لماذا يدافع إخوان الجزائر عن نائب أدين بالغش؟

لماذا يدافع إخوان الجزائر عن نائب أدين بالغش؟


21/06/2022

في واقعة فساد واستغلال نفوذ مدوّية، اقترف النائب بالمجلس الشعبي الوطني، الغرفة الثانية بالبرلمان الجزائري، عبد الناصر عرجون، جريمة مخزية، ففي محاولته مساعدة ابنته على الغش في امتحان شهادة البيام (التعليم المتوسط أو الإعدادية)، كلّف النائب عن حزب جبهة التحرير الوطني، قائد فرقة الدرك الوطني، المكلف بتأمين مركز الامتحانات، بتسريب ورقة بها أجوبة امتحان مادة الرياضيات، أرسلها إليه، لكنّ المراقب رفض الأمر وقدم بلاغاً في النائب والشرطي على السواء.

القضية التي أغضبت الرأي العام الجزائري، أصدر فيها قاضي التحقيق بمحكمة محافظة وادي سوف، حكماً بإيداع النائب والشرطي الحبس المؤقت؛ بتهمة تسريب الإجابات لابنة الأول، وإساءة استغلال وظيفة عمومية، وتحريض موظف على استغلال النفوذ.

ويواجه النائب حكماً بالسجن قد يصل إلى ثلاثة أعوام، بعد أن شدّدت الحكومة الجزائرية عقوبات الغش في امتحانات التعليم المتوسط والثانوية العامة، منذ العام 2020.

الإخوان يدعمون النائب المتورط في الغش

على الرغم من حالة الغضب التي تسببت فيها الواقعة، تقدمت خمسة أحزاب جزائرية بطلب إلى إبراهيم بوغالي، رئيس المجلس الشعبي الوطني، طالبت فيها بإطلاق سراح النائب المحبوس، ومن ضمن هذه الأحزاب، كانت حركة مجتمع السلم، الذراع السياسيّة للإخوان المسلمين، بالإضافة إلى حركة البناء الوطني، المحسوبة أيضاً على الإخوان، ما أثار تساؤلات حول الدوافع الكامنة وراء رغبة الجماعة في إطلاق سراح نائب أدين بارتكاب واقعة فساد.  

...

الكتل البرلمانية الخمس، زعمت في طلبها أنّ قرار إيداع النائب البرلماني، عبد الناصر عرجون، بتهمة تسريب أجوبة الامتحانات لابنته، "غير دستوري"، وبحسب جريدة الشروق الجزائرية، أشار البيان إلى أنّ "المادة 131 من الدستور، تنص على أنّه في حالة تلبّس أحد النواب أو أحد أعضاء مجلس الأمة بجنحة أو جناية، يمكن توقيفه ويخطر بذلك مكتب مجلس الأمة أو المجلس الشعبي الوطني، وهذا الأخير يمكن أن يطلب إيقاف المتابعة، وإطلاق سراح النائب أو عضو مجلس الأمة، على أن يعمل فيما بعد بأحكام المادة 130 من نص الدستور، وهو الأمر الذي لم يحدث".

حركة مجتمع السلم قررت الدخول في تفاصيل إجرائية، ودهاليز التأويل القانوني لمواد الدستور، من أجل حماية نائب أدين بتهمة أخلاقية، ورأت المحكمة التحفظ عليه

هذه الادعاءات أثارت حالة من الغضب والدهشة، فالمادة 129 من الدستور الجزائري، تنص على أنّ "عضو البرلمان يتمتع بالحصانة بالنسبة للأعمال المرتبطة بممارسة مهامه، كما هي محددة في الدستور". بينما تنص المادة 130 بأنّه يجوز أن "يكون عضو البرلمان محل متابعة قضائية عن الأعمال غير المرتبطة بممارسة مهامه البرلمانية، بعد تنازل صريح من المعني عن حصانته، وفي حال عدم التنازل عن الحصانة، يمكن لجهات الإخطار، إخطار المحكمة الدستورية لاستصدار قرار بشأن رفع الحصانة من عدمها".

مبررات واهية

من جهته، وبحسب صحيفة الشروق الجزائرية أيضاً، فإنّ رئيس الكتلة البرلمانية لحركة البناء الوطني، كمال بن خلوف، دافع عن الطلب المقدم من الأحزاب الخمسة، وزعم أنّ "مكتب المجلس لم يخطر من قبل الجهات المعنية، إلا بعد مرور ساعات من اعتقال النائب المعني بملف التسريب، وهذا الأخير لم يجتمع، حسب ما ينص عليه الدستور؛ لإبداء رأيه في الملف، سواء بتأييد القرار، أو المطالبة بإطلاق سراح المعني". مطالباً رئاسة المجلس بالتحرك الفوري، وتوقيف إجراء الحبس، بداعي أنّ النائب لم يُضبط في حالة تلبس، وكان موجوداً بالعاصمة.

حنان فؤاد: الضغوط التي يمارسها الإخوان للإفراج عن عبد الناصر عرجون، كشفت الغطاء الأخلاقي، لحركة تزعم أنّها تنطلق من مبادئ إسلامية، لكنها لا تكترث بضرب مبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب

وعلى الرغم من أنّ القضية أخلاقية في المقام الأول، وتمس نزاهة أحد النواب، والذي أدين قضائياً، إلّا أنّ حركة مجتمع السلم قررت الدخول في تفاصيل إجرائية، ودهاليز التأويل القانوني لمواد الدستور، من أجل حماية نائب أدين بتهمة أخلاقية، ورأت المحكمة التحفظ عليه، نظراً لأنّ القضية تمس قطاعاً عريضاً من الجماهير، وتستفز الرأي العام إلى حد كبير، لكن المزاعم الإخوانية ترى أنّ الإجراء في حق النائب المدان؛ يسيء إلى صورة الهيئة التشريعية، مطالبة مكتب المجلس بسرعة التحرك لإطلاق سراح النائب، على الرغم من تأكيد خبراء أنّ النائب لا يتمتع بالحصانة البرلمانية، إلّا في الأعمال والمهام ذات الصلة بنشاطه النيابي، وأنّ الحصانة تسقط تلقائياً، في حال تلبّسه بارتكاب جريمة أخلاقية.

الدكتورة حنان فؤاد، الباحثة المختصة بالشؤون العربية وقضايا التربية، خصّت "حفريات" بتصريحات، علّقت فيها على الحادثة، بوصفها "جريمة أخلاقية وتربوية"، وثمّنت سرعة تحرك السلطات الجزائرية، وإيداع النائب الحبس الاحترازي، ذلك أنّها قضية رأي عام، والانتهاك فيها شديد الخطورة، يمس المؤسسة التشريعية، وكذا المؤسسة الأمنية، التي أدين أحد أفرادها بالتواطؤ مع النائب.

وعن انحياز الإخوان للنائب المدان، أوضحت فؤاد أنّ الشعارات الأخلاقية التي يرفعها دائماً عبد الرزاق مقري، زعيم الإخوان في الجزائر، سقطت دفعة واحدة، مع انضمام الحركة للكتل المطالبة بالإفراج عن عبد الناصر عرجون؛ لأنّ الإخوان ببساطة كلّ ما يسعون إليه هو الحفاظ على تماسك المؤسسة التشريعية، وذلك لتأمين مقاعدهم فيها، وممارسة المساومات والابتزاز السياسي، كخطوة أولى لتحقيق التمكين، ومن هنا نحى عبد الرزاق مقري كل خلافاته مع النظام جانباً، ورحب بالمشاركة في مبادرة لمّ الشمل، والتي تضمن بقاءه في المشهد السياسي.

وأكدت فؤاد كذلك أنّ حركة مجتمع السلم لا يعنيها من قريب أو بعيد مسار العملية التعليمية، وسبق وأن تقدم اتحاد الطلاب الجزائري الحر، ببلاغ إلى الجهات الأمنية، يتهم فيها الإخوان بإفساد التعليم، والتآمر والتواطؤ لصالح جهات أجنبية، والسعي إلى اختراق العمل الطلابي، وتوظيفه كواحدة من أدواتها للهيمنة والتمكين، وهو الأمر الذي اختبرته حركة مجتمع السلم طويلاً، واستغلته في الانتخابات ومن قبل ذلك في كلّ حراك سياسي يخدم أغراضها، لكن الضغوط التي يمارسها الإخوان حالياً، من أجل الإفراج عن عبد الناصر عرجون، كشفت أخيراً الغطاء الأخلاقي، لحركة تزعم أنّها تنطلق من مبادئ إسلامية، لكنها لا تكترث بضرب مبدأ تكافؤ الفرص بين الطلاب، وتكريس استغلال النفوذ.

مواضيع ذات صلة:

إخوان الجزائر والعودة إلى التدخل في الشأن التونسي لدعم حركة النهضة.. لماذا الآن؟

إخوان الجزائر يتلقون صفعة جديدة... ما أسباب الهزيمة التي لحقت بالجماعة في الانتخابات المحلية؟

إخوان الجزائر من التناقض السياسي إلى التهديد باستخدام العنف



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية