لماذا اختار اتحاد الشغل التونسي التصعيد ضد الرئيس قيس سعيّد؟

لماذا اختار اتحاد الشغل التونسي التصعيد ضد الرئيس قيس سعيّد؟

لماذا اختار اتحاد الشغل التونسي التصعيد ضد الرئيس قيس سعيّد؟


05/03/2023

يزداد التوتر في تونس يوماً بعد يوم بين الرئيس التونسي قيس سعيّد وبين الاتحاد العام التونسي للشغل الذي يحاول استعراض قوته، بعد إجراءات اتخذتها السلطات بحق المعارضين في الآونة الأخيرة، في وقت تعيش فيه البلاد أزمة مالية واقتصادية غير مسبوقة.

وقد حشد الاتحاد لمسيرة السبت، بعد أسابيع من اعتقالات استهدفت قيادات إخوانية بارزة فضلاً عن سياسيين وإعلاميين في أول إجراءات صارمة كبيرة، وذلك بعد اتهام عدد منهم بالفساد وآخرين بالتآمر على أمن الدولة، وسط تحذيرات أطلقها سعيّد من مشاركة أجانب في تحركات المنظمة العمالية.

ولا توجد حالياً أيّ مؤشرات على نهاية الأزمة أو دخول الطرفين في حوار، ويبدو المسار تصعيدياً من قبل الاتحاد، بينما تجاهل الرئيس التونسي المركزية النقابية بعد رفضها الانخراط في حوار كان قد دعا له سعيد، واستثنى منه أحزاب منظومة الحكم السابقة التي عزلها بموجب التدابير الاستثنائية التي اتخذها في 25 تموز (يوليو) 2021.

تصعيد متبادل

احتشد المحتجون قبل المسيرة في وسط العاصمة تونس رافعين لافتات تصعيدية ضدّ الرئيس، كُتب عليها "لا للحكم الفردي"، و"أوقفوا الهجمة على الاتحاد"، مرددين هتافات "يا سعيّد يا جبان... الاتحاد لا يهان"، و"حريات حريات".

وقال الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي: إنّ الحكومة التونسية  تلاعبت بالاتفاق الذي جرى بينها وبين الاتحاد بخصوص الزيادة في الأجور.

وأضاف الطبوبي خلال كلمة في المسيرة أنّه تم إجراء اتفاق مع الحكومة من أجل تعديل المقدرة الشرائية لكنّ الحكومة نكثت بتعهداتها.

يزداد التوتر في تونس يوماً بعد يوم بين الرئيس التونسي قيس سعيّد وبين الاتحاد العام التونسي للشغل

وقد دعم الاتحاد في البداية إجراءات سعيّد التي اتخذها ضدّ الحكم الإخواني الذي سيطر على البلد على امتداد الأعوام الـ (10) الماضية، لكن لاحقاً وجّه انتقادات بطيئة في بادئ الأمر، لكن الاتحاد ذا النفوذ بدأ في معارضة الرئيس بوضوح مع إحكام سعيّد قبضته وتجاهله للاتحاد ولاعبين آخرين.

بالمقابل، أحالت السلطات عدداً من المسؤولين النقابيين على القضاء على خلفية إضرابات شنّتها المنظمة العمالية، وعقب توجيه الاتحاد انتقادات للرئيس على خلفية حملة الاعتقالات الأخيرة التي استهدفت ساسة بارزين من المعارضة ورجال أعمال وقضاة وإعلاميين.

واعتُقل مسؤول كبير في الاتحاد الشهر الماضي، لأنّه نظّم إضراباً في محطات تحصيل الرسوم على الطرق السريعة، ممّا دفع صحيفة الاتحاد العام التونسي للشغل إلى القول إنّ سعيد أعلن الحرب على الاتحاد وأعضائه البالغ عددهم مليون عضو.

سعيّد يرفض مشاركة أجانب في الاحتجاجات

وفي مؤشرّ على توتر العلاقة، منعت السلطات نقابيين دوليين من دخول البلاد للمشاركة في المسيرة النقابية لاتحاد الشغل، وذلك بعد أسبوعين من طرد الأمينة العامة للاتحاد الأوروبي للنقابات (إيستر لينش) من تونس، بعد مشاركتها في تحرّك احتجاجي نظمّه الاتحاد في محافظة صفاقس جنوب تونس، وإدلائها بتصريحات اعتبرت الرئاسة "أنّ فيها تدخلاً سافراً في الشأن الداخلي لتونس".

لا توجد حالياً أيّ مؤشرات على نهاية الأزمة أو دخول الطرفين في حوار، ويبدو المسار تصعيدياً من قبل الاتحاد

واعتبر سعيّد أنّ مشاركة أجانب في مظاهرات داخل تونس "أمر غير مقبول على أيّ مقياس من المقاييس"، بينما عدّ اتحاد الشغل ذلك "خطوة تصعيدية عدائية" من السلطة الحاكمة تستهدف العمل النقابي. وأكد سعيد أنّ اتحاد الشغل له الحرية في الدعوة لاحتجاجات لكن ليس له دعوة الأجانب للمشاركة.

استعراض قوة

وكثف اتحاد الشغل خلال الأيام الأخيرة جهوده لإنجاح التجمع العمالي، وأطلق حملة واسعة تدعو كافة منظوريه إلى الحضور بكثافة، كما تعددت دعوات النقابات بمختلف القطاعات التي تحث النقابيين وكافة الأعوان والمسؤولين إلى أن يكونوا في الموعد يوم السبت ببطحاء محمد علي بالعاصمة.

ويرى مراقبون أنّ المنظمة الشغيلة تسعى لإظهار أنّ بمقدورها تحريك الشارع لإجبار السلطة على الاستجابة لمطالبها، تنفيداً لتهديدات أطلقها أمينها العام نور الدين الطبوبي مؤخراً، والتي أكد خلالها أنّ المنظمة لن تبقى مكتوفة الأيدي إزاء الأزمة التي تعيشها البلاد.

 الأمين العام للاتحاد العام التونسي للشغل نور الدين الطبوبي: الحكومة تلاعبت بالاتفاق الذي جرى بينها وبين الاتحاد بخصوص زيادة الأجور

ولفت إلى أنّ التاريخ أثبت أنّ تونس لا تُحكم بكلمة واحدة، في رسالة موجهة إلى الرئيس قيس سعيّد الذي يتجاهل المبادرة التي يستعد الاتحاد لعرضها على السلطة السياسية القائمة، ويرفض كافة محاولاته للاعتراف به شريكاً سياسياً مثلما كان الحال خلال العشرية الماضية.

وتذهب بعض القراءات إلى أنّ الاتحاد يحاول استغلال الأزمة التي تشهدها السلطة والمعارضة معاً، للعودة وقيادة المشهد السياسي، حيث سبق أن حاول تجاوز دوره الاجتماعي منذ تأسيس دولة الاستقلال، وقد نجح في ذلك نسبياً خلال الأعوام الـ (10) التي أعقبت سقوط نظام حكم الرئيس الراحل زين العابدين بن علي في العام 2011.

دعم الاتحاد في البداية إجراءات سعيّد التي اتخذها ضدّ الحكم الإخواني الذي سيطر على البلد على امتداد الأعوام الـ (10) الماضية

هذا التصعيد يأتي بعد أكثر من عام من تأييد "إجراءات سعيّد الاستثنائية" التي أعلنها منذ تموز (يوليو) 2021، لوضع حدّ لتمدّد الطبقة السياسية التي حكمت البلاد منذ 2011 بقيادة حركة النهضة، وأدخلت البلاد في دوامة من الأزمات السياسية والاجتماعية والاقتصادية.

صعوبات مالية

وتسعى تونس التي تكافح من أجل معالجة اضطراب أصاب ماليتها العامة للحصول على قرض بقيمة (1.9) مليار دولار من صندوق النقد الدولي، مقابل إصلاحات غير شعبية تشمل خفض الإنفاق وإعادة هيكلة الشركات العامة وتجميد الأجور وخفض دعم الطاقة والغذاء.

وقال وزير الاقتصاد سمير سعيد الشهر الماضي: إنّ تونس ستواجه عاماً صعباً مع معدل تضخم سيتجاوز 10%، مضيفاً أنّ الحكومة لا بديل لها عن اتفاق مع صندوق النقد، فيما سيشكل الإضراب ضغطاً على حكومة الرئيس قيس سعيّد.

وتمرّ تونس بأزمة مالية عميقة، أسفرت في الأشهر الأخيرة عن نقص متكرر في بعض المنتجات الأساسية، مثل السكر والحليب والأرز وغيرها، في سياق تضخّم متسارع بلغ 9.8%، بحسب أحدث معطيات رسمية صدرت في مطلع كانون الأول (ديسمبر) المنقضي.

ولتحقيق التوازن المالي، يتعيّن على الدولة اللجوء إلى الاقتراض الخارجي بأكثر من (4) مليارات يورو، وقروض محليّة بنحو (3) مليارات يورو.

تسعى تونس للحصول على قرض بقيمة (1.9) مليار دولار من صندوق النقد الدولي

 وقد توصلت تونس إلى اتفاق على مستوى الخبراء مع صندوق النقد الدولي من أجل حزمة إنقاذ تبلغ قيمتها (1.9) مليار دولار، مقابل إصلاحات لا تحظى بتأييد شعبي، منها خفض دعم الغذاء والوقود، وإصلاح شركات القطاع العام، وتسعى تونس للتوصل إلى اتفاق نهائي في أوائل العام المقبل.

وتظهر ميزانية 2023 أنّ فاتورة الرواتب في القطاع العام ستنخفض من 15.1% في 2022 إلى 14%، وهو إصلاح أساسي طالب به صندوق النقد الدولي.

المنظمة الشغيلة تسعى لإظهار أنّ بمقدورها تحريك الشارع لإجبار السلطة على الاستجابة لمطالبها

ومنذ 25 من تموز (يوليو) 2021 تعيش تونس أزمات اقتصادية واجتماعية وسياسية، بموازاة إجراءات استثنائية فرضها رئيس البلاد قيس سعيّد، من بينها حلّ مجلس القضاء والبرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وتمرير دستور جديد، وإجراء انتخابات تشريعية مبكرة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية