لقاء الفرقاء الليبيين في المغرب: توزيع مناصب أم تقاسم غنائم؟

لقاء الفرقاء الليبيين في المغرب: توزيع مناصب أم تقاسم غنائم؟

لقاء الفرقاء الليبيين في المغرب: توزيع مناصب أم تقاسم غنائم؟


27/10/2022

في وقت تشهد فيه ليبيا انسداداً سياسياً، وهيمنة من حكومة الوحدة الوطنية، برئاسة عبد الحميد الدبيبة، على السلطة، في ظل منازعة فتحي باشاغا له، جاء لقاء رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، مع رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، بمثابة إلقاء حجر في بحر من المياه الراكدة.

وفي آخر لقاء بين الرجلين أخفق المجلسان في التوصل إلى اتفاق على قاعدة دستورية للانتخابات، واستبدل الدبيبة بباشاغا، رغم اتفاق المشري مع صالح على هذه الخطوة بشكل كبير.

وعاد الرجلان إلى اللقاء مؤخراً في المغرب، وإحياء اتفاقهما السابق في مدينة بوزنيقة المغربية، بشأن المناصب السيادية، كما قدما طرحاً جديداً يتعلق بتوحيد السلطة التنفيذية، لتقود البلاد نحو الانتخابات العامة.

رئيسا المجلسين

وقع رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، اتفاقاً مع رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، على توحيد السلطة التنفيذية والمناصب السيادية في فترة لا تتجاوز حلول العام المقبل 2023، وذلك في المغرب، في 21 من تشرين الأول (أكتوبر) الجاري.

ويُعد اللقاء استكمالاً لمسار الحوار الوطني الليبي في بوزنيقة بين صالح والمشري، ونتج عنه توقيع اتفاق "بوزنيقة"، في أيلول (سبتمبر) 2020، والذي تعطل بعد الزخم الذي أخذه مسار تشكيل السلطة التنفيذية في ليبيا، بعد توقيع وقف إطلاق النار، ثم جلسات مؤتمر الحوار الوطني، وصولاً إلى تشكيل المجلس الرئاسي والحكومة الجديدة مطلع عام 2021.

د. عبد المنعم اليسير: لا يريد المشري سوى رعاية مصالح تركيا

ونصّ اتفاق بوزنيقة على أن تكون مناصب؛ النائب العام، ديوان المحاسبة، والمفوضية الوطنية العليا للانتخابات من نصيب المنطقة الغربية، ومناصب مصرف ليبيا المركزي، والرقابة الإدارية من نصيب المنطقة الشرقية، والمحكمة العليا، وهيئة مكافحة الفساد من نصيب المنطقة الجنوبية، ولم يُحسم بعد مصير المؤسسة الوطنية للنفط، والمؤسسة الليبية للاستثمار.

وفي مؤتمر صحفي شهد الإعلان عن الاتفاق الجديد بين المشري وصالح، تعهد المشري بألا "يحل بداية العام 2023 إلا وقد توحدت السلطة التنفيذية والمناصب السيادية".

وأشار المشري إلى أنّ "لجنة من المجلسين اجتمعت في مدينة بوزنيقة، واتفقت على 2 من بين 7 من المناصب السيادية"، وتابع "اتفقت مع رئيس مجلس النواب على استئناف ما جرى الاتفاق عليه، والمجلس الأعلى للدولة سبق له التصويت على الموافقة على هذه المخرجات". وأشار أيضا إلى الاتفاق على الإجراءات اللازمة للانتخابات البرلمانية والرئاسية بأسرع وقت ممكن.

ومن جانبه، قال رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح: "اتفقت مع رئيس مجلس الدولة على العمل على كل ما من شأنه أن تكون السلطة التنفيذية واحدة في ليبيا في أقرب الأوقات، واستئناف الحوار من أجل عمل ما يلزم لإجراء الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وفق خريطة طريق واضحة وتشريعات تجري على أساسها الانتخابات بالتوافق بين المجلسين".

رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري أعلن عن "خريطة طريق"، تقوم على مسارين متوازيين؛ لتوقيع اتفاق داخلي، بشأن المناصب السيادية الخمسة المتبقية، والثاني لتغيير السلطة التنفيذية

ومن جانبه، استنكر رئيس حكومة الوحدة الوطنية، عبد الحميد الدبيبة، اجتماع المجلس، وقال: "الحديث عن مسارات موازية مثل تقاسم المناصب السيادية لم يعد مقبولاً". وأضاف أنّ الليبيين يطالبون الجميع بالإيفاء بالتزاماتهم تجاه الانتخابات، في إشارة إلى عدم إنجاز صالح والمشري القاعدة الدستورية.

ورداً عليه، كتب المشري عبر "تويتر": "سيد عبدالحميد كفى بيعاً للأوهام للشعب. عليك بتوفير العلاج لمرضى الأورام والكتاب المدرسي لأبنائنا الطلبة، ولا علاقة لك بما هو ليس من اختصاصك ولا صلاحياتك؛ فقط قم بعملك".

ويأتي حراك المجلسين بعد أقل من شهرين على تعيين الممثل الخاص للأمين العام، رئيس بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، عبد الله باتيلي، بعد تسعة أشهر من فراغ المنصب، بعد استقالة الدبلوماسي السلوفاكي، يان كوبيتش، وتولي الدبلوماسية ستيفاني ويليامز، رئاسة البعثة بالإنابة.

ويبدو أنّ المبعوث الجديد الذي التقى بشخصيات رسمية ومدنية من مختلف مناطق البلاد، يميل إلى استكمال جهود رئيسي المجلسين، والعبور من المرحلة الانتقالية عبر تعاونهما. وخلال تقديمه إحاطته الأولى إلى مجلس الأمن الدولي، في 24 من الشهر الجاري، نوه إلى أنه سيعمل على تنظيم اجتماع بين مجلسي النواب والدولة وإعادة إحياء المسار العسكري خلال الأيام المقبلة.

تحديات الاتفاق

ويقول المحلل السياسي الليبي، هيثم الورفلي: "أوضح خالد المشري في خطاب له أنّ هناك خطين متوازيين لتوحيد السلطة التنفيذية، وأنّ هناك تنسيقاً بين عقيلة والمشري مع المبعوث الجديد، الذي رحب بلقاء الطرفين في المغرب". وتوقع أنّ يكون هناك اتفاق بين المبعوث الجديد مع المجلسين، على أن يكون الحوار عن طريق المجلسين وخاصة في تغيير المناصب السيادية.

هيثم الورفلي: خريطة طريق تقوم على مسارين متوازيين

وفي حديثه لـ"حفريات"، أوضح الورفلي إلى أنّ المشري أعلن عن "خريطة طريق"، تقوم على مسارين متوازيين؛ الأول مسار لتوقيع اتفاق داخلي، بشأن المناصب السيادية الخمسة المتبقية، والثاني مسار ترعاه بعثة الأمم المتحدة لتغيير السلطة التنفيذية، عن طريق لجنة حوار. وأكد الورفلي على أنّه لن يحدث "تغيير للمناصب السيادية بدون تغيير الحكومة، ستكون عملية متوازية".

ومن ضمن المناصب السيادية الخمسة التي لم تُحسم المصرف المركزي، الذي يعتبر من أهم ركائز الصراع السياسي في ليبيا، حيث من يسيطر عليه يتحكم في السياسة النقدية والمالية، وفي توفير الموارد للحكومة.

الباحث الدستوري والسياسي محمد محفوظ لـ"حفريات": اتفاق خالد المشري وعقيلة صالح صفقة سياسية، الهدف منها عدم الذهاب نحو الانتخابات وإطالة الفترة الانتقالية، لاحتواء المبعوث الأممي

ويترأس الصديق الكبير المصرف المركزي، وهو محسوب على الإخوان المسلمين في ليبيا، مثل رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري. ويتمتع الكبير بنفوذ وشعبية في المنطقة الغربية، وحول موقفه من الخروج من منصبه، يقول الباحث السياسي والدستوري، محمد محفوظ: "هناك ثلاثة عوامل تحدد ذلك، وهي الدعم الدولي الواسع للرجل، ودعم المجموعات المسلحة والتيارات السياسية له، فضلاً عن الشعبية الواسعة التي يتمتع بها، ولهذا فمن غير المتوقع موقفه بعد".

ومن جانبه، لا يثق الناطق والمستشار لتجمع شيوخ ليبيا، عبد المنعم اليسير، في جدية المشري: "التقى عقيلة والمشري في الماضي، ويبدو السيد عقيلة مجبر على اللقاء؛ فهو على دراية بأنّ الموضوع كله مسرحية وإعادة تدوير لخداع الشعب الليبي".

وأفاد لـ"حفريات: بأنّ "المشري يعمل على تمديد مرحلة الفوضى، وصالح مجبر أن يلتقي معه لكي لا يتهم بأنه معرقل، في الوقت الذي أنجز عقيلة القاعدة الدستورية بالتعديل (12)، وقانون الانتخابات وسلم ذلك إلى مجلس الدولة، لكنّ المشري عرقل الاتفاق على ذلك". واتّهم السياسي الليبي المشري بـ"اصطناع المعوقات مع الإخوان المسلمين لخلط الأوراق، والترويج لعدم القدرة على إنتاج قاعدة دستورية، وضرورة وجود حكومة جديدة لكي نصل إلى الانتخابات".

وفي حديثه لـ"حفريات" طرح الباحث القانوني والسياسي الليبي، عبد الله الديباني، رؤية واسعة للقاء صالح والمشري: "جاء ذلك بعد عدد من الزيارات من سفير المملكة المتحدة والولايات المتحدة لرئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الدولة، وكذلك سبقهم لقاء رئيس مجلس النواب مع النائب الأول لرئيس مجلس الدولة ومجموعة من أعضاء المجلس عن برقة، والذي تم فيه التوافق والاتفاق على ضرورة استئناف الحوار واللقاء ما بين المجلسين فيما يخص الاستحقاق الانتخابي والقاعدة الدستورية والمناصب السيادية وتوحيد السلطة التنفيذية".

وتوقع الباحث الليبي أنّ تشهد الأيام المقبلة التوافق ما بين المجلسين وتغيير المناصب السيادية، والتي هي "اختصاص أصيل لمجلس النواب، بالتوافق والتشاور مع مجلس الدولة".

مأزق الدبيبة

ويعني إطلاق خريطة الطريق بين النواب والدولة أنّ أيام حكومة الدبيبة وحكومة باشاغا باتت معدودة، بناءً على ميعاد قبل بداية العام المقبل، وفق ما صرح به رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري. ويقول لـ"حفريات" الباحث محمد محفوظ: "معارضة الدبيبة سببها أنّ الأمر سيطاله، بتأكيد المشري بالاتفاق على حكومة موحدة، وهذا يهدد مسألة بقاء الدبيبة في السلطة".

وبشأن موقف الدبيبة، أوضح الباحث الليبي، عبد الله الديباني، أنّ الصدام الذي نشأ بين رئيس الحكومة منتهية الولاية عبدالحميد الدبيبة ورئيس مجلس الدولة يرجع إلى "شعور الأول بأنه في حال توافق المجلسين على توحيد السلطة التنفيذية وتعيين حكومة أخرى توافقية واحدة وقبل المجتمع الدولي بهذا، سيؤدي ذلك إلى سقوط الشرعية الدولية عن حكومته، والتي أعتاد التلويح بها واستخدامها كذريعة لبقائه واستمرار اغتصابه للسلطة".

عبد الله الديباني: استئناف الحوار واللقاء ما بين المجلسين

ولا يحظى مسار مجلس النواب والدولة برضا شعبي؛ إذ باتت الأغلبية ترى أنّ المجلسين مسؤولان عن الانسداد السياسي، خاصةً بعد الإخفاق في التوصل إلى قاعدة دستورية لإجراء الانتخابات وفقاً لها. ومن جانبه، طالب السياسي عبد المنعم اليسير في حديثه لـ"حفريات"، المجتمع الدولي بالعمل على تطبيق الاتفاقيات التي تمت برعايته، وعلى رأسها اتفاق وقف إطلاق النار، وإخراج المرتزقة والوجود الأجنبي، وتوحيد المؤسسة العسكرية. وبحسب اليسير: "لا يريد المشري سوى رعاية مصالح تركيا، والتي تنتعش باستمرار الفوضى والوضع القائم بما يعزز وجودها في ليبيا".

ويرى الباحث الدستوري والسياسي، محمد محفوظ، أنّ اتفاق المشري وصالح "صفقة سياسية، الهدف منها عدم الذهاب نحو الانتخابات وإطالة الفترة الانتقالية، لاحتواء المبعوث الأممي، حتى لا يذهب إلى خيارات بعيدة عن المجلسين، مثل تفعيل ملتقى الحوار السياسي". ووصف الباحث المجلسين بأنّهما "متهالكان عديما الشرعية، وكل خياراتهما سيئة ومبنية على أساس جهوي، وليس على أساس الكفاءة والنزاهة والمعايير الدولية".

د. محمد محفوظ: اتفاق المشري وصالح صفقة سياسية

وأمام المجلسين تحديات كبرى لكسب ثقة الشعب الليبي في المسار المدعوم أممياً، والذي ترجمته مفاوضات المغرب الأخيرة. وسيواجه المشري تحدياً آخر في استبدال حكومة الدبيبة، حيث سيتعرض لضغوط كبيرة من تركيا لثنيه عن ذلك، إلا إذا كانت تركيا بالاتفاق مع المشري تسير في نفس رؤيتهما لاحتواء المبعوث الأممي الجديد، لتظل إدارة المشهد السياسي بيدهم، حتى لو شهد بعض التغيرات، وهو ما ستكشف الأيام المقبلة عنه.

موضيع ذات صلة:

الإخوان يدفعون المسار السياسي في ليبيا نحو الفوضى.. ماذا فعلوا؟

انتهازية الجماعة... هل غير إخوان ليبيا مواقفهم من المشير حفتر؟




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية