لبنان بلد غير طبيعي في منطقة غير طبيعيّة!

لبنان بلد غير طبيعي في منطقة غير طبيعيّة!


20/02/2022

خيرالله خيرالله

لبنان بلد غير طبيعي في منطقة غير طبيعيّة. يلاحق رئيس الجمهوريّة ميشال عون حاكم مصرف لبنان رياض سلامة عبر جهاز امني يمون عليه وقاضية تعمل بتعليمات منه، فيما تتصرف قوات الامن الشرعية بما تمليه عليها القوانين المرعيّة. إلى اشعار آخر، لم يلق احد القبض على سلامة. لا يحصل ذلك سوى في بلد لا مرجعية سياسية فيه الّا مرجعية "حزب الله"، أي ايران. لا مشكلة لدى "حزب الله" في ترك الأحزاب والقوى السياسية تتلهّى ببعضها البعض، ما دام هو الطرف الذي يقرّر في القضايا الكبيرة.

أجريت انتخابات نيابيّة ام لم تجر، سيبقى القرار في لبنان ايرانيّا. ففي كلّ يوم يمرّ تؤكّد ايران، عبر "حزب الله" انّها ممسكة بالقرار اللبناني وان كلّ ما هو مطلوب إيجاد وظيفة ايرانيّة للبنان. معنى ذلك ان لبنان صار الدويلة في دولة "حزب الله" وذلك بعدما كانت دويلة "حزب الله" في دولة لبنان. يؤكّد ذلك، انّه

للمرة الثانية في اقلّ من شهرين، يعقد معارضون بحرينيون مؤتمرا في بيروت لمهاجمة بلدهم وذلك ممن منطلق مذهبي ليس الّا.

ما كان ممكنا ان تعقد "حركة الوفاق" البحرينية، التي تحظرها مملكة البحرين منذ العام 2016 مؤتمرا آخر ومهرجانا خطابيا في بيروت خصّص لمهاجمة البحرين، لولا انّ ايران قرّرت زيادة ضغطها على لبنان في هذه الايّام بالذات.

ارادت "الجمهوريّة الاسلاميّة" في ايران تأكيد ان لبنان تحت سيطرة "حزب الله" وان الدويلة التي أقامها الحزب هي الدولة في لبنان. اكّدت ان لا قيمة لما يصدر عن وزير الداخليّة اللبناني بسّام مولوي وأنّ "حزب الله" يتصرّف بالطريقة التي يريدها وأن ليس من طرف يستطيع منعه من ذلك. لم يستطع وزير الداخليّة اللبناني سوى الاعتراض والاشارة الى ان ما يقوم به "حزب الله" يصبّ في مزيد من الإساءة الى العلاقات التي تربط لبنان بدول الخليج العربي. تصرّف وزير الداخليّة، الذي يبدو انّه شاب طيّب لا اكثر، مقلما يتصرّف ايّ مواطن لبناني، لا حول له ولا قوّة، عندما يتعلّق الامر بـ"حزب الله".

من هنا، تبدو الرسالة الايرانيّة الجديدة، وهي الثانية في غضون شهرين، واضحة كلّ الوضوح. فحوى الرسالة ان لبنان ورقة ايرانيّة لا اكثر وعلى المجتمع الدولي، على رأسه الولايات المتحدة استيعاب ذلك واخذ العلم به. لبنان رهينة ايرانيّة. لبنان بلد تستخدمه ايران كيفما تشاء وفي أي اتجاه تشاء. الأكيد ان رئيس مجلس الوزراء نجيب ميقاتي يعرف ذلك قبل غيره ولا داعي لفتح تحقيق من ايّ نوع لمعرفة كيف وجدت حركة مصنّفة "ارهابيّة" في البحرين منبرا لها في بيروت تحرّض فيه على المملكة الآمنة التي لم تؤذ أحدا في يوم من الايّام. اكثر من ذلك، قدمت البحرين كلّ الخير للبنان واللبنانيين ولم تتردّد في التعاطي معهم بطريقة تدلّ على انّهم مواطنون من مواطنيها. هل هكذا يرد لبنان الجميل للبحرين؟

من الواضح انّ لبنان ليس همّا إيرانيا. على العكس من ذلك، لبنان بالنسبة الى "الجمهوريّة الاسلاميّة" بمثابة برتقالة (عونيّة) لا بدّ من عصرها حتّى آخر نقطة فيها. ربّما كان ذلك يفسّر تحالفها مع ميشال عون وجبران باسيل اللذين يمثلان "التيّار البرتقالي" في البلد.

كلّما مرّ يوم، يتبيّن اكثر أنّ لا هدف لإيران عبر "حزب الله"، الذي ليس سوى لواء في "الحرس الثوري"، سوى تدمير البلد الذي اسمه لبنان وعزله عن محيطه العربي، خصوصا الخليجي. تفعل ذلك من دون أي اهتمام بما يحلّ باللبنانيين وما يترتب على ذلك من قطع لأرزاقهم. لم تعد ايران تقرّر من هو رئيس الجمهورية اللبنانيّة فحسب، بل صارت تقرّر أيضا هل مسموح انعقاد مجلس الوزراء. في المقابل، لا يريد الحكم في لبنان استيعاب انّ الموقف الخليجي منه موقف موحّد وان لا خيار آخر امام كلّ دولة من دول الخليج سوى الدفاع عن نفسها وعن مصالحها بطريقتها الخاصة. لا تستطيع المملكة العربيّة السعوديّة، مثلا، الوقوف مكتوفة امام ما تعرّض له انطلاقا من اليمن. لا تستطيع البحرين بدورها اتخاذ موقف المتفرّج في مواجهة التحريض الإيراني عليها انطلاقا من لبنان. ما لا بدّ من التذكير به دائما ان الخليج كلّه وقف مع البحرين وحال دون سقوطها بعد التحريض المذهبي الذي مارسته ايران في العام 2011 مستغلّة بدورها "الربيع العربي". هذا "الربيع" الذي لم يكن سوى خريف... إلّا اذا استثنيا مصر التي استطاعت التخلّص سريعا من كابوس نظام الاخوان المسلمين الذي لم يدم اكثر من عامين.

صمدت البحرين وستبقى صامدة في وجه التحريض المذهبي، لكن المقلق في الامر ان ايران تبشر من خلال "الساحة" اللبنانيّة بمتابعة حملتها على تلك الدولة الصغيرة. تتابع ايران حملتها على البحرين التي استطاعت إيجاد موقع لها في المنطقة عن طريق نشر ثقافة التسامح مستفيدة من تجربة دولة الامارات العربيّة المتّحدة ورؤية مؤسسها الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان.

في كانون الأول – ديسمبر الماضي، افتتحت جنوب المنامة اكبر كاتدرائية في منطقة الخليج سمّيت "سيدة العرب". تتسع الكاتدرائية الكاثوليكيّة لـ2300 مصلّ. هل هذا ردّ آخر من ايران، انطلاقا من بيروت، مدينة لقاء كلّ الديانات السماويّة، على افتتاح الكاتدرائية الكبيرة في البحرين؟

يبدو مثل هذا السؤال مشروعا. ما يبدو مشروعا اكثر التساؤل عن موقف رئيس الجمهوريّْة اللبنانيّة وصهره جبران باسيل عندما يتعلّق الامر باعتداء على البحرين مصدره لبنان. الم يحن الوقت ليقول الثنائي الرئاسي انّه فشل في استعادة حقوق المسيحيين في لبنان والدفاع عن مصالحهم بواسطة سلاح "حزب الله"... وأن سكوته لا يمكن تفسيره سوى بالعجز اللبناني والفشل الذي يعاني منه الرهان على حلف الاقلّيات في المنطقة؟

آن أوان وضع الأمور في نصابها ومصارحة اللبنانيين بان بلدهم صار في خبر كان وان دول الخليج لم تعتد عليه باي شكل. على العكس من ذلك، استطاعت ايران تحويل البلد الصغير الى قاعدة قواعدها في المنطقة لا اكثر ولا اقل... لبنان بلد غير طبيعي في منطقة غير طبيعيّة.

عن "ميدل إيست أونلاين"

الصفحة الرئيسية