لماذا لوّحت مصر بالتدخل العسكري في ليبيا؟

لماذا لوّحت مصر بالتدخل العسكري في ليبيا؟


21/06/2020

تدخل الأزمة الليبية مرحلة جديدة ومفصلية بإعلان الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بأنّ أي تدخل في ليبيا أصبحت تتوفر له الشرعية الدولية لجهة الدفاع عن النفس بهدف حماية الحدود الغربية لمصر ودعم استعادة الأمن والاستقرار إلى ليبيا، وأنّ مصر على استعداد لتسليح أبناء القبائل الليبية في شرق ليبيا وتدريبهم، وأنّ وصول الميليشيات التابعة لحكومة الوفاق الليبية بقيادة فايز السراج والمدعومة من تركيا إلى "سرت والجفرة" يعتبر بالنسبة إلى مصر "خطّاً أحمر".

تأتي تصريحات مصر في سياق التلكّؤ الدولي في إنجاز حلٍّ للقضية الليبية، وتحوّل ليبيا إلى سورية جديدة

تصريحات الرئيس السيسي من حيث التوقيت والدلالات تعكس موقفاً مصرياً ربّما تأخر قليلاً، وجاءت في ظل ثلاثة سياقات ترتبط بالأمن القومي المصري والأمن الإقليمي، خاصة للدول الأوروبية، وهي :

أولاً: الحيلولة دون تحويل ليبيا إلى قاعدة للإرهاب الذي يستهدف مصر، فقد شكّلت الساحة الليبية ملاذاً آمناً للجهاديين المصريين بدعم من الميليشيات التي تشكّل العمود الفقري لحكومة السراج، وهناك قائمة تطول من استهداف فصائل جهادية للأمن المصري، "هشام عشماوي المسؤول عن العديد من العمليات التي نفذت في مصر بإدارة وتوجيه من ليبيا، ومذبحة الأقباط المصريين في ليبيا من قبل داعش في شباط (فبراير) عام 2015، والعديد من محاولات تسلل إرهابيين من ليبيا إلى مصر".

اقرأ أيضاً: بعد تصريحات السيسي عن ليبيا.. الجيش المصري يتصدر توتير

ثانياً: التلكّؤ الدولي في إنجاز حلٍّ للقضية الليبية، وتحوّل ليبيا إلى سورية جديدة بدخول أطراف إقليمية ودولية ترى في الساحة الليبية ورقة، تتعدد "مبررات" كل طرف دولي أو إقليمي للإمساك بخيوطها، باستثمار حالة الانقسام بين الليبيين، بدءاً من أمريكا وروسيا ودول الاتحاد الأوروبي، وعدم وضوح استراتيجيات هذه القوى تجاه ليبيا ومستقبلها، بما في ذلك التعاون مع الفصائل الإرهابية في الغرب الليبي، فيما أفرزت القضية الليبيّة في المحيط الإقليمي عمق الخلافات الداخلية في دول مثل تونس، على خلفية إعلان مكوّنات الدولة التونسية الالتزام بالحياد الإيجابي تجاه الأطراف الليبية، فيما ذهبت حركة النهضة الإخوانية بقيادة راشد الغنوشي إلى تأييد حلفائها من الإخوان في الغرب الليبي.

اقرأ أيضاً: خطاب السيسي: ما طبيعة التدخل المصري المرتقب في ليبيا؟

ثالثاً: التدخل التركي في القضية الليبية، الذي يبدو أنّه شكّل أهم دوافع مصر للتلويح بإمكانية تدخلها عسكرياً في ليبيا، ووفقاً للمقاربات ذاتها التي تعلنها تركيا في تبرير تدخلها في سورية والعراق، هذا التدخل التركي الذي كان قاسمه المشترك رفضاً دولياً وإقليمياً، من دول جوار ليبيا بما فيها الجزائر ومصر والسودان، والذي بدأت تتكشّف أهدافه بعد انسحاب قوات الجيش الليبي من محيط طرابلس، بإقامة قواعد عسكرية وإعلان البدء بالتنقيب عن النفط والغاز الليبي، وهاو ما تدركه أوروبا التي تدرك أهداف تركيا.

اقرأ أيضاً: "خط أحمر".. ما أهمية محور "سرت-الجفرة" في ليبيا؟

التلويح المصري بالتدخل عسكرياً في ليبيا واضح أنّه أثار مخاوف حكومة طرابلس ومعها الحكومة التركية، التي جاءت ردود فعلها الأوّلية بإشارات حول القبول بالحل السياسي، وهو ما لم يكن مطروحاً قبل أيام، وخاصّة أنّ الرئيس المصري أكد على أنّ هناك شرعية دولية لهذا التدخل، وهو ما يطرح تساؤلات حول تلقي القيادة المصرية ضوءاً أخضر من فاعلين دوليين وإقليميين بالموافقة على هذا التدخل، ولا سيما أنّ تدخل تركيا في القضية الليبية عسكرياً وسياسياً يشكّل قاسم الرفض المشترك لهؤلاء الفاعلين، ارتباطاً بانكشاف أهداف تركيا وأطماعها التوسعية.

المرجّح أنّ التدخل العسكري المصري سيشكّل ضغطاً على الأطراف الليبية وتركيا للقبول بمبدأ التفاوض، وفقاً لمقررات الصخيرات وبرلين

التصعيد المصري أكّد حقيقة أنّ استراتيجية مصر في ليبيا ليست مرتبطة بشخص قائد الجيش الوطني الليبي، وأنّ شرق ليبيا يشكّل عمقاً استراتيجياً للدولة المصرية، وأنّ التحوّلات العسكرية الأخيرة في ليبيا جاءت على وقع تنافس دولي، وخاصة بين أمريكا وروسيا، إضافة لفرنسا، وأنّ أمريكا أرادت إرسال رسالة قوية لروسيا عبر الساحة الليبية، وهواجس مصرية بأنها ربما تتضرّر من نتائج هذا التنافس، الذي قد يذهب لتعاون أطراف دولية مع قوات غرب ليبيا الإسلامية.

مع ذلك فإنّ سيناريوهات ما بعد التلويح المصري بالتدخل عسكرياً في ليبيا ستكون مرتبطة سياسياً وعسكرياً بالتطورات التي يشهدها الملف الليبي، ولا يمكن استبعاد التدخل العسكري الواسع أو المحدود، لكن المرجح وبقوة أنّه لن يكون على غرار التدخل العسكري التركي في سورية، وسيشكّل ضغطاً على الأطراف الليبية وتركيا للقبول بمبدأ التفاوض، وفقاً لمقررات الصخيرات وبرلين، ووفقاً لعنوان رئيسي وهو إخراج القوات الأجنبية من ليبيا، وفي مقدمتها القوات التركية، وخاصة أنّ مقاربة تركيا بأنّ دخولها كان باتفاقية مع الحكومة الشرعية الليبية سيكون موضع تساؤل عن التدخل التركي في سورية والعراق، وإذا كان بالتوافق مع الحكومتين الشرعيتين في دمشق وبغداد، وهل سيكون مصير التدخل التركي في ليبيا على غرار تدخل تركيا في السودان؟

الصفحة الرئيسية