لماذا نحب قراءة الكتب الرديئة؟

لماذا نحب قراءة الكتب الرديئة؟

لماذا نحب قراءة الكتب الرديئة؟


12/02/2024

أحدث اندلاع وسائل التواصل الاجتماعي في الوطن العربي ما لا يعد ولا يحصى من الاختلالات على صعيد المفاهيم والقيم والرموز. ولعل أبرز هذه الاختلالات يتمثل في ظاهرة تواري القارئ المنفرد وبروز ظاهرة جماعة القرّاء. وفيما كان القارئ المنفرد مسوقًا بهاجس المعرفة لذات المعرفة، فإن جماعة القرّاء غدت مسوقة بهاجس التقليد والاستعراض؛ وهو الهاجس الذي لم يغب عن بال وفطنة المروّجين عبر الفضاء الافتراضي، فصاروا يتنافسون في ابتكار السيناريوهات التي يمكن أن تتكفّل باجتذاب مئات القرّاء العابرين، لشراء آلاف النسخ من بعض الكتب.

اقرأ أيضاً: لماذا يموت المؤلّف في "جمهرة أشعار العرب"؟

ومع أن بعض العاملين في حقل ترويج وبيع الكتب عن بعد، لا ينكرون حقيقة لجوئهم لاستدراج التعليقات المدفوعة سلفاً، والتي لا يدخر أصحابها وسعاً للإشادة بهذا الكتاب أو ذاك، وتأكيد مدى المتعة والفائدة التي جنوها جرّاء إقدامهم على القراءَة، إلا أن الأوساط الإعلامية والثقافية، ما زالت تتحمّل القسط الأوفر من مسؤولية الترويج للعديد من الكتب العادية أو الرديئة.

 

لم يعد سراً القول بأن مقدار ما يبذله بعض الكتّاب في الوطن العربي من جهود على صعيد العلاقات العامة، يفوق بأضعاف ما يبذلونه من جهود على صعيد الإبداع في الكتابة بأضعاف

وعلى سبيل المثال؛ لم يعد سراً القول بأن بعض محرّري الصفحات الثقافية في الوطن العربي، يتطوّعون بدوافع مادية أو شخصية لزجّ عنوانين أو ثلاثة عناوين لكتب عادية أو رديئة بين 10 أو 15 أو 20 عنواناً يفترض أنها تمثل القائمة الخاصة بأفضل الكتب الصادرة خلال عام.

اقرأ أيضاً: كيف تبدو مذكّرات نوال السعداوي في سجن النساء؟

 وعادة ما يتنصّل هؤلاء المحرّرون من المسؤولية، عبر ادعائهم بأن هذه القائمة تمثّل حصيلة استطلاع هاتفي لآراء عدد من الكتّاب المعدودين. ونظراً لأن كل كاتب سيظن بأن كاتباً آخر سواه قد ارتكب هذه الخطيئة ورشّح كتباً رديئة، فإن الطاسة سوف تضيع كالمعتاد. والأدهى من ذلك أن المحرّر الذي نجح في تمرير بعض العناوين الرديئة، لا يكتفي بما جنى مادياً أو معنوناً، بل إنه قد يتبجح لاحقاً بالإنحاء على تدني مستوى الذائقة الثقافية لدى الكتاب الذي استطلع آراءَهم!

اقرأ أيضاً: لماذا يتكاثر المشعوذون الجدد في حياتنا العامة؟

وعلى سبيل المثال أيضاً؛ لم يعد سراً القول بأن مقدار ما يبذله بعض الكتّاب في الوطن العربي من جهود على صعيد العلاقات العامة، يفوق بأضعاف ما يبذلونه من جهود على صعيد الإبداع في الكتابة بأضعاف؛ فتراهم بعد أن يصدروا كتاباً، يتفرغون لتنفيذ حملة واسعة عبر الصحف والمجلاّت والمواقع والإذاعات والمحطّات التّلفزيونية، وكما هو متوقع فإن هذه الحملة سرعان ما تتمخض عن الإيقاع بقليل أو كثير من القرّاء العابرين، الذين يفضّل معظمهم الاحتفاظ برأيه الحقيقي لنفسه، أو التظاهر بالإعجاب إذا تطلب الأمر مجاراة الجو العام.

 

بعض العاملين في حقل ترويج وبيع الكتب عن بعد، لا ينكرون حقيقة لجوئهم لاستدراج التعليقات المدفوعة سلفاً، والتي لا يدخر أصحابها وسعاً للإشادة بهذا الكتاب أو ذاك

وعلى سبيل المثال أيضاً؛ لم يعد سراًا القول بأن تصاعد الاهتمام بالأدب النسوي في الوطن العربي، لم يخل من خسائر جانبية حيناً وفادحة حيناً آخر، نظراً لتزايد أعداد الكاتبات العربيات غير الموهوبات، ونظراً لتمكّن بعضهن من القيام باختراقات إعلامية وثقافية واسعة، في ظل حالات مخجلة من التواطؤ العام والخاص، بل إن بعضهن نجحن في القيام باختراقات أكاديمية تمخّضت عن إفراد مجموعاتهن القصصية أو رواياتهن أو نصوصهن برسائل ماجستير أو دكتوراه، يزعم بعض المراقبين بأنها مدفوعة الثمن للمشرفين والباحثين على حد سواء!

اقرأ أيضاً: كيف تمكّن جورج أورويل من التنبؤ بكل ما حدث؟

وعلى سبيل المثال أيضاً؛ لم يعد سراً القول بأن بعض النقّاد في الوطن العربي، قد التحقوا بركب البزنس الثقافي، وصاروا يبيعون خدماتهم النقدية لمن يمكنه أن يدفع بطريقة أو بأخرى، إلى درجة أن هؤلاء النقّاد المعنيين لم يعودوا يعبأون بانكشاف أمرهم جرّاء إصرارهم على الكتابة عن مبدع بعينه، مرّة ومرّتين وثلاث مرّات، ومن البديهي أن أستدرك هنا بأنني لا أعني بطبيعة الحال، مَنْ تخصص في الكتابة عن طه حسين أو العقاد أو نجيب محفوظ من المبدعين الراحلين!

بعض النقّاد في الوطن العربي، قد التحقوا بركب البزنس الثقافي، وصاروا يبيعون خدماتهم النقدية لمن يمكنه أن يدفع بطريقة أو بأخرى

لماذا تقتصر هذه المهازل على المشهد الثقافي العربي فقط، ولا تكاد تشمل المشاهد الثقافية الأخرى في العالم؟ رغم أنها خبرت كما خبرنا تحوّلات عميقة في الأدوار والتأثيرات على كل الصعد؟ ولماذا يصعب السماح بأي اختراق ثقافي في تلك المجتمعات ويسهل اختراق العديد من ساحاتنا الثقافية؟ ولماذا تبدو المشاهد الثقافية الأخرى ترجمة أمينة لقوانين الانتخاب الطبيعي ويظل مشهدنا الثقافي العربي ترجمة محزنة وبائسة ورثّة لمواهب العلاقات العامة والتشحيم الاجتماعي؟ لماذا يزداد الكتّاب ندرة ونزرة في المجتمعات المتقدمة حتى لا يتجاوز أعدادهم العشرات أحياناً؟ ولماذا تكاثر الكتّاب في الوطن العربي كالفطر حتى صاروا آلافاً مؤلّفة؟ لماذا يُباع من نسخ الكتاب الجيّد في المجتمعات المتقدّمة عشرات ومئات الآلاف؟ ولماذا لا يتجاوز عدد النسخ التي تُباع من الكتاب الجيد في الوطن العربي الألف فقط؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية