ترجمة وتحرير: محمد الدخاخني
إذا كان هناك أيّ شخص يتوجّب أن تُلقى عليه اللائمة بشأن التّفاخر الإيرانيّ الطَّرِب بالهجوم على سلمان رشدي فهو المرشد الأعلى للبلاد، عليّ خامنئي، البالغ من العمر 83 عاماً؛ فالنّظرة المتعصّبة وضيّقة الأفق لآية الله المُعمَّم تُسمّم بئر السّياسة والمجتمع الإيرانيّين منذ أن تولّى السّلطة للمرّة الأولى عام 1989.
صحيفة "كيهان"، المعروفة بأنّها لسان خامنئي، أشادت بمهاجم رشدي، قائلةً "يجب أن تُمطَر يده بالقبلات".
وأعلن عنوان رئيس مبتهج أنّ "رقبة الشّيطان تحت السّيف"، وبينما تنفي إيران مسؤوليّتها عن الهجوم، أيّد خامنئي مراراً فتوى روح الله الخمينيّ التي تأمر بقتل رشدي.
شماتة عديمة الرّحمة
مثل هذه الشّماتة عديمة الرّحمة تكشف دولة ضلّت قيادتها طريقها بالكامل، وعدّت ثورة 1979 التي سُلبت من قِبل العجز الرّجعيّ والجشع للنّخبة الحاكمة. السّؤال الآن، بينما تفكّر الولايات المتّحدة وأوروبا في إحياء الاتّفاق النّوويّ مع طهران وإنهاء العقوبات، هو: هل يمكن الوثوق في أنّ هذا النّظام الفاسد سوف يفي بوعوده؟
إنّ موقف خامنئي المعادي للغرب والمعادي للولايات المتّحدة، وهو موقف متجذّر في موقفٍ لاهوتيّ مشكوك فيه (يشكّك العلماء في مؤهّلات الرّجل الدّينيّة)، وتخوّف فائق وعميق، وجهل شخصيّ متجذّر بالعالم، هو العلامة السّياسيّة المهيمنة في طهران. ولا يهمّ، على ما يبدو، أنّ هذا الموقف يُفقر ويَعزل الإيرانيّين ويعرّض جيرانهم للخطر.
بعد الانتخابات الرّئاسيّة المزوّرة التي جرت العام الماضي، والتي فاز بها دُمية خامنئي المتشدّد، إبراهيم رئيسي، بعد إقبال منخفض بشكل قياسيّ، تبخّرت الآمال العالقة في الإصلاح.
القمع الدّاخليّ مرعب، ويتعرّض المنشقّون السّياسيّون، ونشطاء حقوق المرأة، والأقلّيّات الإثنيّة، ومزدوجو الجنسيّة، والبهائيّون للاضطّهاد بلا رحمة.
الاقتصاد الإيرانيّ، الذي يعاني من فساد مستشر وعقوبات، في حالة مروّعة، وفي حين ارتفعت عائدات تصدير النّفط والغاز، فإنّ المسؤولين، ورجال الدّين، والجماعات الأخرى المرتبطة بالنّظام، مثل "الحرس الثّوريّ" وميليشيا "الباسيج"، هم المستفيدون الرّئيسون. إنّ الاقتصاد الإيرانيّ عبارة عن نسخة "ملاليّة" من "اقتصاديّات انتشار الفائدة من أعلى إلى أسفل"، من دون أيّ انتشار.
إيرانيون تحت خط الفقر
بلغ معدّل التّضخّم على أساس سنويّ 52.5 في المئة، في حزيران (يونيو)، وانخفاض دعم المواد الغذائيّة يضرّ بشدّة، ويعيش ما لا يقلّ عن 30 في المئة من الإيرانيّين تحت خطّ الفقر الرّسميّ، والإضرابات شائعة، لكنّ قلّة نسيت الاحتجاجات المناهضة للنّظام، التي عمّت البلاد عام 2019 والتي حملت اسم "تشرين الثّاني (نوفمبر) الدّمويّ"، حيث قُتل المئات بالرّصاص، ويعتقد 28 في المئة فقط أنّ رئيسي يقوم بعمل جيّد.
كتب المعلّق سايح أصفهاني: "إنّ السّياسات التي دافع عنها خامنئي على مدى ثلاثة عقود دفعت إيران إلى حافّة الانهيار الاقتصاديّ والبيئيّ الشّامل، وعلى الرّغم من شنّ حملات قمع وحشيّة، فإنّ البلاد غارقة في اضطّرابات اجتماعيّة... من خلال الاحتفال بالهجوم على رشدي يبدو أنّ المؤسّسة الدّينيّة تحفظ ماء الوجه داخل الوطن".
كُشِف عن مؤامرة من "الحرس الثّوريّ الإيراني" لاغتيال اثنين من كبار مسؤولي إدارة ترامب؛ مستشار الأمن القوميّ السّابق جون بولتون، ووزير الخارجيّة السّابق مايك بومبيو"
خارجيّاً، تنحاز إيران بشكل وثيق أكثر من أيّ وقت مضى إلى روسيا والصّين، وقد زعم خامنئي، الذي استضاف فلاديمير بوتين في طهران الشّهر الماضي، أنّ الغرب و"حلف شمال الأطلسيّ"، كما هو الحال مع إيران، يعارضان "روسيا قويّة ومستقلة"، إنّه، مثل بوتين، متوهّم بشأن مكانة بلاده العالميّة ويحتقر الولايات المتّحدة باعتبارها قوّة متراجعة، ويقال إنّ إيران تزوّد طائرات من دون طيّار لمساعدة روسيا على مهاجمة أوكرانيا.
والصّين هي أكبر زبون للطّاقة الإيرانيّة، حيث تستورد بكين الآن نفطاً أكثر ممّا كان عليه الوضع قبل فرض العقوبات الأمريكيّة. ويسعى البلدان، أيضاً، إلى"تعاون دفاعيّ إستراتيجيّ" بعد أن أخبر رئيسي مسؤولين صينيّين زائرين أنّ إيران تسعى إلى تشكيل جبهة موحّدة ضدّ الغرب. ومثل روسيا، انحازت الصّين إلى جانب إيران في عمليّات التّفتيش النّوويّة المتنازع عليها التي تقوم بها الأمم المتّحدة.
قنبلة نووية في غضون أشهر
قرار دونالد ترامب الغبيّ بإلغاء الاتّفاق النّوويّ لعام 2015 أدّى، كما هو متوقّع، إلى تصاعد سريع في برنامج إيران. وتقول الأخيرة، الآن، إنّها تستطيع صنع قنبلة في غضون أشهر ولكن ليس لديها خطّط للقيام بذلك. وقريباً، قد توافق إدارة بايدن، التي لا يلعب عامل الوقت لصالحها، على اتّفاقيّة منقّحة، ومع ذلك، سواء كان هناك اتّفاق أم لا، يبدو من غير المرجّح أن يتغيّر سلوك النّظام بشكل راديكاليّ.
هناك القليل من الدّلائل، على سبيل المثال، على كبح البلد جماح طموحاته الإقليميّة. يقود خامنئي شخصيّاً "فيلق القدس"، الذّراع العسكريّة الإيرانيّة خارج الحدود الإقليميّة، والذي يعمل عبر وكلاء في اليمن ولبنان وفلسطين، وقد تحطّمت آمال إسرائيل في أنّه من خلال التّودّد إلى بوتين عن طريق التّراخي بشأن أوكرانيا، فإنّ ذلك قد يؤدّي إلى تحطيم المحور الرّوسيّ الإيرانيّ في سوريا.
الأكثر إزعاجاً في الوقت الحالي هو حالة عدم الاستقرار الهائلة التي تهزّ العراق والنّاجمة عن التّنافس بين الأحزاب والميليشيّات الشّيعيّة المدعومة من طهران ورجل الدّين القوميّ المشهور، المناهض لإيران والمناهض للولايات المتّحدة، مقتدى الصّدر. ولم تصل محاولات الوساطة الإيرانيّة النّفعيّة إلى أيّة نتيجة.
وتعارض إسرائيل اتّفاقاً جديداً بين الغرب وإيران وتحذّر من عمل عسكريّ في أيّ وقت، وإذا استعاد رئيس الوزراء اليمينيّ السّابق، بنيامين نتنياهو، السّلطة في انتخابات هذا الخريف، فسوف تتزايد المخاوف من حصول مواجهة مباشرة.
ويشكّك محلّلون في إسرائيل في دوافع الرّئيس الأمريكيّ، جو بايدن؛ هل هو حريص للغاية على إحراز نجاح كبير في السّياسة الخارجيّة قبل انتخابات التّجديد النّصفي في تشرين الثّاني (نوفمبر)؟ وهل الأمر كلّه يتعلّق بإفشال ترامب؟ وتساءل عاموس هاريل من صحيفة "هآرتس" عن سبب تجاهل الولايات المتّحدة لما أسماه بالعدوان الإيرانيّ الأخير!
على الرّغم من شنّ حملات قمع وحشيّة، فإنّ إيران غارقة في اضطّرابات اجتماعيّة... من خلال الاحتفال بالهجوم على رشدي يبدو أنّ المؤسّسة الدّينيّة تحفظ ماء الوجه داخل الوطن
أشار هاريل إلى أنّه "في الأسبوع الماضي فقط، كُشِف عن مؤامرة من "الحرس الثّوريّ" لاغتيال اثنين من كبار مسؤولي إدارة ترامب؛ مستشار الأمن القوميّ السّابق جون بولتون، ووزير الخارجيّة السّابق مايك بومبيو"، ثمّ جاء رعب الاعتداء على رشدي وغطرسة النّصر المروّعة لدى الإعلام الإيرانيّ.
على الأمريكيّين، أيضاً، أن يكونوا متشكّكين بشدّة في نوايا طهران، كما اقترح الخبير الإيرانيّ كريم سجادبور؛ لأنّ قبضة خامنئي على السّلطة، وقبضة النّخبة غير الشّرعيّة المحيطة به، تدور حول المواجهة المستمرّة مع "الشّيطان الأكبر". يقول: "التّطبيع بين الولايات المتّحدة وإيران يمكن أن يكون مزعزعاً بشدّة لاستقرار حكومة ثيوقراطيّة يقوم مبدأ تنظيمها على محاربة الإمبرياليّة الأمريكيّة"، ويحاجج بأنّ قادة إيران لا يمكنهم التّغيير حتّى لو أرادوا ذلك، "حتّى لو تمّ إحياء الاتّفاق النّوويّ، فإنّ نظرة طهران للعالم ستستمرّ".
من الواضح أنّ خامنئي يحتاج إلى العدوّ الأمريكيّ، لكن هل العكس صحيح، أيضاً؟ بالنّسبة إلى اليمين الجمهوريّ، لطالما كانت إيران بعبعاً مفيداً لتخويف النّاخبين وحشد الدّعم لإسرائيل؛ فهل يمكن لإيران أن تثق في أنّ الولايات المتّحدة سوف تحترم شروط أيّ اتفاق نوويّ أعيدت صياغته؟
أيّاً كان ما يقوله البيت الأبيض الآن، فليس من المؤكّد، بأيّ حال من الأحوال، أنّ خليفة بايدن في نهاية المطاف سيفعل ذلك.
المصدر:
سيمون تيسدال، الغارديان، 21 آب (أغسطس) 2022