لبنانيون يسطون على أموالهم: ما موقف الحكومة من استمرار اقتحام المصارف؟

لبنانيون يسطون على أموالهم: ما موقف الحكومة من استمرار اقتحام المصارف؟

لبنانيون يسطون على أموالهم: ما موقف الحكومة من استمرار اقتحام المصارف؟


20/09/2022

تصاعدت وتيرة حوادث اقتحام البنوك في لبنان من قبل أفراد؛ بسبب الضائقة المالية والفقر، ممّا دفع اللبنانيين للسعي لتحرير أموالهم من قبضة المصارف، حتى لو كان فيه كسر لهيبة القانون.

المسلسل أو الفيلم الواقعي يجسد دور البطولة فيه شخصيات يجمعهم هدف واحد، وهو استعادة ودائعهم من المصارف، عبر اقتحامها بالأسلحة الحربية الحقيقية أو البلاستيكية.

(6) اقتحامات في أسبوع واحد، استطاع من خلالها بعض المودعين تحرير أموالهم المجهول مصيرها، وآخر مسلسلات الاقتحام كانت على يد المودع محمد علي قرقماز، فقد دخل إلى فرع بيبلوس بنك في الغازية، واستحصل على مبلغ (19) ألفاً و(200) دولار بالقوة، مستخدماً سلاحاً مزيّفاً، أخذ المبلغ ومن بعدها سلّم نفسه للسلطات الأمنية، وقبل أيام اقتحمت شابة فرع بنك بيروت مستخدمة سلاحاً بلاستيكيّاً، وتحت التهديد استطاعت تحرير ما يقارب الـ (30) ألف دولار لعلاج أختها المريضة بالسرطان.

كذلك لم تَسلَمْ مصارف لبنانية في وقت سابق من الاقتحامات، حيث تعرّض كل من مصرف لبنان والمهجر فرع طريق الجديدة، وبلوم بنك فرع كونكورد، وبنك عودة الشهير فرع الشياح، وأخيراً بنك لبنان والخليج، لاقتحامات حصل فيها المواطنون على أموالهم، واستحصلوا ودائعهم بالقوة.

وتلقى تلك الاقتحامات تأييداً وتشجيعاً شعبيَّين، ومن قبل الوسط الفني والإعلامي أيضاً؛ فالجميع يبحث عن انتصار، ولو كان معنوياً، على النظام الفاسد، ويشعر أغلب المودعين اليوم باليأس بعد أن انتشرت أخبار ضياع الودائع المصرفية، وأنّ المصارف سرقَت كل أموال المودعين من دون رجعة.

تصاعدت وتيرة حوادث اقتحام البنوك في لبنان

من جهته، قال رئيس جمعية المودعين اللبنانيين حسن مغنية، في تصريح صحفي  لشبكة "الجزيرة": إنّ اقتحام البنوك سيستمر، ما لم يتمّ التوصل إلى آلية لتهدئة المودعين، وحذّر من أنّ لبنان قد يشهد العشرات من عمليات اقتحام البنوك من قبل مودعين للحصول على ودائعهم في البنوك.

وأضاف أنّ السبب وراء ذلك يعود إلى تعنُّت الأحزاب والمنظومة السياسية الحاكمة من جهة، ومصرف لبنان من جهة ثانية، والمصارف اللبنانية من جهة ثالثة، فالمسؤولون في لبنان لم يقدّموا أيّ ضمانات للمودعين، ولم يعلنوا عن خطط أو آليات لبثّ الطمأنينة بين المودعين، منذ بداية الأزمة عام 2019.

وأوضح مغنية: "عقدنا (4) اجتماعات مع جمعية المصارف للوصول إلى حل أقلّه بالنسبة إلى الحالات الصحية، وإعطاء المريض أمواله، بيد أنّها لم تُؤدِّ إلى أيّ نتيجة، من هنا نتوقع المزيد من هذه المشاهد، في الوقت الذي تتاجر فيه المصارف والأحزاب الـ (6) بمنصة "صيرفة" على حساب جني عمر المودعين".

(6) اقتحامات في أسبوع واحد، استطاع من خلالها بعض المودعين تحرير أموالهم المجهول مصيرها

 

وتؤكد الجمعية أنّ هدفها الرئيسي هو استعادة الودائع كاملة، وليس التقيُّد بتعاميم مجحفة غير قانونية وغير دستورية، ومخالِفة للفقرة (و) والمادة (15) من الدستور اللبناني، التي تنصّ أنّ "الملكية في حمى القانون، فلا يجوز أن ينزع عن أحد ملكه إلا لأسباب المنفعة العامة في الأحوال المنصوص عليها في القانون، وبعد تعويضه منه تعويضاً عادلاً".

بالمقابل، اتجه في وقت سابق النائب العام التمييزي القاضي غسان عويدات إلى إصدار أمر قضائي بملاحقة مرتكبي "عمليات السطو المسلَّح" على البنوك ومحرّضيهم، متجاهلاً أنّهم مودعون يطالبون بجني عمرهم الذي أودعوه في المصارف، وفق ما نقلت وكالة "فرانس برس".

ومن حين إلى آخر يصدر القضاء اللبناني قرارات تقضي بالحجز على أسهم وأصول عائدة لمصرفيين لبنانيين، على خلفية دعاوى ضدّهم من قبل مودعين يطالبون بتسديد كامل أموالهم.

وقد أصدرت في وقت سابق النيابة العامة الاستئنافية في محافظة جبل لبنان قراراً بمنع سفر رؤساء مجالس إدارة (5) مصارف، على خلفية تحقيقات بدعاوى ضدهم حول تهم "فساد" مقدَّمة من قبل مجموعة محامين.

المسؤولون في لبنان لم يقدّموا أيّ ضمانات للمودعين

وفي سياق متصل، قالت شبكة "الحرة" في معرض تحليلها للأحداث في لبنان: إنّ المحامين المكلفين في الدفاع عن المودعين الذين يقتحمون المصارف، يستندون الى المادة (184) من قانون العقوبات اللبناني، المتعلقة بحق الدفاع المشروع، أو استيفاء الحق تحكماً حيث تنص على أنّه "يُعدّ ممارسة حق كل فعل قضت به ضرورة حالية لدفع تعرض غیر محق ولا مثار على النفس، أو الملك أو نفس الغير أو ملكه، ويستوي في الحماية الشخص الطبيعي والشخص المعنوي".

وتنص "المادة (228) - عقوبات" على أنّه "إذا أفرط فاعل الجريمة في ممارسة حق الدفاع المشروع، لا يعاقب إذا أقدم على الفعل في ثورة انفعال شديد انعدمت معها قوة وعيه أو إرادته".

ويرى المحامي حسن بزي أنّ "شروط عدم ملاحقة المقتحمين للمصارف متوفرة قانونياً، في ظل اعتكاف القضاة، فلو تمكّن المودع من مراجعة القضاء ثم أخذ حقه بالقوة لانطبقت عليه المادة (429) من قانون العقوبات، لكن نحن أمام تطبيق المادة (184)، لأنّه ليس لدى المودع مرجعية ليستوفي حقه، فالقضاة مضربون عن العمل، والمصارف لا تستجيب لأحكام العقود القانونية بينها وبين المودعين، أمّا حالة الضرورة، فتتمثل بتحصيل الأموال من أجل القدرة على العيش والطبابة والتعليم".

رئيس جمعية المودعين اللبنانيين حسن مغنية: إنّ اقتحام البنوك سيستمر، ما لم يتمّ التوصل إلى آلية لتهدئة المودعين

 

هذا، وأوضح رئيس اتحاد نقابات موظفي المصارف جورج الحاج في حديث صحفي أنّ "جمعية المصارف ستبدأ اتصالاتها مع الجهات الأمنية للوصول إلى صيغة لحماية المصارف".

وقال الحاج في تصريح صحفي نقلته صحيفة "النهار": "كاتحاد، دعينا يوم الأربعاء المقبل المجلس التنفيذي إلى اجتماع للبحث في المستجدات المتعلقة بالتطورات التي حصلت في القطاع المصرفي، لأنّ يوم الجمعة الماضي كان يوماً تاريخياً في القطاع المصرفي، لأنّه لأول مرة في لبنان تتعرض المصارف لهذه الهجمة".

وأشار إلى أنّه عندما يدخل مسلح أو أيّ مودع يطالب بوديعته بالأسلوب الذي اتبع يوم الجمعة، فهذا يشكل خطراً ليس فقط على زملائه وإنّما على المودعين الموجودين داخل الفرع، وبالتالي من واجبات أصحاب المصارف أن يهتموا بهذا الموضوع، وفي الوقت نفسه من واجبات الدولة اللبنانية رعاية أمن كل المواطنين اللبنانيين في مراكز عملهم أو خارجها".

يُذكر أنّه بعد عمليات الاقتحام التي شهدتها المصارف يوم الجمعة الماضي، أعلنت جمعية مصارف لبنان إغلاق أبوابها لمدة (3) أيام بدءاً من اليوم الإثنين، مشيرة في بيان نقلته وكالة الأنباء الوطنية، إلى أنّها تنبذ العنف بكافة أشكاله، معتذرة "من كافة المودعين عن أيّ إزعاج أو تأخير قد ينتج عن هذا الإقفال، كون سلامة موظفيها وزبائنها تأتي في رأس الأولويات.

 رئيس اتحاد نقابات موظفي المصارف جورج الحاج

وأضافت الجمعية أنّ حل المشكلة لا يكون بالاقتحامات، بل "بإقرار القوانين الكفيلة بمعالجة الأزمة بأسرع ما يمكن، عبر خطط شاملة تأخذ بعين الاعتبار كافة المسببات وتقوم بمعالجتها بشكل متكامل"، مناشدة "الدولة بكامل أجهزتها السياسية والأمنية والقضائية بتحمل أدنى مسؤولياتها إزاء تدهور الوضع الأمني وعدم التخاذل مع المخلين به، وسوقهم إلى المحاكم المختصة لكي يحاكموا محاكمة عادلة.

هذا، وتوالت ردود فعل السياسيين وأعضاء الحكومة اللبنانية على سلسلة الاقتحامات التي شهدتها البلاد، وقد شدد رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي على ضرورة إنقاذ لبنان من الانهيار الاقتصادي الذي يعانيه.

القاضي غسان عويدات يصدر أمراً قضائياً بملاحقة مرتكبي "عمليات السطو المسلَّح" على البنوك ومحرّضيهم

 

وقال ميقاتي خلال مشاركته في جلسة للبرلمان أمس: إنّ هناك مأساة في المدن اللبنانية، وإنّ المواطنين لم يعد باستطاعتهم شراء الدواء والغذاء بسبب ارتفاع الأسعار.

من جهته، دعا وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن المركزي "للبحث في الإجراءات الأمنية التي يُمكن اتخاذها"، وفق وكالة الأنباء الوطنية.

وصرح مولوي إثر الاجتماع بأنّ استرداد الحقوق بهذه الطريقة "يهدم النظام، ويؤدي إلى خسارة باقي المودعين لحقوقهم".

وفي خطاب له دعا حسن نصر الله الأمين العام لحزب الله المسؤولين إلى تأليف خلية أزمة وخلية طوارئ لإيجاد حلول حقيقية، مؤكداً أنّ المعالجة الأمنية لا تكفي، حسبما أوردت شبكة "بي بي سي".

وغرّد رئيس حزب "القوات اللبنانية" سمير جعجع على حسابه الخاص عبر "تويتر" قائلاً: "إنّ عمليات اقتحام المصارف التي حصلت والفوضى التي رافقتها، فهذا هو لبنانهم. لن يخرجنا من لبنانهم إلى لبنان الذي نطمح إليه سوى رئيس إنقاذ".

وقد انقسم رواد مواقع التواصل الاجتماعي في لبنان بين منتقدين لعمليات الاقتحام وآخرين ألقوا باللوم على الحكومة مطالبين بتنفيذ الإصلاحات التي وعدت بها، وشكّك آخرون في توقيت هذه العمليات مؤكدين أنّها ليست الأسلوب الأمثل لعلاج الأزمة.

وزير الداخلية اللبناني بسام مولوي

وتعود الأزمة إلى خريف 2019، حين اضطر المصرف المركزي مع المصارف إلى خفض معدلات الفوائد على الودائع بالدولار من نحو 6.5% إلى 0.97%، وعلى ودائع الليرة من نحو 9.5% إلى 2.91%، وذلك مقابل تراجُع كبير في الحسابات الخارجية للقطاع المصرفي وتفاقم العجز بميزان المدفوعات، في المقابل ارتفع الدولار وبدأ انهيار الليرة، وما رافقهما بعد ذلك من انهيار اقتصادي وغلاء معيشي فاحش.

ميقاتي: هناك مأساة في المدن اللبنانية، وإنّ المواطنين لم يعد باستطاعتهم شراء الدواء والغذاء بسبب ارتفاع الأسعار

 

فما كان من البنوك إلا أن فرضت قيوداً صارمة على المودعين، بعد أن أدّى الانهيار المالي إلى شحّ في الدولار، ممّا دفعَ الأسعار إلى الارتفاع وازدياد الاضطرابات.

من تلك القيود أن منعت البنوك المودعين من السحب من حساباتهم بالدولار، كما منعت التحويلات إلى الخارج، وبموجب منشور للمصرف المركزي صدر عام 2019، كان يُسمح للمودعين بالسحب بالعملة المحلية من حساباتهم بالدولار بسعر الصرف الثابت (3900) ليرة للدولار، مع العلم أنّ سعر صرف السوق السوداء كان يصل إلى حدود (20) ألف ليرة لبنانية حينها، بذلك تكون الأموال المسحوبة من البنك بلا قيمة تقريباً مقارنة بالغلاء وبسعر سوق السوداء.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية