لماذا يسعى تنظيم القاعدة إلى تكريس نفوذه في بوركينافاسو؟

لماذا يسعى تنظيم القاعدة إلى تكريس نفوذه في بوركينافاسو؟

لماذا يسعى تنظيم القاعدة إلى تكريس نفوذه في بوركينافاسو؟


16/01/2025

يسعى تنظيم القاعدة، صاحب النفوذ القوي في منطقة الساحل الأفريقي، إلى تكثيف هجماته في بوركينافاسو، التي يريد أن يجعلها منطقة نفوذ خالصة له، في ظل التنافس الشرس بينه وبين تنظيم داعش على صدارة مشهد الإرهابي في تلك المنطقة، وذلك بواسطة ذراعه القوية في الساحل؛ ألا وهي جماعة “نُصرة الإسلام والمسلمين”، التي تمكنت من شن هجمات نوعية وغير تقليدية داخل البلاد.

وقد تساءلت دراسة حديثة لمركز "تريندز للبحوث والاستشارات" بعنوان  دوافع التمدد.. لماذا يستهدف تنظيم القاعدة بوركينافاسو؟، حول أسباب ودوافع تنظيم القاعدة لاستهداف بوركينافاسو بشكل لافت خلال الفترة الأخيرة، عبر فصائل جماعة نُصرة الإسلام والمسلمين، وتناولت أبرز التحوُّلات التي شهدها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، والتي حوَّلته إلى واحد من أكبر التنظيمات العابرة للحدود في القارة الأفريقية.

سمات تنظيمية غير تقليدية

لفتت الدراسة إلى أن تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، الذي يُعَدُّ من أقوى فروع القاعدة على مستوى العالم، قام بمجموعة من الخطوات التنظيمية المهمة خلال السنوات الماضية، ساهمت في تمدده وانتشاره بشكل متسارع في منطقة الساحل والصحراء، التي صارت واحدة من أبرز بؤر الإرهاب العالمية؛ بسبب تعدد المجموعات الإرهابية المنتشرة بها. 

وقد كان من أبرز تلك الخطوات نجاح التنظيم عام 2020 في تجاوز أزمة القيادة التي امتدت قرابة خمسة أشهر، بعد مقتل زعيمه عبدالمالك دروكدال، إثر عملية عسكرية نفذتها وحدة من القوات الخاصة الفرنسية بشمال غرب منطقة تساليت في مالي، قرب الحدود مع الجزائر.

 تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي يُعَدُّ من أقوى فروع القاعدة على مستوى العالم

يُذكر أن التنظيم قد أعلن، في تشرين الثاني / نوفمبر 2020، عن تعيين القيادي البارز مبارك يزيد، المُلَقَّب بـ"أبوعبيدة يوسف العنابي"، والمعروف بخبرته التنظيمية والإعلامية الواسعة، زعيمًا جديدًا له، وهو مُدرج منذ أيلول / سبتمبر 2015 على القائمة الأمريكية للإرهابيين العالميين، وقد عرضت الولايات المتحدة مكافأة قدرها 7 ملايين دولار مقابل أي معلومة تؤدي إلى تحديد مكان زعيم “تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، أبوعبيدة يوسف العنابي.

واعتبرت الدراسة أنه عقب تولى القيادة الجديدة، بات من الواضح أن التنظيم لا يسعى فحسب إلى حالة من الانفراد التنظيمي وتصدُّر مشهد الإرهاب في الساحل الأفريقي، وإنما يسعى أيضًا إلى صدارة المشهد الجهادي العالمي، حيث أصبح من اللافت أنه بدأ يطرح نفسه كوريث لتنظيم القاعدة الأم، الذي صار يعاني التراجعَ والانحسارَ بشكل ملحوظ.

 

تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي قام بمجموعة من الخطوات التنظيمية المهمة ساهمت في تمدده وانتشاره بشكل متسارع في منطقة الساحل والصحراء

 

 وذلك من خلال تصوير نفسه أنه “تنظيم عابر للحدود”؛ كونه ينشط في كل من بوركينافاسو ومالي والنيجر، فضلًا عن وجود مجموعات موالية له في تونس وبحيرة تشاد، ولاسيّما بعد أن اتحد مع عدد من التنظيمات الإرهابية الأخرى من خلال ما أُطلق عليه جماعة “نُصرة الإسلام والمسلمين”، والتي أُعلن عنها في مارس 2017، والتي أصبحت تنظيمًا إرهابيًّا غير تقليدي، ليس فقط بسبب قوتها العسكرية وكثافة أعداد مقاتليها مقارنة بالمجموعات الإرهابية الأخرى، وإنما أيضًا لكونها خليطًا من عدة مجموعات إرهابية متنوعة عرقيًّا.

وعقب الإعلان عن الجماعة، خاصة بعد أن قامت بالعديد من الهجمات في الساحل الأفريقي، وخصوصًا في بوركينافاسو، ركز تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي إعلاميًّا على تمدد الجماعة الجديدة -أي جماعة نُصرة الإسلام والمسلمين- وعلى إنجازاتها العسكرية والتنظيمية، كما ركز أيضًا على زعيمها الجديد “إياد أغا غالي”، الملقب بثعلب الساحل الأفريقي المالي، وهو يُعَدُّ من أخطر زعماء تنظيم القاعدة بالمنطقة.

بالمقابل، تراجع اهتمام التنظيم إعلاميًّا بالقاعدة الأم وارتباطه بها تنظيميًّا، في محاولة للإيحاء بأنه تنظيم عابر للحدود شبه مستقل، وهو ما فرض على التنظيم تأكيد قوته في المنطقة من خلال شن هجمات إرهابية نوعية، ولاسيّما في بوركينافاسو التي يعتبرها التنظيم مجاله الحيوي.

يُذكر أن هناك تقارير أشارت إلى رغبة قيادة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في انتقال زعامة القاعدة الأم إليها بعد مقتل أيمن الظواهري، خاصة وأن التنظيم الأم شهد في عهده عملية تفكيك لا مركزية نتيجة الشُّحّ في الموارد بسبب التشديد الدولي في مكافحة الإرهاب إبان ظهور تنظيم “داعش”، وانتقال الثقل التنظيمي الى فروع التنظيم.

دوافع القاعدة لاستهداف بوركينافاسو

هذا وذكرت الدراسة مجموعة من الدوافع والأسباب التي شجعت تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي على تكثيف هجماته داخل بوركينافاسو، التي واجهت خلال السنوات الأخيرة -تحت قيادة المجلس العسكري- تنظيمات إرهابية متعددة يغلب عليها الطابع القاعدي، منذ تَمَدُّدها إلى أراضي بوركينافاسو من مالي المجاورة قبل نحو 10 سنوات.

من أبرز الدوافع الرغبة في توسيع النفوذ

من أبرز تلك الدوافع؛ الرغبة في توسيع النفوذ، فمنذ أن تولَّى يوسف العنابي قيادة تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وهو يعمل على توسيع انتشاره الجغرافي داخل القارة الأفريقية، ويتبيّن ذلك من خلال الحوار الصحفي الذي أجراه العنابي في آذار / مارس 2023، والذي قال فيه إن القيادات الغربية تعرف وتعي ما هي أهداف جماعة “نُصرة الإسلام والمسلمين”، وتنظيم “القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي”، في تلميح إلى أنها “تركز على القتال في أفريقيا، ولم تجهز لأي عمليات في الغرب أو على الأراضي الفرنسية”.

هذا إلى جانب تدهور الأوضاع الأمنية؛ وهو من أبرز العوامل التي شجعت تنظيم القاعدة على مد نفوذه إلى بوركينافاسو، وتكثيف هجماته الإرهابية بها، حيث بدأت أعمال العنف من المتطرفين المسلحين، وخاصة المجموعات الموالية للقاعدة، تجتاح أقاليم الساحل (إقليم في بوركينافاسو) والشرق والوسط الشمالي في عام 2015. 

وفي عام 2018 توسّعت أنشطة التنظيم نحو إقليمَيْ الشمال وبوكلي دو موهون، خاصة في ظل تواضع قدرات الجيش في مواجهة الإرهاب، الذي اضطر إلى تجنيد المدنيين لمواجهة الإرهاب، من خلال ما يُعرف باسم "المتطوعين للدفاع عن الوطن"، حيث جنّدت الحكومة عشرات الآلاف من الرجال في ميليشيا مدنية، وهم يفتقرون إلى التدريب والتسليح الجيد والخبرة في القتال؛ ما جعلهم عرضة لهجمات التنظيم وسقوط أعداد كبيرة منهم في تلك الهجمات، وهو ما دفع العديد منهم إلى إلقاء أسلحتهم بعدما قدموا للجيش لائحة مطالب تم رفضها.

كما تشير العديد من التقارير إلى أن الفصيل الأكثر نشاطًا، الموالي لتنظيم القاعدة في بوركينافاسو، هو “جبهة تحرير ماسينا”، وهي إحدى مكونات جماعة نُصرة الإسلام والمسلمين -ذراع القاعدة في الساحل الأفريقي- ويتمركز العديد من مقاتلي الجبهة بشكل أساسي في منطقة وسط مالي وشمال بوركينافاسو، حيث تسعى "تحرير ماسينا" إلى توسيع دائرة نفوذها في دول أخرى من غرب أفريقيا، وقد نجحت بالفعل في الوصول إلى بوركينافاسو، التي تشن فيها هجمات ضد مقرات تابعة لميليشيات محلية موالية لجيش بوركينافاسو. وبالنظر إلى قرب وسط مالي من بوركينافاسو؛ فقد استطاعت جبهة تحرير ماسينا، التي أسسها الفولاني أمادو كوفا، أن تؤدي دورًا في زعزعة استقرار شمال بوركينافاسو.

 

تقارير أشارت إلى رغبة قيادة القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي في انتقال زعامة القاعدة الأم إليها بعد مقتل أيمن الظواهري

 

كذلك، يسعى تنظيم القاعدة في الساحل الأفريقي إلى تعزيز مصادر تمويله، بشكل يتناسب مع رغبته في التوسع والتمدد والانتشار في الساحل وغرب أفريقيا، حيث لم يَعُدْ يكتفي بمصادر تمويله التقليدية، مثل التهريب وتجارة الأدخنة وفرض الإتاوات على التجار والمهربين في الطرق التي يسيطر عليها، لذا بدأ ينظر خلال السنوات الأخيرة صوب مناجم الذهب في بوركينافاسو، على غرار تلك الموجودة في منطقة "تاباركو"، حيث يقع واحد من أكبر مناجم الذهب في بوركينافاسو.

إلى ذلك، يسعى تنظيم القاعدة إلى تقويض الانتشار الداعشي في منطقة الساحل، خاصة بعد وجود التنظيم في كل من النيجر ومالي، وعدم السماح له بالتمركز التنظيمي في بوركينافاسو، معتمدًا في ذلك على تعدد مجموعاته وانتشاره الجغرافي الواسع في تلك المنطقة، حيث ينتشر التنظيم عبر ذراعه -جماعة النُصرة- في مساحات شاسعة في إقليم أزواد شمالًا، وصولًا إلى جنوب البلاد، حتى الحدود الغربية مع موريتانيا والسنغال وغينيا، كما تنتشر شرقًا وجنوبًا في النيجر وبوركينافاسو، وتنفذ هجمات ضد جيوش هذه الدول.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية