لماذا يتجاهل الخبراء الإرهاب في أفريقيا؟

لماذا يتجاهل الخبراء الإرهاب في أفريقيا؟

لماذا يتجاهل الخبراء الإرهاب في أفريقيا؟


07/03/2024

ترجمة: محمد الدخاخني

في دوائر السّياسة الغربيّة، بالكاد تحظى حركات التمرّد السلفيّة الجهاديّة في البلدان الأفريقية بأيّ انتباه، فمزيج الإرهاق السّياسيّ والأولويّات المتنافسة والعقبات السّياسية يمنع صانعي السّياسات من رؤية التّهديد بوضوح أو التّفكير بشكل مقنع بشأن ما يجب القيام به حياله.

ومن الأمثلة على ذلك؛ الأخبار الكئيبة التي وردت الشّهر الماضي من موزمبيق؛ حيث اجتاح مهاجمون من تنظيم داعش بلدة بالما، وقتلوا العشرات، بمن فيهم 12 أجنبيّاً محتملاً عُثر عليهم وقد قطعت رؤوسهم.

 تمّ تجاهل عمليّة سفك الدّماء هذه إلى حدّ كبير في الولايات المتّحدة وأوروبا، لكن ما كان ينبغي أن يحدث ذلك، وما وقع في موزمبيق يعدّ أحدث وقائع حرب متعدّدة البلدان تدمّر الأرواح وسُبُل العيش في كافّة أنحاء القارة.

لقد سكب مجتمع السّياسة الخارجيّة جالونات من الحبر في محاولة لإقناع نفسه والآخرين بأنّ مخاوفه بشأن أفريقيا حقيقيّة، حتّى أنّ هذه القضيّة قد دفعت إلى إقامة شراكة نادرة للغاية بين الحزبين في الولايات المتّحدة؛ حيث اجتمع الجمهوريون والديمقراطيون معاً في سلسلة من مبادرات الصّحّة العامّة والتّنمية الاقتصاديّة في الأعوام الأخيرة، فلماذا تكون الاستجابة لأزمة موزمبيق وهجمات أخرى مماثلة محدودة للغاية؟ لأنّ كافّة الفئات الرّئيسة التي تركّز على القارّة تتعامى عندما يتعلّق الأمر بالمتمرّدين المتطرّفين العنيفين الّذين يستغلّون ملايين الأفارقة.

الحركة السّلفيّة الجهاديّة

حقّقت الحركة السّلفيّة الجهاديّة، الّتي تضمّ القاعدة وداعش، نجاحاً تلو الآخر في أفريقيا جنوب الصّحراء الكبرى في الأعوام الأخيرة، وتنشط الجماعات السّلفيّة الجهاديّة الآن في 22 دولة أفريقيّة، وما تزال في ازدياد، واتّسعت حركات التّمرّد طويلة الأمد، على سبيل المثال، انتشر المتطرّفون المتمركزون في مالي في بوركينا فاسو، الّتي كانت مستقرّة سابقاً، عام 2016، وتصاعدوا منذ ذلك الحين، ممّا أدّى إلى نزوح أكثر من مليون شخص وتحويل البلاد إلى منصّة انطلاق لشنّ هجمات على الدّول المجاورة. ومهّد العنف الجهاديّ المتواصل الطريقَ لسلسلة من عمليّات الاختطاف الّتي استهدفت طالبات المدارس في نيجيريا، أكبر دولة في أفريقيا من حيث عدد السّكان والاقتصاد.

قد يكون صعود أفريقيا إلى الازدهار هو القصة المُحدِّدة للعقود القادمة، لكن هذا لن يحدث إذا كان مئات الآلاف من الأفارقة يعيشون تحت سيطرة السّلفيّة الجهاديّة

 ووفق تقديرات الأمم المتّحدة، فإنّ تنظيم داعش في موزمبيق سيشرّد مليون شخص بحلول حزيران (يونيو)، كما عطّل التّنظيم للتّوّ مشروع غاز طبيعيّ بمليارات الدّولارات كان من المفترض أن يكون بوابة موزمبيق للازدهار.

"حرب لا نهاية لها"

وفي الوقت نفسه، تعني التّحذيرات من الوقوع في "حرب لا نهاية لها" أنّ العديد ممّن يتعاملون مع أفريقيا يخجلون من التّركيز على المشكلات التي تتطلّب حلولاً عسكريّة. وتسبّبت الإخفاقات السّابقة في مكافحة الإرهاب، بما في ذلك التّجارب في أفغانستان والعراق، في تحوّل نحو التّأكيد على الظّروف المحلّيّة والرّدود غير العسكريّة، لكنّ القوّة النّاعمة وحدها لا تستطيع هزيمة المتطرّفين المسلّحين الّذين يمسكون بالسّلطة بالفعل، لا سيّما بالنّظر إلى أنّ هذه ليست مجرّد تهديدات إقليميّة؛ بل تهديدات عالميّة. فالجماعات السّلفيّة الجهاديّة الأفريقيّة تخطّط بالفعل لهجمات خارجيّة، أو تدعم القيام بذلك، إنّها تطوّر قدرات هجوميّة قابلة للتّحويل، من قبيل صنع القنابل والمناورات التّكتيكيّة للفرق الصّغيرة، والوصول إلى الشّبكات الساحليّة والعابرة للقارات التي تزيد قدرتهم على التّواصل وجذب المجنَّدين ونقل الأفراد في نهاية المطاف إلى خارج القارّة.

الاعتماد على الشّركاء المحلّيّين

يمتدّ التّفسير المتمنِّي لطبيعة التّهديد إلى أفكار حول كيفيّة محاربته، لا تريد الولايات المتّحدة إرسال قوّات للقيام بمهام طويلة الأمد في إفريقيا، كما اتّخذت فرنسا، التي تقود مهمّةً لمكافحة الإرهاب في منطقة السّاحل، خطوات لتقليص وجودها هناك، لكن الاعتماد على الشّركاء المحلّيّين لخوض المعركة بالكامل هو حلم بعيد المنال، فما تزال المشكلات الّتي سمحت بتشكيل حركات التّمرّد السلفيّة الجهاديّة قائمة: الجيوش المحلّيّة غائبة إلى حدّ كبير، أو غير قادرة على أداء المهمة المطروحة، أو هي جزء من المشكلة.

 في بوركينا فاسو، أشعلت انتهاكات قوّات الأمن التمرّد الحاليّ، وفي نيجيريا، تُرك المدنيّون عرضة للخطر مع انسحاب الجيش إلى معسكرات أكثر أماناً، وفي موزمبيق، يفتقر الجيش إلى القوّة البشريّة والقدرة على الوصول إلى المناطق الّتي يسيطر عليها الجهاديّون، ناهيك عن شنّ عمليّة مكافحة تمرّد ذات مصداقيّة.

هذا، وأتاح وصول العبارات الطّنانة الجديدة، من قبيل "منافسة القوى العظمى"، لمجتمع السّياسة الخارجيّة تفادي المحادثات الصّعبة حول هزيمة التّمرّدات السّلفيّة الجهاديّة.

ماذا على الولايات المتحدة أن تفعل؟

وتشير الأطر الإستراتيجيّة الجديدة إلى أنّه يجب على الولايات المتّحدة عدم إعطاء الأولويّة لمكافحة الإرهاب؛ لأنّها تصرف الانتباه عن روسيا والصّين، التّهديدين الحقيقيّين، لكنّ هذه القضايا مترابطة، فخصوم الولايات المتّحدة يستغلّون وجود الجماعات السّلفيّة الجهاديّة لأسبابهم الخاصّة، كما يتّضح من التدخّلات الرّوسيّة في كلّ من سوريا وليبيا، الّتي قدّمت نماذج يسعى الكرملين إلى تكرارها في أماكن أخرى، ويمكن أن تؤدّي تصرّفات الدّول المخرّبة، مثل روسيا أيضاً، إلى تأجيج التّهديد السّلفيّ الجهاديّ، سواء من خلال إطالة أمد الصّراعات، كما فعلت روسيا في ليبيا، أو من خلال تشجيع المستبدّين الذين يعمّقون المظالم الشّعبيّة ويوفّرون الانفتاحات التي تستغلّها الجماعات السّلفيّة الجهاديّة.

تشير الأطر الإستراتيجيّة إلى أنّه يجب على الولايات المتّحدة عدم إعطاء الأولويّة لمكافحة الإرهاب؛ لأنّها تصرف الانتباه عن روسيا والصّين، التّهديدين الحقيقيّين

قد يكون صعود أفريقيا إلى الازدهار هو القصة المُحدِّدة للعقود القادمة، لكن هذا لن يحدث إذا كان مئات الآلاف من الأفارقة يعيشون تحت سيطرة السّلفيّة الجهاديّة، وإذا كان يتمّ تشريد الملايين بسبب العنف، مع تحوّل مساحات شاسعة من الأراضي إلى ملاذات إرهابيّة دائمة. حتّى لو سلّم المجتمع الدّولي البلدان التي مزّقتها الحرب، مثل ليبيا ومالي والصومال، إلى مصائرها، فلن تتمكّن الولايات المتّحدة من تجاهل آثار البلاء السلفيّ الجهاديّ على الدّول الرّئيسة في القارّة، الجزائر ومصر وإثيوبيا وكينيا والمغرب ومؤخّراً تنزانيا وجنوب أفريقيا، والتي تواجه جميعها تهديدات سلفيّة جهاديّة متواصلة أو ناشئة إلى جانب التحدّيات المحلّية لاستقرارها الحاليّ والمستقبليّ، ومن المؤكّد أنّ نيجيريا، التي يبلغ قوامها 200 مليون شخص، سوف تتعثّر إذا لم تكن قادرة على طرد بوادر "الخلافة الإسلاميّة" الّتي تنمو داخل حدودها.

إنّ التّعامي بشأن مشكلة الجهاديّين في أفريقيا موجود لأنّ صانعي السّياسات يخشون مواجهة الأسباب المستعصية والحلول الصّعبة لحلّ التمرّد، وبالنّسبة إلى البلدان المعنيّة، يتطلّب الحلّ الدّائم المال وتغييرات في بنية سلطتها لا تستطيع النّخب القيام بها أو لن تقوم بها، والمجتمع الدّوليّ مخطئ بالقدر نفسه، لقد حان الوقت لأولئك الذين يدّعون أنّهم يهتمّون بالقارّة كي يتقدّموا؛ فهناك حرب مستعرة.

مصدر الترجمة عن الإنجليزية:

إميلي إستل، "فورين بوليسي"، 19 نيسان (أبريل) 2021



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية