في الأعوام الأخيرة؛ أعربت الحكومة الكينية، أكثر من مرة، عن نيّتها إغلاق مخيم "داداب" للاجئين؛ حيث يوجد أكثر من 300،000 لاجئ، وطالب لجوء، معظمهم ممن فروا من الصومال عقب اندلاع الحرب الأهلية، عام 1991.
وكانت الحكومة الكينية قد أبلغت، في شباط (فبراير) من هذا العام، وكالة اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، عزمها إغلاق المخيم قبل نهاية هذا العام؛ بسبب ما وصفته بـ "مخاوف تتعلق بالأمن القومي"، وطالبت الحكومة الكينية من الوكالة "الإسراع بنقل اللاجئين وطالبي اللجوء المقيمين فيه".
اقرأ أيضاً: هل يسعى أردوغان لتوطين 3 ملايين لاجئ سوري في المنطقة الآمنة؟
كما سبق أن أعلنت السلطات الكينية، عام 2016، عزمها إغلاق "داداب"، معلّلة بأنّ المخيم يصبح مركزاً لحركة الشباب المتمركزين في الصومال، للتخطيط لشنّ هجمات جديدة في الداخل الكيني، لكنّ المحكمة العليا الكينية منعت هذه الخطوة، عام 2017، قائلة إنّها غير دستورية وتنتهك التزامات كينيا الدولية.
ويقع مخيم "داداب" في شرق كينيا، وقد تأسس قبل 30 عاماً تقريباً، وهو ثالث أكبر مخيم لجوءٍ في العالم، وكان في السابق أكبر مخيم للاجئين في العالم؛ حيث آوى في ذروته نحو نصف مليون لاجئ من الصومال وجنوب السودان.
أوضاع مأساوية للاجئين
يضمّ المخيم، الذي يمتدّ على مساحة تزيد عن 30 كيلومتراً مربعاً من الأراضي الصحراوية شبه القاحلة، عدة مدراس ومستشفيات وأسواق ومراكز للشرطة ومحطة للحافلات.
وتفرض السلطات الكينية قيوداً صارمة على سكان المخيم؛ حيث لا يمكن للاجئين مغادرة المخيم للبحث عن عملٍ في الخارج، بالتالي؛ فإنّ سكانه يمتلكون خيارات محدودة لكسب لقمة العيش؛ كتربية المواشي والأعمال اليدوية، في حين يعتمد أغلبهم على الحصص الغذائية التي يرسلها المانحون الأجانب، إضافة إلى التحويلات المالية من الذين يملكون أقارب لهم في الخارج.
أعلنت كينيا عزمها إغلاق "داداب" في عام 2016، لكنّ المحكمة العليا الكينية منعت ذلك قائلة إنّها غير دستورية
ورعم أنّ كينيا تواجه، بلا شكّ، تحديات كبيرة في استضافة اللاجئين في "داداب"؛ إلا أنّ منظمة "هيومن رايتس ووتش" الدولية، وثّقت في تقريرها المعنون "من الرعب إلى اليأس"، الأوضاع المزرية التي أدّى إليها الازدحام الشديد في المخيم، مشيرة إلى تدهور البنية التحتية الخاصة بالمخيم، وعدم كفاية المآوي، وشحّ المياه، وتواضع الرعاية الصحية، ودعت المنظمة الأمم المتحدة وكينيا إلى توفير أراضٍ أوسع لإنشاء مخيمات جديدة.
ومن جهتها، تعمل الحكومة الكينية على إنشاء منطقة عازلة على الحدود مع الصومال، "لوقف تدفق اللاجئين والأسلحة غير القانونية إلى داخل كينيا"، ونشرت كينيا ميليشيات مسلّحة بين آذار (مارس)، وأيار (مايو)، قامت بتدريبها على القتال إلى صف الحكومة الاتحادية الانتقالية الصومالية لإبعاد حركة الشباب الجهادية عن مناطق الصومال المتاخمة لكينيا، لا سيما حول بلدة دوبلي.
الترحيل القسري
وفي تقرير آخر، بعنوان "مرحباً بك في كينيا: انتهاكات الشرطة بحقّ اللاجئين الصوماليين"، تبيّن "هيومن رايتس ووتش"؛ أنّه منذ عام 2010، تمّت إعادة الآلاف من اللاجئين إلى الصومال بشكل قسري، وأوضحت المنظمة الدولية؛ أنّ الإعادات الجبرية تخرق القانونَين، الكيني والدولي، الذي يمنع الإعادة القسرية للاجئين إلى حيث يواجهون الاضطهاد أو التعذيب أو العنف بشكل عام. وشكّلت الحكومة فريق تحقيق خاصاً للنظر في انتهاكات الشرطة، التي شملت الاغتصاب، وإخفاق الشرطة في منع المجرمين من مهاجمة ملتمسي اللجوء القادمين من الحدود إلى المخيمات، لكن لم يتمّ نشر نتائج التحقيق، وفق تقرير المنظمة.
ممثلة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في كينيا، فتحية عبد الله: هناك أجيال كاملة ولدت في (داداب)
وبناءً على مقابلات مع أكثر من 100 لاجئ؛ يوثق تقرير المنظمة، الذي جاء في 99 صفحة، انتشار ابتزاز الشرطة لملتمسي اللجوء ممن يحاولون الوصول إلى ثلاثة مخيمات قريبة من بلدة داداب الكينية، في ظلّ أوضاع لاإنسانية ومهينة، وتهديدات بالترحيل، والمقاضاة على "التواجد غير القانوني في البلاد" من أجل ابتزاز من يصلون حديثاً من الرجال والنساء والأطفال، على حدّ سواء، للحصول منهم على مبالغ مالية، وفي بعض الحالات؛ قامت عناصر من الشرطة باغتصاب النساء، حسبما يوثقه التقرير.
وقال جيري سيمسون، الباحث في شؤون اللاجئين في "هيومن رايتس ووتش"، وكاتب التقرير الأساسي: "الناس تفرّ من الفوضى والدمار في الصومال، والغالبية العظمى منهم نساء وأطفال، ويُستقبلون في كينيا بالاغتصاب والجلد والضرب والاحتجاز والابتزاز والترحيل بإجراءات تعسفية".
وتابع: "ما إن يصلوا المخيمات حتى يواجهوا العنف من الشرطة، وتدير الشرطة أعينها بعيداً عن العنف الجنسي الذي تركتبه عصابات كينية".
العودة الطوعية
وفي ظلّ التحسن الجزئي للأوضاع الأمنية في أجزاء من الصومال؛ بدأ بعض اللاجئين يختار العودة إلى بلادهم بشكل طوعي، وقد أشارت مفوضية الأمم المتحدة للاجئين إلى أنّ أكثر من 82،000 لاجئ من "داداب"، قد عادوا منذ عام 2014، ولكن انخفض عدد العائدين في العام الماضي إلى حوالي 7500 مقارنة، بنحو 35500 عام 2017، و34000 عام 2016.
اقرأ أيضاً: ألمانيا: كيف تتم حماية النساء في مراكز استقبال اللاجئين؟
وقال هيوز أندرسن، المتحدث باسم لسان مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، خلال حديث له مع وسائل الإعلام: "تحرز الصومال بعض التقدم في التنمية على مدى الأعوام القليلة الماضية، إلا أنّها ما تزال دولة خارجة من عقودٍ من الحرب، وهو ما يعني غياب البنية التحتية، ومقومات الحياة الأساسية، وبالطبع؛ فإنّ أيّة عودة للاجئين بأعداد كبيرة لن تساعد في الاستقرار الذي يحاول الصومال بناءه".
وفي السياق ذاته؛ تقول ممثلة مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في كينيا، فتحية عبد الله، في تصريح خاص بـ"حفريات": "هناك أجيال كاملة ولدت في (داداب)، والعدد الذي يعيش في المخيم كبير، يتفق الجميع على إيجاد حلّ، ونعتقد أنّ الحلّ يكمن في إستراتيجيات مختلفة، منها العودة الطوعية إلى الصومال. أنت تعرف أنّ غالبية اللاجئين في (داداب) هم من الصومال، وبرنامج العودة الطوعية مستمر منذ أعوام."
وتتابع فتحية عبد الله بأنّهم يدرسون نقل بعض اللاجئين إلى أجزاء أخرى من كينيا، معربة عن أملها في "نقل بعض اللاجئين في داداب إلى كاكوما، ومرة أخرى هذا شيء لن نفرضه بالإجبار"، وأردفت: "سنتحدث إليهم ونرى من الذي يرغب في الانتقال إلى كاكوما؛ لأنّ لدينا مكتباً هناك، ولدينا برامج مشتركة مع الحكومة بهذا الخصوص".
الخلاف البحري الصومالي الكيني يؤثر على اللاجئين
منذ الهجوم الإرهابي على مجمع فندق "Dusit D2" في نيروبي، في كانون الثاني (يناير) هذا العام، تصاعدت حدّة التهديد الكيني بإغلاق المخيم، وتمّ القبض على 12 من المشتبه على أنّ لهم صلة بالهجوم من داخل المخيم.
وبالمجمل؛ تنظر الحكومة الكينية إلى "داداب" كخطر أمني، وترى أنّ حركة الشباب خطّطت من داخل المخيم لشنّ الهجمات المتكررة على مركز التسوق "ويست جيت" في نيروبي، عام 2013، وهجوم جامعة جاريسا، عام 2015، رغم أنّها لم تقدّم أدلة.
ويرجّح بعض المراقبين أنّ الحكومة الكينية تستخدم ورقة اللاجئين للضغط على الحكومة الصومالية، في خلافها المتعلق بالحدود البحرية، والتي تنظر بشأنه محكمة العدل الدولية؛ حيث من المنتظر أن تعلن القرار النهائي في الخامس من تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل.