فاجأت كتائب عزّ الدين القسام الجميع عندما دعت مؤيديها في العالم إلى دعم المقاومة الفلسطينية مالياً من خلال عملة بيتكوين الرقمية، في محاولة جديدة لكسر الحصار المالي المفروض على المقاومة بغزة.
فقد ظهر مؤخراً الناطق باسم كتاب القسام الجناح المسلح لحركة حماس، بمنشور عبر حسابه الشخصي في موقع التواصل الاجتماعي، تويتر، ليس كعادته ليلقي خطاباً ضدّ الاحتلال الإسرائيلي، وإنما كان الخطاب لدعوة محبي المقاومة خارج فلسطين التبرع لدعمهم مالياً.
وقال أبو عبيدة: إن "العدو الصهيوني يحارب المقاومة من خلال محاولة قطع الدعم عنها بكل السبل، لكن محبي المقاومة في كل العالم يحاربون هذه المحاولات الصهيونية، ويسعون لإيجاد كافة سبل الدعم الممكنة للمقاومة".
اقرأ أيضاً: حماس تقيد الصحفيين.. ما هو قرارها الجديد؟!
وهذه المرة الأولى التي توجه فيها كتائب القسام نداء لطلب الدعم المالي عبر عملة رقمية، لكن أبو عبيدة لم يذكر مزيداً من التفاصيل، في خطوة تعدّ، وفق عدد من الخبراء، إحدى طرق المواجهة لممارسات "إسرائيل" ضدّ الفلسطينيين، ومحاولتها منع طرق إدخال الأموال والتمويل إلى غزة، فلطالما سعت لقطع سبل التمويل عن فصائل المقاومة وتضييق الخناق عليها، وأقيمت أمام المحاكم الأمريكية دعاوى عدة بتهمة تمويل الإرهاب بحقّ أشخاص وكيانات عديدة للاشتباه في قيامهم بتسهيل نقل الأموال إلى المقاومة.
تحدٍّ واختراق
الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، إبراهيم المدهون، يرى أنّ دعوة كتائب القسام، هي "تحدٍّ للحصار الذي يتعرض له القطاع، ومحاولة لاختراقه وتشجيع العرب والمسلمين ولفت انتباههم الى القضية الفلسطينية، وضرورة دعمها بكل الطرق، خصوصاً أننا أمام محاولة إسرائيلية لتجفيف المنابع".
المدهون: الهدف من هذه الدعوة إيجاد وسائل جديدة للدعم بعيداً عن رقابة الولايات المتحدة ولا تعرض الداعمين للخطر
ويقول في حديثه لـ"حفريات": "الهدف من هذه الدعوة إيجاد وسائل جديدة للدعم، واستثمار طرق بعيدة عن رقابة الولايات المتحدة ولا تعرض الداعمين للخطر، إضافة إلى إعلان تحدّي الاحتلال وتطوير أساليب الجمع والدعم، فاليوم كتائب القسام أضحت جيشاً شبه نظامي يحتاج إلى الكثير من الأموال".
ويشير إلى أنّ كتائب القسام قبل إطلاق دعوتها هذه، اعتمدت على خبراء وعارفين بالاقتصاد، لافتاً إلى أنّ "التضييق المالي وما تعانيه حماس من ضائقة مادية، يحتاج إلى طرق إبداعية لتطوير واقعها المالي والاقتصادي".
اقرأ أيضاً: حماس تنتهج أسلوب "بتكوين الجهاد"
ويتوقع المدهون نجاح كتائب القسام في تلقي تمويل عملة البيتكوين من الخارج، واستجابة الكثير من محبي المقاومة الفلسطيني للمسارعة بدعم القسام، مضيفاً: "هناك من يبحث عن فرصة وطريقة ليشارك بالمقاومة؛ معنوياً ومادياً، وهذا سيزيد من تطور الحركة ونجاحها، خصوصاً في مشاريع التصنيع والتطوير العسكري والتكنولوجي، فهي تحتاج لعقول وأموال وتجارب".
مواجهة إسرائيلية أمريكية
في حين يشير أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، طلال عوكل، إلى أنّه "في حال نجحت كتائب القسام في جلب الدعم عبر عملة البيتكوين الرقمية، سوف تواجهها إسرائيل والإدارة الأمريكية، من أجل الالتفاف عليها، لمنع دخولها إلى القطاع، ودعم فصائل المقاومة الفلسطينية"، مضيفاً؛ في حديثه لـ "حفريات": "رغم أنّ هذه العملة افتراضية لا يمكن التعرف إلى مرسلها ومستقبلها، لكنّ سلطات الاحتلال لن تبقى مكتوفة الأيدي أمام ذلك، وسوف تبذل كامل جهدها لوقف وصول هذه العملة إلى غزة بشتى الطرق".
عوكل: "القسام" تسعى لمواجهة قيود تحويل الأموال واعتماد المنحة القطرية على شروط عديدة لتقديمها
ويرى عوكل أنّ دعوة كتائب القسام لدعمها من خلال العملة الرقمية، لتجاوز الأزمة المالية التي تشهدها، جاءت "نتيجة تشديد الإجراءات على تحويل الأموال إلى قطاع غزة، وكذلك توقف المنحة القطرية التي باتت تلقي شروطاً عديدة لتقديمها".
ويقول عوكل: "الهدف من طلب القسام، هو تنشيط عمليات الدعم سواءً لحماس أو فصائل أخرى، وفيها قدر من التواصل مع مؤسسات وأفراد غير قادرين على التواصل معها بالوسائل المكشوفة والعالمية؛ فعملة البيتكوين جزء مهم لآليات عمل المقاومة الفلسطينية، التي تحتاج إلى أموال كثيرة لتطوير قدراتها، وفي حال توقف التمويل الخارجي، لا تستطيع مواصلة أعمالها، لذلك تم التوجه للبحث عن طرق سهلة لجلب الأموال".
اقرأ أيضاً: لماذا رفضت حماس أموال قطر؟
ويتفق عوكل مع المدهون بأنّ ما طرحته كتائب القسام "فكرة مبدعة"، قائلاً "هذه الفكرة خارج الصندوق كون هذه العملة لا تخضع لقيود أمنية، وإنّ هذه الدعوة سوف تلقى تجاوباً من قِبل مؤيدين المقاومة والمؤسسات الإسلامية والدعوية بالخارج، وحتى شخصيات وطنية لم تكن قادرة على تقديم هذا الدعم نتيجة الرقابة الشديدة التي تفرضها الإدارة الأمريكية على المؤسسات المصرفية".
هروب من الرقابة
من جانب آخر؛ يصف الخبير الاقتصادي، محمد أبو جياب، دعوة القسام، هي "اتجاه لفتح أفق جديد في مسار الدعم المالي عبر العملات الرقمية، كما يمثل هروباً من الرقابة المشددة على التبرع للمقاومة ودعمها بالمال".
ويصف أبو جياب، في حديثه مع "حفريات"، هذه الخطوة بأنّها بداية فتح المجال أمام جميع الساعين للتبرع للمقاومة، مهما كان المبلغ المراد إرساله، "والأمر ليس مقتصراً على الجهات والأشخاص الداعمين بمبالغ مالية ضخمة، فبإمكان أيّ مواطن أو أكثر إرسال قطعة واحدة من العملة الرقمية بمبلغ أقل من 5 آلاف دولار".
أبو جياب: الخطوة بمثابة محاولة لتجاوز الانتكاسة التي أصيب بها الدعم المالي للمقاومة عقب "الربيع العربي"
ويضيف "إلى جانب ذلك؛ سوف تستغل المقاومة في غزة سهولة استبدال العملة الرقمية بالأموال، من خلال محلات الصرافة المنتشرة في قطاع غزة، دون الحاجة إلى المرور في دهاليز البنوك وتفاصيلها الدقيقة لاستلام الأموال ونقلها".
ويشير رئيس تحرير جريدة "الاقتصادية" الغزاوية، إلى أن خطوة كتائب القسام، هي بمثابة "محاولة لتجاوز الانتكاسة التي أصيب بها الدعم المالي للمقاومة في أعقاب "الربيع العربي"، وتغير المواقف لدى بعض الدول، خصوصاً من خلال التشديد على الحركة المالية التي تنتهي في قطاع غزة".
اقرأ أيضاً: صراعات حماس وفتح ..هل تعبد الطريق أمام صفقة القرن؟
وتعود بداية البيتكوين لعام 2009؛ حيث بدأ التعامل والتداول بها بدولار أمريكي واحد، ووصلت اليوم لكل أنحاء العالم، ومن بين الدول التي تتعامل بها كندا والدنمارك وروسيا.
ويوضح أبو جياب؛ أنّ البيتكوين هي عملة رقمية إلكترونية بشكل كامل، تتداول عبر الإنترنت فقط، دون وجود ملموس لها، ولا توجد مركزية لها، منوهاً إلى أنها عبارة عن نظام يعمل دون مستودع مركزي أو مدير واحد، ولا توجد لها هيئة تنظيمية مركزية تقف خلفها، وتتم المعاملات بشبكة الندّ للندّ بين المستخدمين مباشرة، دون وسيط، من خلال استخدام التشفير، موضحاً "في عالم هذه العملات؛ فإنّ البائع لا يعلم لمن يبيع، وكذلك المشتري، والتعامل بهذه العملة آمن، وعدم انكشاف داعمي المقاومة مضمون، وهم في أضخم شبكة تداول لامركزية، ولا سيطرة عليها من أحد".