ليبيا: الفساد يطال الكتب المدرسية ويقوّض مصداقية حكومة الدبيبة

ليبيا: الفساد يطال الكتب المدرسية ويقوّض مصداقية حكومة الدبيبة

ليبيا: الفساد يطال الكتب المدرسية ويقوّض مصداقية حكومة الدبيبة


04/10/2022

يترقب الليبيون بدء العام الدراسي الجديد في 16 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، والذي جاء متأخراً عن مواعيد بدء الأعوام الدراسية السابقة، وذلك لتوفير مهلة كافية أمام وزارة التربية والتعليم في حكومة الوحدة الوطنية، لتوفير الكتاب المدرسي، والذي أحدث تأخر وصوله أزمة كبيرة في المدارس العام الماضي.

ويشهد العام الحالي متغيراً جديداً، بوجود سلطتين تنفيذيين؛ حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، وهي منتهية ولايتها، والحكومة الليبية المُكلفة من مجلس النواب، برئاسة فتحي باشاغا، والتي تعمل من مدينتي سرت وبنغازي في المنطقة الشرقية، بعد رفض الحكومة الأولى تسليم السلطة.

أزمة الكتاب المدرسي

وشهد العام الماضي أزمة حادة في توفير الكتاب المدرسي لطلاب المدارس العامة في جميع المناطق الليبية، على الرغم من توفير الاعتمادات المالية اللازمة. وعلل متابعون ليبيون حدوث الأزمة العام الماضي، إلى تأخر بعض الإجراءات المالية، وتغول بعض أصحاب الشركات، والذين ساهموا بطريقة أو بأخرى في تأخير طباعة الكتاب المدرسي.

وهذا العام أعلنت وزارة التربية والتعليم في حكومة الوحدة الوطنية، عن بدء وصول نسبة من الكتاب المدرسي، الذي يتم طباعته في الخارج، وذلك عبر الشحن عن طريق الموانئ والمطارات.

وزير التربية والتعليم بحكومة الدبيبة، موسى المقريف

وطالت الاتهامات في الأزمة الماضية وزير التعليم، موسى المقريف، والذي بحسب متابعين شكّل لجنة لطباعة وتوفير الكتاب المدرسي بقرار وزاري قبل حدوث الأزمة بشهرين.

لكنّ ما حدث أنّ وزارة المالية تأخرت في منح وزارة التربية والتعليم التفويض اللازم لصرف مستحقات الكتاب المدرسي. وطالت الاتهامات مقربين من رئيس وزراء حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، الذين أرادوا تكليف شركة تابعة لهم بالقيام بعملية طباعة وتوريد الكتاب المدرسي.

وفي 27 من شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، أعلن مدير عام مركز المناهج التعليمية والبحوث التربوية، كامل الويبة، أنّ أولى شحنات الكتاب المدرسي ستصل خلال الأسبوع المقبل، مؤكداً متابعته مع الشركات المنفذة آلية الشحن عبر الموانئ الليبية.

اعترف وزير التعليم الليبي بوجود مخالفات في طباعة الكتاب المدرسي، عبر الشركات التي تم التعاقد معها، وهي شركات تدور في فلك حكومة الوحدة الوطنية

وجاء ذلك خلال جولة تفقدية أجراها وزير التربية والتعليم بحكومة الوحدة الوطنية المؤقتة، موسى المقريف، لمخزن الكتاب المدرسي الرئيسي التابع لمركز المناهج التعليمية والبحوث التربوية، رفقة عدد من مسؤولي الوزارة.

ومن جانبه، قال الباحث القانوني والمهتم بالشأن السياسي، عبد الله الديباني: "من تصريحات وزير التعليم في حكومة الدبيبة أكد أنه حتى الان لم ترصد قيمة الكتاب المدرسي، وبالتالي سنرى أزمة الكتاب المدرسي تعود من جديد، ولكن ممكن أن تقوم حكومة فتحي باشاغا بطبع الكتاب وتوفيره للمؤسسات التعليمية".

استشراء الفساد

وأضاف الباحث الليبي، لـ"حفريات": "وزارة التعليم بحكومة الدبيبة صرفت وأهدرت أموالاً في غير محلها القانوني، وتجاوزت لائحة الحسابات والميزانية وكذلك لائحة العقود، وهذا ما تم تبيانه في تقرير ديوان المحاسبة لسنة 2022 وكذلك تقرير الرقابة الإدارية".

ومن جانبه قال المحلل السياسي الليبي، محمد قشوط: "أمام كل فضائح العبث بالمال العام الذي ارتكبته حكومة الدبيبة، بمئات الملايين المهدرة على السفريات وسيارات الفارهة والهواتف، أعلن المركز الوطني لمكافحة الأمراض نفاذ التطعيمات الروتينية المخصصة للطلبة، قبل بدء عامهم الدراسي المقبلين عليه دون توفر الكتاب المدرسي كما حدث العام الماضي".

محمد قشوط: نفاذ التطعيمات الروتينية المخصصة للطلبة

واستنكر قشوط في حديثه لـ"حفريات"، تبرير وزير التعليم بحكومة الدبيبة تبذير المال العام في شراء الهواتف الحديثة باعتبار أنه حق يجيزه القانون، وتجاهل أولوية وأهمية صرف تلك الأموال على توفير الكتاب المدرسي بدلا من شراء الهواتف.

وفي السياق ذاته، قال الباحث الليبي عبد الله الديباني: "للأسف وزارة التعليم وكذلك حكومة الدبيبة تغوص في فساد منقطع النظير، لم تشهده ليبيا من قبل، وكذلك إهدار المال العام بطريقة فيها سبق إصرار لانتهاج هذا النهج الفاسد، وبالتالي ما ندعو له الآن أن يقوم النائب العام بالبدء في التحقيق ومباشرة الدعاوى الجنائية الناتجة عن هذه التجاوزات، الواردة في تقريري الرقابة والمحاسبة، واللذين بيّنا أنّ هناك جرائم فساد وإهداراً للمال العام واستغلال الوظيفة لتحقيق مكاسب خاصة".

الباحث الليبي عبد الله الديباني لـ"حفريات": وزارة التعليم وكذلك حكومة الدبيبة تغوصان في فساد منقطع النظير، لم تشهده ليبيا من قبل، وأزمة الكتاب المدرسي ستعود

ومن زاوية أخرى، تعهدت الحكومة المكلفة من مجلس النواب برئاسة فتحي باشاغا، خلال الاجتماع الثاني لوزارة التربية والتعليم بمدينة بنغازي، بتوفير الكتاب المدرسي والمقاعد الدراسية وكل ما تتطلبه العملية التعليمية، وتنفيذ جملة من الإجراءات اللازمة لذلك.

تأثر التعليم

وتعاني المنطقة الغربية من انتشار الميليشيات التي تتحكم في عدد من مؤسسات الدولة، والتي باتت القوة الرسمية التي توفر الحماية لحكومة عبد الحميد الدبيبة، منتهية الولاية. وفي الوقت الذي تنتج فيه ليبيا ما يزيد عن 1.1 مليون برميل من النفط يومياً، تجد وزارة التربية والتعليم والصحة والوزارات الخدمية نفسها عاجزة عن توفير الخدمات الأساسية للمواطنين.

وحول إثراء الميليشيات غير المشروع، قال الباحث الديباني: "أثرت الميليشيات في عهد الدبيبة إثراء لا مراء فيه، من خلال ما حصلت عليه من مبالغ طائلة تحسب بالمليارات من أجل استمالتها لحساب الدبيبة، لتوفير الحماية وتصفية الحسابات مع معارضيه".

وكان خلاف حدث حول موعد العام الدراسي القادم بين وزارتي التربية والتعليم في حكومة الدبيبة وحكومة باشاغا، ويبدو أنّ الأخيرة قبلت بالموعد الذي حددته الأولى، والتي تبقى الوزارة الرسمية استناداً على الاعتراف الدولي بحكومة الدبيبة، التي تسيطر على العاصمة، وعائدات النفط التي تعتبر المورد الأساسي للخزينة العامة.

وبحسب وزارة التعليم في حكومة الدبيبة، بلغ رصيد الوزارة من الكتاب المدرسي داخل المخازن الرئيسية والفرعية، ما بين 40 و45%، وهو الأمر الذي يهدد بتكرار أزمة الكتاب المدرسي هذا العام، وإن كانت بدرجة أقل حدةً من العام الماضي.

عبد الله الديباني: سنرى أزمة الكتاب المدرسي تعود من جديد

واعترف وزير التعليم بوجود مخالفات في طباعة الكتاب المدرسي، عبر الشركات التي تم التعاقد معها، وهي شركات تدور في فلك حكومة الوحدة الوطنية التي تسيطر على المناقصات العامة في البلاد، والتي كشف ديوان المحاسبة عن وجود فساد مالي بشأنها، تتضمن اعتمادات مالية مباشرة لشركات محددة.

وفي محاولة لعلاج ذلك، كشف وزير التعليم بحكومة الوحدة الوطنية، موسى المقريف، عن مشروع لا يزال في طور الدراسة متعلق بإنشاء مطبعة للكتاب المدرسي داخل ليبيا، كشراكة بين القطاع الخاص وشريك أجنبي، للاستفادة من مبالغ طباعة الكتاب في تنشيط السوق المحلية وتوفير فرص عمل.

ويذكر أنّ العام الدراسي الماضي، تأخر توفير الكتاب المدرسي إلى ما بعد منتصف العام في أزمة أدت إلى حبس وزير التربية والتعليم موسى المقريف، قبل أن يفرج عنه لاحقاً، حيث اشتد الخلاف بينه وبين الحكومة. وأكدت الحكومة وقتها أنها وفرت لوزارة التعليم المبالغ اللازمة لطباعة الكتب المدرسية، وأنّ سبب التأخير لا يقع عليها، لكن الوزارة على لسان وزيرها المقريف قالت إنّ السبب في تأخر طباعة الكتاب المدرسي يرجع إلى تأخر الميزانيات المخصصة لها.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية