ليبيا: ما مكاسب الدبيبة من تسليم المريمي إلى واشنطن؟

ليبيا: ما مكاسب الدبيبة من تسليم المريمي إلى واشنطن؟

ليبيا: ما مكاسب الدبيبة من تسليم المريمي إلى واشنطن؟


24/12/2022

من المثير للعجب أنّ يخرج رئيس حكومة الوحدة المنتهية ولايتها عبد الحميد الدبيبة ليبرر تسليم المواطن أبو عجيلة مسعود المريمي إلى الولايات المتحدة باسم القانون، وهو الذي داس عليه حين خطفت ميليشيا تتبعه المريمي، ليظهر بعد أيام في واشنطن في مخالفة لقانون تسليم المطلوبين.

ليست هذه المرة الأولى للدبيبة في انتهاك القانون، وهو الذي فاز بمنصب رئاسة الحكومة بعد دفع رشاوى، كما يؤكد خصومه،، فضلاً عن استشراء الفساد برعايته على حساب الشعب الليبي. غير أنّ المساس بقضية لوكربي لأطماع شخصية لا يبدو أنّها ستمضي دون عقاب شعبي، وربما تصبح بداية النهاية للدبيبة وعائلته الذين يحكمون البلاد بدعم الميليشيات ورضا الدول الغربية فقط.

تسليم المريمي

عقب شهر من اختطافه من بيته في حي أبوسليم في طرابلس، على يد قوة تابعة لعبد الغني الككلي "غنيوة الككلي" الذي يقود جهاز دعم الاستقرار التابع لحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، ظهر أبو عجيلة مسعود المريمي في واشنطن بعدما تسلمته بطريقة غير قانونية من الميليشيا.

ومثّل المريمي أمام محكمة اتحادية في العاصمة واشنطن في 13 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، حيث يُحاكم في قضية طائرة "لوكربي". وكان المدعي العام للولايات المتحدة الأمريكية وليام بار وجه الاتّهام مطلع عام 2021 إلى الضابط السابق في المخابرات الليبية في عهد معمر القذافي، أبو عجيلة مسعود خير المريمي، بالمسؤولية عن صنع القنبلة التي انفجرت في طائرة رحلة الخطوط الجوية الأمريكية "بان أمريكان" رقم 103 فوق بلدة لوكربي في اسكتلندا عام 1988.

د. ريم البركي: حكومة الدبيبة انتهكت حقّ مواطن ليبي

وأسفر الحادث عن مقتل جميع ركاب وطاقم الطائرة، وعددهم 259 شخصاً، من بينهم 190 أمريكياً، وآخرين ينتسبون إلى 19 دولة، إضافة إلى مقتل 11 من سكان بلدة لوكربي.

وفي عام 1992 فرض مجلس الأمن عقوبات على ليبيا بضغط من الولايات المتحدة وبريطانيا. وفي عام 1998 تمّ الاتفاق على التسوية التي سمحت بمحاكمة ضابطين من المخابرات الليبية؛ عبد الباسط المقرحي، والأمين خليفة فحيمة، ودفعت ليبيا تعويضات لأسر الضحايا قُدرت بنحو 2.7 مليار دولار، وبموجب ذلك أُقفلت القضية وطُبعت العلاقات مع ليبيا، وعاد السفير الأمريكي إلى طرابلس عام 2006 لكن بعد إطلاق سراح الممرضات البلغاريات المتهمات بنشر عدوى الإيدز بين أطفال ليبيين.

يكاد يكون هناك اجماع في ليبيا على أنّ خطوة تسليم المريمي هي صفقة بين واشنطن والدبيبة، تضمن للأخير البقاء في منصبه كرئيس للوزراء

وتقول السياسية والإعلامية الليبية ريم البركي، إنّ قضية لوكربي أُغلقت في اتفاقية يونيو 2006، وما فعله الدبيبة من الانصياع لواشنطن بفتح القضية وتسليم المريمي هو "عمل خسيس"، وبداية لتوريط ليبيا في قضية جنائية كبرى، بعد ما دفع الشعب الليبي ثمن الواقعة بمعاناة استمرت لمدة 15 عاماً.

وشددت البركي لـ"حفريات" على أنّ حكومة الدبيبة انتهكت حقّ مواطن ليبي في الدفاع عن نفسه من الاتّهامات الموجهة إليه، مؤكدة على أنّ "الدفاع عن المريمي كمواطن ليبي هو دفاع عن سيادة ليبيا".

ومن جانبه قال رئيس حكومة الوحدة المؤقتة المُنتهية ولايتها، عبد الحميد الدبيبة، في تصريح متلفز "لن أرضى أن تحمل ليبيا وشعبها تبعات عمليات إرهابية منذ أكثر من 30 عاماً، وأن يوضع الليبيون تحت تصنيف الإرهابيين بسبب وجود متهمين على أرضها". بينما ردت عائلة المريمي في بيان باتّهام الدبيبة بالتفريط في السيادة الوطنية من أجل البقاء في السلطة، ونفت تورط المريمي في الجرم المنسوب إليه، وطالبت بمحاسبة الدبيبة.

كانت وزارة العدل في حكومة الدبيبة أصدرت بياناً قبل شهر من ظهور المريمي في واشنطن، أكدت فيه على أنّ ملف قضية لوكربي قد أقفل تماماً من الناحية السياسية والقانونية بموجب الاتفاقية الأمريكية الليبية بتاريخ 14 آب (أغسطس) 2008، وتعزز ذلك بالأمر التنفيذي للرئيس الأمريكي السابق جورج بوش رقم (13477) في 31 تشرين الأول (أكتوبر) 2008.

لماذا سُلم المريمي؟

يرى المستشار القانوني الليبي زياد بلقاسم الشنباشي، أنّه ليس هناك سند قانوني يسمح بتسليم رعايا الدولة الليبية إلى الخارج، وينصّ قانون الإجراءات الجنائية على حظر تسليم مواطني الدولة الليبية إلى الخارج. وقال لـ"حفريات" بأنّه من المحتمل أنّ يكون للأمر أسباب سياسية أو دوافع أخرى، لكنّ التسليم باطل بحكم القانون الليبي والاتفاقية الأمريكية الليبية لعام 2008.

د. زياد الشنباشي: للأمر أسباب سياسية أو دوافع أخرى

وحول مبررات عبد الحميد الدبيبة بشأن تسليم أبو عجيلة المريمي، أوضح الشنباشي، بأنّه لم يأت على تبرير قانوني سليم لما حدث؛ حيث التسليم يجب أنّ يتم بقرار من النيابة العامة، ولهذا ما حدث هو "خطف وتسليم".

وجاءت خطوة تسليم المريمي من جانب الدبيبة فقط، حيث ندد مجلس النواب والمجلس الأعلى للدولة بالحادث، ولم يؤيد المجلس الرئاسي الخطوة، فضلاً عن النيابة العامة ومستشار الأمن القومي الليبي، وطالب رئيس الحكومة المُكلفة من البرلمان، فتحي باشاغا بالإفراج الفوري عن المريمي.

المستشار القانوني الليبي زياد الشنباشي لـ"حفريات": ربما يكون للأمر أسباب سياسية أو دوافع أخرى، لكنّ التسليم باطل بحكم القانون الليبي والاتفاقية الأمريكية الليبية لعام 2008

ويكاد يكون هناك اجماع في ليبيا على أنّ خطوة تسليم المريمي هي صفقة بين واشنطن والدبيبة، تضمن للأخير البقاء في منصبه كرئيس للوزراء، بعد أن كانت واشنطن تظهر كطرف محايد في الصراع على السلطة التنفيذية بين باشاغا والدبيبة. وفقد الدبيبة حليفه السياسي؛ رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري المحسوب على الإخوان المسلمين، ووصل الأمر بين الرجلين إلى تبادل الاتهامات العلنية، كما منع الدبيبة المشري من عقد اجتماع للمجلس الأعلى للدولة في طرابلس.

وفي لقاء جمعهما في القاهرة مطلع الشهر الجاري اتفق رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، وخالد المشري على مقترح يضم؛ تشكيل حكومة جديدة تنتهي مهمته بإجراء انتخابات، وتأسيس لجنة حوار وطني جديدة شبيهة بملتقى الحوار السياسي في تكوينها، وتشكيل مجلس رئاسي جديد، غير أنّ خلافات الرجلين حول المحكمة الدستورية العليا أطاحت باتفاقهما.

مخاوف ليبية

هناك تخوفات لدى غالبية الليبيين من أنّ تسليم أبو عجيلة المريمي سيعيد فتح الباب لابتزاز ليبيا مالياً، خصوصاً أنّ هناك مليارات الدولارات الليبية المُجمدة بقرار مجلس الأمن الدولي في البنوك الأوروبية والأمريكية، وكانت هناك محاولات من بلجيكا ودول أوروبية للاستيلاء على جزءٍ منها بزعم تعويضات لشركات غربية.

من جانب واشنطن، أكد المبعوث والسفير الأمريكي لدى ليبيا، ريتشارد نورلاند على أنّ الدولة الليبية لن تتحمل أي مسؤولية تتعلق بقضية لوكربي بناءً على اتفاقية 2008. وحول اعتقال المريمي أوضح أنّ متابعة الأشخاص المتهمين في القضية يتعلق بالمسؤولية الفردية. وشهدت لندن رفع مطالب من أسر ضحايا هجمات الجيش الجمهوري الإيرلندي تطالب بتعويضات من ليبيا بزعم تورط نظامها في تفجير شهدته المدينة عام 1983 "تفجير هارودز" وهو الأمر الذي يعزز المخاوف الليبية من السطو على الأموال المجمدة في الدول الغربية.

محمد قشوط: الأمر لم يتجاوز حدود لغة التهديد

يقول المحلل السياسي الليبي محمد قشوط، بأنّ تصريح المتحدث الإقليمي باسم وزارة الخارجية الأمريكية، سامويل وربيرج، الذي جاء فيه "الاتفاقيات الدولية التي تقوم بها حكومة الدبيبة غير شرعية وليست فى صالح الشعب الليبى والظروف الأمنية في طـرابـلـس غير مناسبة لإعادة فتح السفارة الأمريكية" فُهم على أنّه رفع يد واشنطن عند حكومة الدبيبة.

وتابع قشوط لـ"حفريات" بأنّ الأمر لم يتجاوز حدود لغة التهديد؛ لأنّ أبو عجيلة مسعود كان في وقت التصريح محتجزاً في مصراتة بعد اختطافه، فجاء التصريح لاستعجال تسليمه وهو ما حدث، ليخرج السفير الأمريكي بتصريح بعدها بقوله "لا يرون أن هناك حاجة لتشكيل حكومة مصغرة لإجراء الانتخابات لأنّ الدبيبة هو رئيس الحكومة المؤقت للبلاد".

وبحسب تصريح المستشار القانوني السابق لوزارة الخارجية الأمريكية، جون بيلينغر، فإن اعتقال المواطن الليبي أبوعجيلة مسعود المريمي، "قد لا يكون الفصل الأخير في قضية تفجير طائرة "لوكربي"، ما يعني أنّ هناك أسماء ليبية ربما تُسلم، ومنها رئيس المخابرات السابق عبد الله السنوسي. وعلى المستوى الشعبي شهدت عدة مدن وجامعات وقفات احتجاجية نددت بتسليم المريمي، فضلاً عن بيانات تحذير أطلقتها قبائل كبرى تُنذر الدبيبة بالتصعيد.

وبحسب المادة الثالثة من الاتفاقية الأمريكية الليبية لعام 2008، قبل الطرفان التسوية المادية مقابل إغلاق ملف تلك القضايا، وتعتبر هذه الأموال المدفوعة تسوية كاملة ونهائية تماماً، ولا يجوز بعدها فتح أي مطالبات جديدة عن أي أفعال ارتكبت من الطرفين بحق الآخر قبل تاريخ 30 يونيو 2006.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية