لماذا لا ترغب "أميصوم" في الانسحاب من الصومال؟

لماذا لا ترغب "أميصوم" في الانسحاب من الصومال؟


18/11/2021

في خضم الأزمات السياسية والعسكرية التي يشهدها القرن الأفريقي، تذهب العلاقة بين الحكومة الفيدرالية الصومالية وبعثة الاتحاد الأفريقي العسكرية "أميصوم" نحو مزيد من التأزم، على خلفية مفاوضات توقيع اتفاق جديد حول مستقبل البعثة، التي ينتهي تفويضها المُمدد لأكثر من مرة، بحلول نهاية العام الجاري.

اقرأ أيضاً: تحذيرات من تكرار سيناريو أفغانستان.. هذه مخاطر انسحاب "أمصيوم" من الصومال

وكان من المفترض أنّ تكون أميصوم سلمت مهامها كاملةً إلى الدولة الصومالية بحلول نهاية عام 2020، ولو حدث ذلك لكانت البعثة انسحبت أو خفضت مهامها، أو جرى تعديل وضعها وفق تفاوض بين مجلس الأمن الدولي والاتحاد الأفريقي والحكومة الصومالية والمانحين الدوليين، بما يناسب الواقع الصومالي، ولا يعود عدم تسليم البعثة لمهامها إلى رفض صريح من جانبها، بل إلى استمرار ذريعة بقائها؛ وهي عدم جاهزية القوات الأمنية الصومالية لتولي مهام البعثة، خصوصاً في الحرب ضدّ حركة الشباب الإرهابية، التي باتت حركة عابرة للدول في القرن الأفريقي.

الرئيس الصومالي المنتهية ولايته، محمد عبد الله فرماجو

ولهذا جرى تمديد مهمة البعثة التي شكلها مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الإفريقي في عام 2007، ومنحها مجلس الأمن الدولي تفويضاً دولياً للانتشار كبعثة حفظ سلام في الصومال، وقدم الدعم المالي لها، وقامّ المجلس بتجديد مهامها حتى نهاية العام الجاري.

الإخفاق الصومالي

وفي عام 2017 استضافت العاصمة البريطانية، لندن، اجتماعاً دولياً حول الصومال، وحضره الرئيس الصومالي المنتهية ولايته، محمد عبد الله فرماجو، والذي لم يكن مضى سوى ثلاثة أشهر على انتخابه، وأقرّ المؤتمر والأمم المتحدة خطة التخفيض التدريجي لقوات أميصوم، وصولاً إلى الانسحاب الكلي في عام 2020.

دخل فرماجو في صراع سياسي مرير طوال أعوام حكمه الأربعة، ما أعاق عملية بناء القدرات الوطنية العسكرية والأمنية، وسمح لحركة الشباب المُصنفة إرهابياً بالتمدد

ويخضع الصومال لعقوبات دولية بشأن حظر صادرات السلاح، وكان من المفترض أنّ يعمل الرئيس فرماجو وحكومته على تسريع تأهيل القوات العسكرية والأمنية، استعداداً لتولي المسؤوليات من قوة أميصوم، التي يتوقف انسحابها على إقرار مجلس الأمن والاتحاد الأفريقي بقدرة الصومال على حفظ أمنه، دون مساعدة أميصوم.

وبدلاً من أنّ يكون تحقيق ذلك هدفاً للرئيس الصومالي، دخل فرماجو في صراع سياسي مرير طوال أعوام حكمه الأربعة، ما أعاق عملية بناء القدرات الوطنية العسكرية والأمنية، وسمح لحركة الشباب المُصنفة إرهابياً بالتمدد والسيطرة على مزيد من المناطق، بل اتّهمت جهات صومالية الرئيس فرماجو بالتواطؤ مع حركة الشباب، عبر خطة وضعها رئيس المخابرات السابق، ومستشار الشؤون الأمنية لفرماجو، فهد ياسين، سُمح خلالها بتمدد الحركة في الريف ومقديشو، مقابل تقليص عملياتها العسكرية، ولكن الحركة التي استفادت من هذه الظروف، لم تكن سهلة التطويع كما ظن ياسين وفرماجو.

الكاتب والصحفي الصومالي، عبد القادر علي ورسمة: يبدو أنّ بعض الدول في الاتحاد الأفريقي تحاول استدامة تأثيرها السياسي وإطالة أمد وجود قواتها في الصومال

ودون دخول في تفاصيل الأزمة السياسية الصومالية، التي توشك على الأفول في فصلها الحالي، باقتراب تنظيم انتخابات مجلس الشعب، ليكتمل تكوين البرلمان الصومالي؛ مجلس الشيوخ ومجلس الشعب، ويعقد اجتماعاً لانتخاب رئيس جديد للدولة، يشكل حكومة جديدة، لفترة رئاسية مدتها 4 أعوام، يمكن تحميل فرماجو الجزء الأكبر من المسؤولية عن إخفاق الصومال في تسريع مهمة انسحاب أميصوم، وبالطبع تتحمل عدّة ولايات المسؤولية بسبب ارتباطها بدول لها مشاركة عسكرية في القوة الأفريقية، فضلاً عن تعقد الوضع الصومالي منذ عقود، والذي يتطلب حكمة ومهارة سياسية لم يكن يملكها فرماجو.

مصالح أميصوم الخاصة

ومن جانب آخر لا ترغب أميصوم في الانسحاب من الصومال، لعدة أسباب، منها؛ توظيف الوجود العسكري كأداة نفوذ لدول جوار الصومال، مثل كينيا وإثيوبيا وجيبوتي، والمكاسب المادية التي تعود على الدول الأفريقية الفقيرة المشاركة في القوة، واكتساب هذه الدول لمكانة وتقدير دولي عبر مشاركتها، ووجود أطماع عسكرية في موقع الصومال الإستراتيجي.

اقرأ أيضاً: لماذا تجدّد الصراع مع الصوفية في الصومال؟

وفي هذا السياق، يقول الكاتب والصحفي الصومالي، عبد القادر علي ورسمة: "يبدو أنّ بعض الدول في الاتحاد الأفريقي تحاول استدامة تأثيرها السياسي وإطالة أمد وجود قواتها في الصومال، مع أنّ وجود هذه القوات قرابة عقدين من الزمان لم يحقق الاستقرار المطلوب".

وذكر لـ"حفريات"، أنّ الدول المشاركة في أميصوم تريد الهيمنة على الصومال، ومن ذلك أنّها اقترحت تكوين قوة بحرية في الصومال من دول حبيسة مثل إثيوبيا وأوغندا، ليكون لهما بذلك قوة بحرية متمركزة باسم التفويض الأممي في الصومال، وبالطبع تعمل لمصالح بلدانها.

ويرفض معظم الشعب الصومالي بقاء قوات أميصوم، لأسباب عدّة، منها؛ الممارسات الخارجة عن القانون لأفراد البعثة، والتي وصلت حدّ الإعدام الميداني لمدنيين، وتخاذل البعثة عن حرب حركة الشباب.

الناشط السياسي الصومالي، زياد شريف: تقوم القوات الصومالية بنسبة 95% من العمليات العسكرية ضدّ حركة الشباب

وفي ذلك، يقول الناشط السياسي الصومالي، زياد شريف لـ"حفريات": "تقوم القوات الصومالية بنسبة 95% من العمليات العسكرية ضدّ حركة الشباب، وتتحمل الكلفة البشرية والمالية، بينما يقتصر دور الأميصوم على حراسة المنشآت المهمة، وقليلاً ما يخرجون من القواعد العسكرية المحصنة".

اقرأ أيضاً: قتلى في هجوم إرهابي لحركة الشباب بالصومال... تفاصيل

وأشار شريف إلى أنّ جنود أميصوم يتقاضون رواتب باهظة، تمكنهم من الادخار وتحويلها إلى بلدانهم للاستثمار، بينما يحصل الجندي الصومالي على الفتات، ولو وُظفت الأموال التي تُدفع للأميصوم في تحديث وتدريب الجيش الصومالي لتمكن من القيام بدوره الوطني، ولكن في ظل استمرار الوضع كما هو عليه لن يتمكن من تحقيق مهامه.

السيادة الصومالية

وطردت الحكومة الصومالية نائب الممثل الخاص لرئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي في الصومال، سيمون مولونجو، وذكرت وزارة الخارجية أنّه "متورط في أنشطة لا تتفق مع تفويض بعثة الاتحاد الأفريقي وإستراتيجيتها الأمنية في الصومال".

اقرأ أيضاً: مخاوف أوروبية من سيطرة حركة الشباب على الصومال... هل تراجع أمريكا سياستها؟

وبحسب آخر تجديد من مجلس الأمن الدولي لولاية أميصوم، تنتهي ولايتها في كانون الأول (ديسمبر) المقبل، ودخلت الحكومة والاتحاد الأفريقي في مفاوضات لبحث مستقبل البعثة، وطرح مجلس الأمن والسلم الأفريقي عدة خيارات أمام الصومال، بناء على تقرير لجنة خبراء تابعين له، وخلص تقرير الخبراء إلى أربعة خيارات، وهي: الانتقال الكامل إلى بعثة تحقيق استقرار متعددة الأبعاد تابعة للاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة، يتم نشرها بموجب الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، بشأن التهديدات للسلام والأمن العالميّين.

الصحفي الصومالي، عبد القادر علي ورسمة لـ"حفريات": بعض الدول في الاتحاد الأفريقي تحاول استدامة تأثيرها السياسي وإطالة أمد وجود قواتها في الصومال

ويندرج تحت هذا الاقتراح تشكيل قوة من نواة المكونات الأمنية للوحدات التي تعمل حالياً في أميصوم، تدعم وجود هياكل أمنية خاصة، من أجل العمليات التشغيلية الجديدة.

وينص الخيار الثاني على إعادة تشكيل أميصوم، في دعم متعدد الأبعاد من الاتحاد الأفريقي لتحقيق الاستقرار في الصومال، والذي سينهي دور البعثة كقوة قتالية من خلال تضمين مكون سياسي أقوى بقيادة الاتحاد الأفريقي ولكن بالتنسيق مع الأمم المتحدة، ويتخوف فريق الخبراء من تسبب هذا الاقتراح في عدم تمويل الأمم المتحدة للبعثة.

والخيار الثالث هو أن تتحول أميصوم إلى قوة احتياطية إقليمية، بناءً على البنية الأمنية للاتحاد الأفريقي، تقليدياً، وهذا يعني أنّ الدول المساهمة بقوات يمكن أن تتغير، لتكون محددة من تلك البلدان التي تشترك في كتلة إقليمية مع الصومال، كما هو الحال في الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتنمية (إيقاد). والاقتراح الرابع هو الانسحاب الكامل حال أخفقت المفاوضات مع الحكومة الصومالية، ورفضت الحكومة الصومالية جميع هذه المقترحات.

تسليم معونة إيطالية لقوات أميصوم

وتهدف هذه المقترحات إلى توسيع دور بعثة أميصوم، لتشمل تدخلات سياسية إلى جانب العسكرية، لتكون في وضع يشبه الوصاية على الدولة الصومالية، ورغم ذلك لا تعتبر الكلمة النهائية بشأن البعثة أفريقية خالصة، كوّن التفويض الذي تعمل به يأتي من مجلس الأمن الدولي، وكذلك التمويل المالي.

وتعليقاً على المقترحات، يرى الصحفي ورسمة، أنّها تؤكد تحول هذه القوات إلى مشروع اقتصادي لدولها، أكثر من كونها قوات حفظ سلام. وشدد على أنّ الصومال دولة ذات سيادة، ولا يمكن أن تقبل توسيع عمل هذه القوات وإعطاءها دوراً سياسياً وصلاحيات واسعة، لما لذلك من خطورة على سيادتها الوطنية، خصوصاً أنّ دول الجوار لا تريد أن يكون للصومال جيش قوي.

اقرأ أيضاً: ما علاقة إقالة مدير المخابرات الصومالي بمقتل ضابطة في الجهاز؟

وأوضح ورسمة، أنّ هناك دولاً تشترك في أميصوم كانت قد دخلت البلاد قبل تشكيل القوة الأفريقية ووجود التفويض الدولي، بذريعة مواجهة المخاطر القادمة من الصومال، مثل إثيوبيا وكينيا، والأخيرة لديها خلافات حدودية مع الصومال، وتستغل وجودها في تعزيز الانقسام بين الولايات والعاصمة، ما يعني أنّ القوة الأفريقية تخرق سيادة البلاد.

مستقبل الأزمة

ووصل وفد من مجلس السلم والأمن التابع للاتحاد الأفريقي إلى مقديشو في التاسع من شهر تشرين الثاني (نوفمبر) الجاري، للتباحث مع الحكومة الصومالية بشأن تفويض بعثة أميصوم، وصرح القائم بأعمال وزير الخارجية الصومالي، محمد عبد الرزاق، بأنّ الحكومة الصومالية استعدت ضد أية خطط غير شرعية تتعارض مع اتفاق أميصوم في الصومال. وذكر أنّ حكومة بلاده تتشاور مع الدول المانحة بشأن ذلك، مؤكداً أنّ هذه الدول التي تدفع 800 مليون دولار سنوياً لتمويل أميصوم "لن تدعم أي شيء آخر غير اتفاقية أميصوم الحالية في الصومال، وأنّ الأمم المتحدة تتبنى نفس الموقف".

لقاء اتحاد المرشحين الرئاسيين المعارض مع وفد مجلس السلم والأمن الأفريقي

وحول التهديد بسحب أميصوم، قال الوزير: "الحكومة الصومالية تفضل انسحاب أميصوم من البلاد، بدلاً من قبول خطط مرفوضة تقف وراءها 15 دولة في لجنة الأمن التابعة للاتحاد الأفريقي".

وفي السياق ذاته، شدد اتحاد المرشحين الرئاسيين المعارض خلال لقائه مع وفد مجلس السلم والأمن الأفريقي على رفضهم القاطع لخطة الاتحاد بشأن مستقبل بعثته في الصومال، وشدد على أنّهم "لا يقبلون إعادة بلادهم إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة".

ومن المؤكد أنّ الدول المانحة لن تقبل بانسحاب أميصوم في هذه الظروف، حيث ما زالت التقارير ترى أنّ القوات العسكرية والأمنية الصومالية غير مؤهلة لتولي مسؤولية الأمن لوحدها في البلاد، وهي تقارير يصفها الصحفي ورسمة بأنّها "مُعدة من دول أفريقية ترغب في استمرار الوضع كما هو عليه، لتستمر في الاستفادة من وجودها في الصومال".

ويشكك ورسمة في جدية الطرح الأفريقي بالانسحاب، نظراً لوجود مصالح لدول الجوار المشاركة بقوات عسكرية، خصوصاً كينيا وإثيوبيا في الصومال، سواء منها المادية والاقتصادية والنفوذ السياسي.

اقرأ أيضاً: مشهد الجهادية الصومالية.. قراءة في الأيديولوجيا والأنماط الفاعلة الرئيسة

ونوه الصحفي الصومالي إلى أنّ تدخلات الجوار الأفريقي تعود إلى غياب الدور العربي والمصري خصوصاً عن الصومال، سواء في تقديم الدعم المالي والمساهمة في بناء مؤسسات الدولة التعليمية والصحية والإدارية، وعدم تفعيل اتفاقية الدفاع العربي المشترك التي كانت لتحمي الصومال من الوقوع فريسة لدول الجوار الأفريقي.

وفي ظل الأزمة الإثيوبية ومخاطرها على الأمن الصومالي وأمن القرن الأفريقي، فمن غير المتوقع إقدام أميصوم على الانسحاب، في ظل توسيع الولايات المتحدة وبريطانيا من دعمهما العسكري للصومال لمواجهة خطر حركة الشباب، ومن غير المحتمل توسيع صلاحيات أميصوم، خصوصاً أنّ الاتحاد الأفريقي لا يتمتع بخبرة ولم يحقق نجاحات في إدارة عمليات سياسية، وكان آخرها إخفاق وساطته بين القوى المتصارعة في إثيوبيا.

وتتكون بعثة أميصوم من قوات عسكرية وشرطية، وتشارك في القوة العسكرية دول؛ إثيوبيا، وكينيا، وجيبوتي، وأوغندا، وبوروندي، وتشارك في القوة الشرطية دول؛ كينيا، وأوغندا، وغانا، ونيجيريا، وزامبيا، وسيراليون، وتقوم الدول المانحة والأمم المتحدة بتمويل مخصصات هذه البعثة.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية