتمع الأوروبي.

وتسعى جماعة الإخوان إلى الاستفادة من الشعور العام بالتضامن مع الشعب الفلسطيني، وتستخدم الصور والتقارير عن الأحداث في فلسطين لتعزيز الشعور بالتضامن مع المسلمين والعرب في أوروبا، وبالتالي تعزيز صورتها كجماعة تدافع عن قضايا العدالة الاجتماعية والإنسانية.

إضافة إلى ذلك تنظم الجماعة المسيرات والفعاليات الاحتجاجية لدعم الفلسطينيين، ممّا يساعدها على جذب المزيد من المؤيدين والمناصرين لقضيتها ولأهدافها السياسية، وتستخدم الجماعة وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي لنشر رسائلها وآرائها حول القضية الفلسطينية، وبذلك تحاول بناء شبكة داعمة لها داخل أوروبا.

وفي الوقت الراهن تسعى الجماعة لتكوين تحالفات وشراكات مع الجماعات والمنظمات الإسلامية الأخرى في أوروبا التي تشاركها الرؤى والأهداف، وبالتالي تعزيز تأثيرها وتوسيع قاعدة دعمها، وفك الحصار المفروض عليها في العديد من الدول. 

تحذيرات أوروبية وتراجع إخواني 

خلال الأشهر الماضية أصدرت بعض الحكومات الأوروبية تحذيرات بشأن نشاط جماعة الإخوان المسلمين في القارة، وأعربت عن قلقها إزاء تأثير هذه الجماعة وأنشطتها على الأمن والاستقرار الداخليين. وتشير هذه التحذيرات إلى تصاعد الضغوط على الجماعة ومحاولات الحكومات الأوروبية للتصدي لنشاطها ومنع تأثيرها المحتمل على المجتمعات المحلية.

ويخشى المكتب الاتحادي لحماية الدستور من أن تؤدي الحرب في قطاع غزة إلى زيادة خطر الهجمات في ألمانيا، وفي مقابلة مع (دويتشه فيله) أكد رئيس المكتب الاتحادي لحماية الدستور توماس هالدينوانغ أنّ الصور القادمة من غزة، إلى جانب دعوات الطيف "الجهادي" لشن هجمات، يمكن أن تؤدي إلى زيادة التطرف.  ونظراً لأنّه يتم توزيعها بشكل أساسي عبر الإنترنت، فإنّ هذا يزيد من خطر الهجمات التي تقوم بها "الذئاب المنفردة".

وتشير دراسة نشرها حديثاً المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية إلى أنّ التنظيم نشط بكثافة في بداية الحرب، ورغم أنّه كان من المتوقع أن يشكل عبر دعواته لمظاهرات واحتجاجات ضخمة في الدول الأوروبية ضغطاً لإيقاف الحرب، فإنّ ما فعله كان العكس، فقد أحجم عن الظهور في الواجهة هناك.

وترجع الدراسة تراجع الدعوات إلى تخوف قيادات الإخوان من تضرر مصالحهم الشخصية وطردهم أو سحب الإقامات والجنسيات منهم في الدول الأوروبية، وفي المقابل أعلنوا النفير العام في بعض الدول العربية، وباتوا يقدمون أنفسهم في واجهة قيادة المظاهرات والاحتجاجات، الأمر الذي كشف ازدواجية التنظيم في التعامل مع حرب غزة، وأنّه يراها في الأساس فرصة للعودة إلى الواجهة السياسية في الشرق الأوسط. 

ورغم أنّ الإخوان أحجموا عن الظهور في المظاهرات بالدول الأوروبية، فإنّ الحكومات هناك باتت تتوجس من أخطار التنظيمات الإسلامية وعلى رأسها الإخوان بعد حرب غزة، وهناك العديد من الأسباب التي أثارت المخاوف بهذا الخصوص؛ منها تنامي مشاعر الاحتقان بين المسلمين واصطفاف الكثير من الدول الأوروبية مع إسرائيل، فضلاً عن تنامي اليمين المتطرف في العديد من تلك الدول، وتزايد نشاط الإخوان الذين يستغلون كل تلك الأحداث لاستقطاب الأفراد المتطرفين وتجنيدهم خاصة بين المهاجرين، الذين كانوا منتمين أو مؤيدين لتنظيمي (داعش والقاعدة) في سوريا والعراق، وفق الدراسة. 

ومؤخراً كثفت الاستخبارات الأوروبية عامة والألمانية والفرنسية بشكل خاص جهودها في جمع المعلومات عن طبيعة العلاقات المستترة بين جماعة الإخوان المسلمين والمنظمات الإسلامية من جانب، والإخوان وباقي التنظيمات المتطرفة مثل تنظيمي (داعش والقاعدة) من جانب آخر؛ للحدّ من أخطارها وسدّ الطريق أمام أيّ محاولات لتنفيذ عمليات إرهابية في أوروبا.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية