ترجمة: إسماعيل حسن
خلال الأسابيع الماضية، استقبلت إسرائيل، وبشكل مفاجئ، رسائل لطيفة من تركيا، ويبدو أنّ هناك تحسّناً في العلاقات المجمّدة، بل والمعادية، التي سادت بين الدّولتين في العقد الأخير، حتى إنّ اتّفاق السلام بين إسرائيل والمغرب رحّبت به تركيا، وامتنعت عن الشجب، كما فعلت سابقاً عندما أبرمت دول عربية اتّفاقيات سلام مع إسرائيل، وأعادت سفراءها من تلك الدول، واحتجّت على توقيع اتفاقيات السّلام، ورفعت في المقابل من مستوى العلاقات الدبلوماسية بين الدولتين، التي كانت قد خفّضتها قبل سنتين، نتيجة خلافات سياسية في أعقاب عمليات قتل إسرائيلية ضدّ الفلسطينيين، وإرسال أردوغان رئيس جهاز المخابرات التركي في زيارة إلى إسرائيل، فيما تعتزم تعيين سفير تركيّ لها قريباً في إسرائيل.
محطات التقارب التركي مع إسرائيل، مروراً بإرسال أردوغان رئيس جهاز المخابرات التركية، هكان فيدان، بزيارة سرية إلى إسرائيل، للوقوف على الخلافات القائمة بين الدولتين، تأتي استعداداً لتهيئة الظروف نحو مصالحة سرّية تعيد العلاقات الدبلوماسية بشكل أفضل، وبالتوازي مع ذلك تبدي شركات تركية اهتماماً في العطاء لخصخصة ميناء حيفا، وفي الإعلام التركي تنطلق نداءات تدعو للدفع إلى الأمام باتفاق مشترك يضمن لهما الملكية على مياه البحر المتوسط، لا سيما على حقول الغاز فيها.
ضخّ الغاز من إسرائيل
كما أنّ إسرائيل فحصت في وقت سابق إمكانية ضخّ الغاز من إسرائيل إلى أوروبا عبر تركيا، لكنّ الأتراك أحبطوا الخطوة عندما أعلنوا أنّ دم الفلسطينيين أغلى عليهم، أكثر من الدولارات التي يمكن الحصول عليها من مثل هذه الخطوة الثمينة، فقد تغيرت النغمات العدائية في تركيا، وواضح للجميع أنّ هذا ما كان ليحصل لولا مصادقة، بل ومباركة أردوغان، لقد سبق أن قيل عن الرئيس التركي إنّه لا يعرف كيف يحفظ فمه، فتصريحاته الاستفزازية تارة ضدّ إسرائيل، وأخرى ضدّ أوروبا، وتارة ضدّ الولايات المتحدة، تستهدف جميعها خدمة مصالحه السياسية الداخلية، لكن في كلّ ما يتعلق بالأفعال، حرص أردوغان دوماً على أقصى الحذر، والدليل أنّه حرص على ألا يؤدي إلى قطيعة تامة في العلاقات بينه وبين إسرائيل، وبشكل غير مفاجئ؛ زاد حجم التجارة بين تركيا وإسرائيل، وازدهرت علاقات الطيران والسياحة.
حرص أردوغان على عدم القطيعة التامة في العلاقات بينه وبين إسرائيل، وزاد حجم التجارة بين تركيا وإسرائيل، وازدهرت علاقات الطيران والسياحة
والآن؛ يبدو أنّ أردوغان قرّر رفع السرعة في حدة التقارب مع إسرائيل، والخلفية هي بالطبع الضائقة السياسية والاقتصادية التي علقت فيها تركيا مع كلّ جيرانها، فلم يعد العالم العربي مستعداً لسماع شيء عن تركيا، أما مع أوروبا فقد وصلت أنقرة إلى شفا المواجهة العسكرية في مياه البحر المتوسط، ويحوم فوق ظلّ الرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، الذي لا يخفي انتقاداً ضدّ أردوغان، وتتخوف من استمرار فرض الإدارة الأمريكية الجديدة في العقوبات على الصناعات العسكرية التركية، والتي فرضها الرئيس المنتهية ولايته، دونالد ترامب، قبل أسابيع.
يد تركيا الممدودة
في المقابل؛ فإنّ إسرائيل لا تحتاج إلى أن تتجاهل يد تركيا الممدودة، وذلك استغلالاً لمصالح اقتصادية كبيرة في حاجة إليها هي الأخرى، على اعتبار أنّ تركيا ممرّ إسرائيل نحو أوروبا، فبعد كلّ شيء؛ تقوم العلاقات في الشرق الأوسط على المصالح، ومن الأفضل الحديث، بل والتعاون، على المواجهة والعداء، وفضلاً عن ذلك؛ فإنّ تركيا لا تعدّ عدواً لإسرائيل، بل هناك منافسة بين الدولتين، خصومة وتوتر، لكن ليس بالضرورة أن تتطور إلى مواجهة عسكرية مباشرة، وفي الوقت نفسه ينبغي الحذر الشديد؛ فبعد كلّ شيء يعدّ هذا حلف مصالح بالمقام الكبير، وليس قائماً.
إنّ حصول تركيا على منظومة الدفاع الجوي "إس 400" يعدّ نقطة خلاف وقلق لدى إسرائيل، فالأوساط السياسية والعسكرية أبدت مخاوفها من ذلك؛ لأنّ أنقرة لم تغيّر توجهاتها نحو تل أبيب، بل إنّ التقارب هو لتحقيق مآلات سياسية واقتصادية تصبّ في صالح أردوغان، الذي يواجه عقوبات ومستقبلاً مجهولاً، وما تزال تركيا تدير سياسة مناهضة لها في المنطقة، والحقيقة من مصدر القلق العسكري الإسرائيلي؛ فهو من حيازة تركيا لهذه المنظومة، ودورها في كسر التفوق النوعي الإسرائيلي في المنطقة، لكنّ المستويات السياسية والعسكرية الإسرائيلية الرسمية التزمت الصمت إزاء الصفقة الروسية التركية، خشية تأجج العلاقات بينهما، وتركت المجال للدوائر البحثية والوسائل الإعلامية لتسويق هذه المخاوف، وزادت تل أبيب من حجم الضغوط التي تمارسها واشنطن ضدّ أنقرة.
لا تخفي تركيا أنّ هناك تعاوناً بينها وبين إسرائيل على المستوى الاستخباراتي، وما يزال هذا التعاون مستمراً على أعلى المستويات، ودون توقف
إلى جانب ذلك ينتاب إسرائيل قلق آخر، ويعود إلى أنّ الرئيس التركي بات غير مهتم بتهديدات الولايات المتحدة الأمريكية، وعقوبات رئيسها، المنتهي الولاية، دونالد ترامب، ولا بالدول الأعضاء في حلف الناتو، بل تحدّى الضغوط الأمريكية لمنعه من تنفيذ الصفقة، وزاد الإصرار التركي على حيازة المنظومة الصاروخية من مخاوف تل أبيب، التي ترصد بقلق جملة من التحولات في السياسة التركية نحوها، ومنها مساهمتها في كشف شبكة تجسّس لبنانية لصالح إسرائيل قبل أعوام؛ إذ نقلت الاستخبارات التركية معلوماتها الأمنية لنظيرتها الإيرانية، التي سلمتها بدورها لحزب الله اللبناني، ما ساهم في كشف الشبكة وإشاعة أجواء من خيبة الأمل الإسرائيلية من سلوك تركيا، وهذا أفقد الثقة الإسرائيلية بالتقارب التركي الزائف.
استضافة قادة حماس
في مقابل ذلك؛ شهدت إسرائيل سلوكاً معادياً من تركيا تجاه إسرائيل، مثل استضافة قادة حماس وتقويض النفوذ الإسرائيلي في القدس، مما يصنّف تركيا على أنّها دولة معادية لإسرائيل، وليست صديقة، رغم أنّ علاقات الدول لا تقوم على الصداقات والعداوات، بل المصالح المشتركة فقط، وفي الوضع بين تركيا وإسرائيل تظهر الزاوية البحرية بعيداً عن الصراع السياسي والأيديولوجي والديني، وبالنسبة إلى إسرائيل؛ فإنّ التقييم للتهديدات الغربية بفرض العقوبات على تركيا، تعتقد بأنّ ذلك لم يؤثر فيها؛ لأنّ تركيا مصممة على برامجها ولديها خطة واضحة، وفي النهاية لن يستمر أيّ حظر أوروبي وغربيّ عليها، فهناك مصالح جامعة بين كلّ الأطراف.
ولم تخفِ إسرائيل تقديراتها في أن تقود الصفقة الروسية مع تركيا إلى تعزيز أنقرة لتقاربها مع موسكو على حساب حلف الناتو، ما يعزّز تعاظم قوة روسيا وتأثيرها الإقليمي في الشرق الأوسط، ويطرح ذلك تساؤلات حول مستقبل علاقات تركيا مع الحلف، فضلاً عمّا يعزز سير تركيا نحو التأسيس لسياسة خارجية مستقلة، وتطوير منظومات دفاعية أفضل وأكثر تطوراً من الموجودة لديها حالياً، ورغم العقوبات الأمريكية على تركيا، إلا أنّها تبقى قادرة على مدّ قوتها البحرية من البحر الأسود إلى البحر الأحمر، بحثاً عن الغاز.
وفي المقابل؛ لا تخفي تركيا أنّ هناك تعاوناً بينها وبين إسرائيل على المستوى الاستخباراتي، وما يزال هذا التعاون مستمراً على أعلى المستويات، ودون توقف، لكن تواجه تركيا العديد من المشاكل في المستويات العليا داخل إسرائيل، ولو لم تكن هذه الخلافات قائمة لكانت العلاقات مختلفة تماماً عن ذلك، بينما تعدّ القضية الفلسطينية من أبرز نقاط الخلاف القائمة بين البلدين، فتركيا تنتقد إسرائيل بسبب مواقفها من الفلسطينيين، وهذا الانتقاد يؤجج التوتر على المستويات السياسية، ويخلق بين الفينة والأخرى عزلة دبلوماسية بين الجانبين.
مصدر الترجمة عن العبرية: