لماذا يحذّر إسرائيليون من تنامي العلاقات مع الصين؟

لماذا يحذّر إسرائيليون من تنامي العلاقات مع الصين؟


كاتب ومترجم فلسطيني‎
08/02/2022

ترجمة: إسماعيل حسن

تعدّ الصين ثالث أكبر شريك تجاري لإسرائيل، في المقابل تعدّ الولايات المتحدة، والتي تعارض التقارب الإسرائيلي مع الصين، أكبر حليف بالنسبة إلى إسرائيل، أصوات إسرائيلية نادت مؤخراً بضرورة تراجع إسرائيل عن تقاربها المتزايد مع الصين، لأنّ ذلك يمثل خطراً على الأمن القومي الإسرائيلي، لما يمثّله هذا التعاون من تحدٍّ جدّي أمام العلاقات الإسرائيلية الأمريكية.

 

اقرأ أيضاً: الكونغرس يمنح إسرائيل مليار دولار للقبة الحديدية

ويأتي ذلك في ظلّ تقارب الصين مع دول محيطة بإسرائيل؛ حيث تبدي إدارة الرئيس جو بايدن رفضها لأيّ تقارب بين بكين وتل أبيب، خشية أن يكون ذلك على حساب مصالحها في المنطقة وحول العالم، ما جعل هذه المسألة تتصدر أجندة لقاءات المسؤولين الأمريكيين والإسرائيليين خلال الآونة الأخيرة، خاصة أنّ إسرائيل شريكة في استمرار وتقدم علاقات مثمرة وآمنة مع الصين، بما في ذلك التعاون في تكنولوجيات معينة، إضافة إلى وجود نشاطات لبرامج تجنيد المواهب للصين تظهر أيضاً في إسرائيل، لكنّ صورة هذه النشاطات غير واضحة، ويبدو أنّه ليس هناك مؤسسات أكاديمية تلزم أعضاءها اليوم بالإفصاح عن مشاركتهم في هذه البرامج.

تعدّ الصين ثالث أكبر شريك تجاري لإسرائيل

ضرورة تراجع إسرائيل

 إسرائيل تبرم جملة من المشاريع المشتركة مع الصين، وشركات الائتمان الإسرائيلية تحصل على التقنيات الصينية وهذه مجرد بداية، فيما يميل الجمهور الإسرائيلي لتركيز الدولة على المناقشات حول البرنامج النووي الإيراني في محادثات فيينا، فالخوف يزداد من انسحاب إيراني من التفاهمات، وسط تجاهل إسرائيلي والتوجه للتقارب مع الصين، التي تقترب من تصنيفها أكبر اقتصاد في العالم، وتتفوق على الولايات المتحدة، الحليف الإستراتيجي لإسرائيل، ما قد يزيد أوجه القلق الإسرائيلي، خاصة أنّ العام 2030 يقترب أكثر فأكثر، وحينها سيكون صعباً على إسرائيل أن تفهم أنّ علاقات القوة العالمية تتغير أمام أعينها، وسترى بنفسها حلول إمبراطورية جديدة بدل القوة الأولى والعظمى في العالم، التي حكمت الكرة الأرضية لسنوات طويلة، وتفسح المجال ببطء لقوة أخرى بثقافة مختلفة ولغة أجنبية غريبة، مما سيكون غريباً على إسرائيل التي تواصل الاهتمام فقط بما يحصل في فيينا حول البرنامج النووي الإيراني.

اهتمام صيني بالتكنولوجيا الإسرائيلية

خبراء إسرائيليون يقدّرون أنّ تنامي العلاقات بين إسرائيل والصين سيشكّل خطورة كبيرة على دولة إسرائيل، وذلك مع توسع نشاط الصين، خاصّة مع الدول المحيطة بإسرائيل، وأبرزها إيران، التي أقامت مؤخراً تعاوناً مع الصين في العديد من المجالات الاقتصادية والإستراتيجية والأمنية، فهناك العديد من الأصوات الإسرائيلية الجديدة ظهرت وترّدد المخاوف الأمريكية ذاتها؛ فمن جهة نشاط الصين في الآونة الأخيرة يسير بشكل متزايد في الدول المحيطة بإسرائيل والتي تعدّ من أعدائها، فوصول الصين لمعلومات حساسة حول البنية التحتية الإسرائيلية والمدنية والتكنولوجية، يمثل خطراً على الأمن القومي الإسرائيلي، هناك اهتمام من قبل الصين بالتكنولوجيا في إسرائيل وهذا ليس سرّاً، وهذا ما يمكن معرفته من برنامج الشراكة العامة للإبداع الذي وقع بينهما قبل أربعة أعوام، ومثلما في باقي الدول الرائدة في مجال البحث والتطوير الأمني والتكنولوجي، يمكن الافتراض بأنّ الصين تستخدم في إسرائيل أدوات وأساليب مشابهة قانونية ومكشوفة إلى جانب أساليب غير قانونية، خلال العام الماضي، نسب هجوم سايبري واسع من التجسس الصناعي والتكنولوجي والتجاري إلى الصين، وجه لإسرائيل، ولعلّ هذا ما منح بعضاً من المشروعية للأصوات الإسرائيلية التي تحذر من التقارب مع الصين، إلى جانب ذلك تحدثت قبل أيام وسائل الإعلام عن أنّ اتفاقية التعاون الصينية الإيرانية الموقعة قبل عام في العديد من المجالات المتنوعة من الاقتصاد والأمن والإستراتيجية ستكون قريباً قيد التشغيل.

إسرائيل لديها حساسية من العلاقات مع الدول العظمى، حيث يربطها بالولايات المتحدة تحالف غير مسبوق ولا يوجد لها بديل، وفي الوقت ذاته تربطها بالصين شراكة اقتصادية متصاعدة

إنّ الاتفاق الصيني مع إيران، حتى وإنّ كان سابقاً حبراً على ورق، يقترب اليوم من دخوله مرحلة التنفيذ، وهذا يعني أنّ الصين أكثر نشاطاً في المنطقة المحيطة بإسرائيل، التي تواصل العمل كالمعتاد، وتعبّر عن خشيتها من إبرام الصفقة النووية بين إيران والقوى العظمى، وتعرب الأصوات الإسرائيلية عن قلقها من بدء العمل بتنفيذ الاتفاقية الإيرانية الصينية، وفي الوقت ذاته لن يكون من المعقول السماح بمقاربة صينية، تجعل المعلومات الحساسة بشأن البنية التحتية الإسرائيلية والمدنية والتكنولوجية متاحة بيّن أيديها؛ لأنّ ذلك يشكّل خطراً على الأمن القومي الإسرائيلي، وإلا فإنّ ذلك سيقود إسرائيل إلى الهاوية في ضوء أنّ الهاوية الإيرانية الصينية أقرب بكثير، وفق التقدير الإسرائيلي؛ الصين وقعت على الاتفاقية النووية مع إيران، في تموز (يوليو) 2015، ومنذ ذلك الحين بدأت بالتراجع عن الطلب الأمريكي بإعادة مناقشة تفاصيل الاتفاقية، ورغم ذلك تتماشى الصين مع روسيا، فكلاهما لها مصالح عديدة في إيران، وكلاهما غير معنيَّتين بأيّ دور أمريكي في المنطقة، وهو ما يتسبّب بقلق لدى إسرائيل، وبفضل تنامي العلاقات الصينية مع إيران، يمكن لإيران في هذه الحالة أن تمدّ الصين بكميات كافية من الاحتياجات، دون عقوبات؛ فالصين تستورد الملايين من براميل النفط يومياً لتلبية احتياجاتها الصناعية، الصينيون موجودون في كلّ مكان، ليس فقط في مواقع البيع، فقد نمت الإمبراطورية الصينية الحديثة وهي تستثمر مئات المليارات من الدولارات في البنية التحتية في عشرات البلدان، بطريقة ستخلق في المستقبل القريب نظاماً اقتصادياً عالمياً جديداً. 

 إسرائيل تبرم جملة من المشاريع المشتركة مع الصين

تجنيد الصين خبراء أجانب

في الشرق الأوسط المحيط بإسرائيل تشارك الصين في مشاريع ضخمة للمدن الذكية، ولا أحد يعلم من الإسرائيليين مقدار المعلومات التي يتم جمعها فيها، الصين سعت لاستغلال المعرفة والتجربة الإسرائيلية في مجالات الأمن والزراعة، في المقابل؛ يشكّل تجنيد المواهب في العالم مكوّناً مهمّاً في جهود الصين للحصول على تكنولوجيات من دول أجنبية، تجنيد خبراء أجانب هو منبر حيوي لنقل التكنولوجيا المتطورة، بعد أن طوّرت على حساب دول ومؤسسات أخرى، مع تضارب مصالح دائم بين الخبراء ومؤسساتهم الأم، إضافة إلى ذلك تشكّل الامتيازات المادية والمهنية إغراء للتعاون مع الصين، وبحسب تقرير المعهد الأسترالي للإستراتيجية والسياسات لعام 2020؛ فإنّ نشاط البرامج الصينية لتجنيد مواهب يشمل قنوات علنيّة وقانونية إلى جانب قنوات سرّية وغير قانونية، تتوجه برامج التجنيد لباحثين أجانب بصورة شخصية، وتعرض عليهم الكثير من المزايا والتسهيلات مقابل التعاون البحثي وتحويل المعرفة المتطورة الموجودة بحوزتهم للصين، تتم هذه التوجهات في الغالب بصورة سرية، ويطلب من المجنّدين الحفاظ على سرّية انضمامهم لهذه البرامج، وهذه السرّية تصعّب على المؤسسات الأم ودول المنشأ تمييز الظاهرة ومراقبتها، يجري تجنيد المواهب من أوساط خبراء في مجالات المعرفة المدنية وفي مجالات تلامس جوانب أمنية وعسكرية.

استياء أمريكي

في إسرائيل يعتقدون أنّه طالما هناك باحثون وخبراء وأكاديميون يشاركون في مشاريع بتمويل جهاز الأمن؛ فإنّ هذا الجهاز يتحمّل المسؤولية الأمنية عنهم، وعليه التأكد من رقابة مناسبة في هذا الشأن، كما أنّ منع تسرّب أيّة معلومات هو مصلحة قومية تتجاوز مجالات جهاز الأمن، وإن حصل تسرّب فيقتضي ذلك رداً مناسباً، سواء في المجال الأكاديمي أو على المستوى الحكومي.

 الأوساط العسكرية الإسرائيلية ترى أنّ الصين حددت لنفسها هدفاً لتحدي كلّ تواجد أمريكي في العالم، بدءاً بميناء عسكري في جيبوتي شرق أفريقيا بحجة وجود قاعدة لوجستية للقوات التي تقاتل القراصنة الصوماليين، إضافة إلى الحضور الصيني عند مدخل الخليج العربي، وهذا يعني أنّ الولايات المتحدة لن تكون القوة المهيمنة المسيطرة على مضيق هرمز الذي تضمّن ممرات الشحن المجاني.

في الشرق الأوسط المحيط بإسرائيل تشارك الصين في مشاريع ضخمة للمدن الذكية، ولا أحد يعلم من الإسرائيليين مقدار المعلومات التي يتم جمعها، لاسيما في التجربة الإسرائيلية في الأمن والزراعة

 المواجهة بين الولايات المتحدة والصين تضع إسرائيل في معضلة إستراتيجية صعبة، دفعت بها لكي تكون مطروحة أمام مناقشة وزارية إسرائيلية موسعة؛ لأنّ المعضلة الإسرائيلية تتمثل في الوقوف إلى جانب أكبر حليف لها وهو الولايات المتحدة أو البقاء تحت الرادار، حتى لا تضرّ بأعمالها التجارية مع الصين التي تعدّ شريكاً تجارياً كبيراً لها؛ فشركات البنية التحتية الصينية ما تزال تقدّم عطاءات لما تطرحه الوزارات الإسرائيلية والمؤسسات الحكومية من مناقصات تجارية واقتصادية، وهذا يثير استياء الدبلوماسيين الأمريكيين ويدفعهم إلى تحذير نظرائهم الإسرائيليين من أنّ ذلك قد يضرّ بالعلاقات مع الولايات المتحدة، وطلبت أمريكا من إسرائيل في عدة مناسبات منع مشاركة الصين في مناقصات البنية التحتية على خلفية الحرب الاقتصادية بين الدولتين، ورغم ذلك يلاحظ أنّ إسرائيل رغم انزعاج أمريكا من التقارب مع الصين تواصل ترتيب الأعمال معها.

 المواجهة بين الولايات المتحدة والصين تضع إسرائيل في معضلة إستراتيجية صعبة

 وزير الخارجية الإسرائيلي، يائير لابيد، التقى قبل أيام مع وزير العلوم الصيني، تحضيراً لانعقاد مؤتمر الابتكار الإسرائيلي الصيني الذي سينطلق قريباً، كما تحدّث الرئيس، يتسحاق هرتسوغ، مع نظيره الصيني، وأعلن الطرفان عزمهما تعزيز المشاريع المشتركة بين البلدين. مصادر إسرائيلية مطلعة تؤكد أنّ إسرائيل لن تتشاجر مع الأمريكيين في نهاية المطاف بسبب الصينيين؛ لأنّها لا تتردّد في معرفة من هو حليفها الحقيقي، لأنّ التقييم السلبي الأمريكي تجاه تزايد النفوذ الصيني في إسرائيل، يؤثر على علاقة إسرائيل بالولايات المتحدة، لا سيما في عهد إدارة ترامب وبايدن اللذين اتخذا سياسات متطرفة ضدّ الصين، بسبب حروب التجارة بينهما والتوتر في بحر الصين.

سيطرة الصين على ميناء حيفا

المحادثات بين إسرائيل وأمريكا حول تقارب إيران مع الصين لم تتوقف، بل تكون حاضرة في كل ملفات العلاقات الثنائية بين واشنطن وتل أبيب دون الوصول إلى أي قرارات مستقبلية، فإسرائيل والولايات المتحدة تلتزمان الصمت بشأن السياسة تجاه الصين، خاصة فيما يتعلق بالمخاوف الأمريكية بشأن استثمارات البنية التحتية الصينية في إسرائيل، إسرائيل لديها حساسية من العلاقات مع الدول العظمى، حيث يربطها بالولايات المتحدة تحالف غير مسبوق ولا يوجد لها بديل، وفي الوقت ذاته تربطها بالصين شراكة اقتصادية متصاعدة، كما أنّ المشكلة الماثلة أمام تل أبيب هي أنّ هاتين القوتين تخوضان حرباً تجارية، سواء بسبب خلافهما على القواعد العامة للسوق العالمي أو على صعيد تنامي التأثير والنفوذ الصيني في العالم، ما قد يمنحها تفوقاً استراتيجياً لا ترضى عنه الولايات المتحدة.

 

اقرأ أيضاً: تناقضات أردوغان - لجنة مؤيدة له تدعم إسرائيل وتدين الفلسطينيين

 تعتقد المنظومة الأمنية والعسكرية الأمريكية أنّ تزايد السيطرة الصينية على ميناء حيفا، يعني أنّ الأسطول الأمريكي السادس لن يستطيع أن يشعر بعد اليوم بأنّ هذا الميناء خاص به، في ظل أنّ الأمريكان يوجهون جل قدراتهم وإمكانياتهم نحو بحر الصين الجنوبي والخليج العربي على حساب شرق البحر المتوسط، وهذا يتطلب من إسرائيل أنّ تبقي على نفسها قاعدة استراتيجية للصين، ما يدفع الأمريكيين للقول بأنّ إسرائيل أصيبت بالجنون حين منحت الصين مفاتيح ميناء حيفا، كما أنّ اقتحام الصين مقدمة الاقتصاد العالمي، وتطلع زعيمها للوصول إلى تعادل اقتصادي وتكنولوجي وعسكري مع الولايات المتحدة الخصم الإستراتيجي، رفع قيمة إسرائيل في نظر الصين بسبب قوة الحداثة فيها، ومن جهة أخرى فإنّ إسرائيل دولة الحداثة بحثت عن مصادر تمويل خارجية، وأصبحت الصين مع أرصدة العملة الأكبر في العالم، وأدّى اتّساع العلاقات الاقتصادية إلى زيادة كبيرة في عدد الرحلات الجوية بيّن إسرائيل والصين.

مصدر الترجمة عن العبرية:

 https://www.ynet.co.il/news/article/r1oun5xhk



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية