كيف ينتهج الإخوان تزييف الحقيقة والسطو على المنجز الثوري؟

كيف ينتهج الإخوان تزييف الحقيقة والسطو على المنجز الثوري؟


21/06/2020

يعد الإنكار في علم نفس السلوك البشري، أحد أكثر الحيل النفس/ دفاعية شيوعاً، للهروب من الحقيقة، نظراً لما تحمله من متاعب يرفض الشخص قبولها، أو يفشل في مواجهتها، وهو ما يمكن معه تفهم اللجوء إليها، تحت ضغط الواقع، وضعف التكوين النفسي للشخص.

الإنكار نوع من رفض الأدلة الواضحة التي تؤكد حقيقة ماثلة بهدف الهروب من تبعات جريمة سياسية

أمّا في حقل السياسة، فيأتي الإنكار كنوع من رفض الأدلة الواضحة، التي تؤكد حقيقة ماثلة، بهدف التنصل من تبعات جريمة سياسية، ارتكبها أو تورط فيها طرف من الأطراف، فيحاول طمس الحقيقة، وتزييف الأدلة، بهدف الهروب من الإدانة، وتحقيق مصالح بعينها، من خلال إيهام الآخرين بغير الحقيقة.

والإنكار السياسي هنا يقوم على وعي كامل بالجريمة التي ارتكبها الطرف (المُنكِر)، والذي يقترف هذا النوع من الكذب الإرادي، أو الرفض الطوعي لحقيقة يمكن اختبار صحتها بأدلة متعددة، وهذا الإنكار القائم على دوافع سياسية، يصل إلى حد الجريمة في كثير من الأحيان.

إصرار على سرقة المنجز الثوري

منذ أيام، وبمناسبة ذكرى رحيل الرئيس الإخواني المعزول محمد مرسي، خرجت جماعة الإخوان المسلمين بدراسة مطولة تحت عنوان: الجماعة والانتخابات الرئاسية في مصر في العام 2012م، وللوهلة الأولى يظن القارئ أنّ الجماعة بصدد تقديم مراجعة سياسية، تنتهي بالاعتذار عن جملة من الأخطاء الكارثية التي ارتكبتها، والخيانة غير المبررة التي اقترفتها في حق الوطن، خاصة وأنّ الدراسة تبدأ بفقرة خادعة جاء فيها: "لا خلاف على أنّ الإخوان المسلمين لم يكونوا هم من فجر ثورة 25 يناير"، قبل أن يستدرك كاتبها في عجالة قائلاً: "ولكن لا أحد يستطيع أن ينكر الدور الذي قامت به الجماعة؛ لاستمرار الثورة وحمايتها من كافة معوقاتها، ولا مشاركتهم فيها منذ اليوم الأول، مع حرصهم على أن تكون مشاركتهم عبر غير رموزهم أو شعاراتهم، لضمان نجاح الثورة".

تصريح مهدي عاكف بتأييد ترشيح مبارك الجلوس معه ينسف كل أكاذيب الإخوان بشأن معارضة حكمه

عبارات مفتاحية خادعة، يحاول صاحبها أن يقرّ كذبة كبرى، انكشفت منذ لحظة البداية، لتبرير خيانة الجماعة للحراك الثوري في أيامه الأولى، ذلك أنّ الجماعة ببساطة تحركت عقب الموجة الأخيرة من الحراك الثوري، بعد أن تيقنت بوضوح أنّ سقوط النظام أصبح مسألة محسومة، وكانت قبل ذلك تجلس برموزها مع النظام على طاولة المفاوضات، لبحث تقاسم الكعكة والمشاركة في السلطة، وحين قرر التنظيم امتطاء صهوة الجواد الثوري الجامح، كان الإخوان في الميدان برموزهم وشعاراتهم، ومنصتهم الخاصة.

 ويبدو أنّ كاتب الدراسة أدرك سطحيّة طرحه، فلجأ إلى تسويغ آخر، يقول فيه: "وقد يعتقد البعض أنّ ثورة 25 يناير كتبت سطورها منذ هذا التاريخ فقط، وأنّ محركيها هم مجموعة الشباب الذين تحركوا لمظاهرات هذا اليوم، ولكنّ جذور مسببات هذه الثورة ترجع لعقود، ونتيجة لتحركات ومظاهرات وفعاليات جهود مقاومة سابقة، لم تتوقف طيلة عهد مبارك، وكان الإخوان في مقدمة هذا الحراك الشعبي".

اقرأ أيضاً: من هو حسن البنا "الساعاتي" مؤسس جماعة الإخوان المسلمين؟

محاولة أخرى للسطو على المنجز الثوري، بالإحالة على مرحلة ما قبل الثورة، والإيهام بوجود حراك إخواني تأطيري، سابق على الحدث، أنجز جذوراً تكوينية، غذّت ثورة يناير ومنحتها الحياة.

ومضت الدراسة تدلّل على تفاصيل ذلك الحراك الوهمي، وفق سردية يتنفس صاحبها كذباً، فالثابت أنّ الجماعة طيلة ثلاثة عقود، لم تحشد أنصارها سوى لصناديق الانتخابات، لفتح ثغرة في النظام السياسي، ومشاركته في السلطة، ومرة إلى معرض الكتاب، في المناظرة الشهيرة لفرج فودة، والتي نتج عنها مباركة القتل المقدس، وأخرى للتظاهر إبان نشر رواية "وليمة لأعشاب البحر"، حين أعلن الدكتور محمد عباس صيحته الشهيرة: "من يبايعني على الموت في سبيل هذا"!!

الإخوان والصفقات السياسية

ومع ظهور الحركات الاحتجاحية، مضت الجماعة وحدها، في انتهاج سياسة التوازنات، تتفاوض مع النظام، وتمضي في عقد الصفقات، وهو ما تجلى بوضوح في انتخابات 2005، حيث فازت الجماعة بنحو 20% من مقاعد البرلمان، بالتنسيق مع الجهات الأمنية، وباعتراف نائب المرشد السابق، الدكتور محمد حبيب.

سعت الجماعة للسطو على المنجز الثوري بالإحالة على المرحلة السابقة والإيهام بوجود حراك إخواني تأطيري

وإذا كان تنحي مبارك أحد أهم مطالب تحرك "يناير" الثوري، فإنّ تصريح المرشد العام السابق الراحل مهدي عاكف آنذاك، والذي قال فيه: "نؤيد ترشيح الرئيس مبارك وأتمنى الجلوس معه"، ينسف من الأساس كل أكاذيب الإخوان في هذا الصدد، كما إنّ تنامي البنية الاقتصادية للجماعة، تؤكد أنّ النظام قام بتمرير تعاملاتها، والتي انكشف الجانب السياسي منها في قضية سلسبيل، ووثيقة فتح مصر، قبل أن يتم تسوية كل هذه الأمور وفق صفقة سياسية.

تأتي الدراسة بشهادات تدلّل بها على مشاركة الجماعة في الثورة، والدور الحيوي الذي قام به شباب الجماعة، وللطرافة فهي تأتي بشهادات مجروحة لأناس ينتمون إلى التيار الإسلامي كمحمد سليم العوا، أو لشركاء الجماعة نفسها، كصفوت حجازي، أو سعد الدين إبراهيم، عراب صفقاتها مع النظام، أو حركة 6 أبريل التي سُمح للإخوان بالانخراط فيها بعد 25 يناير، وتحوّلت لظهير ثوري للجماعة، ما تسبب في حدوث الانقسام التاريخي بها.

الإخوان وتبرير المغالبة

يتواصل سيل الأكاذيب، حين تضع الجماعة تبريراً مكشوفاً لمحاولات الهيمنة على الانتخابات التشريعية، وانتهاجها سياسة المغالبة، حيث تقول الدراسة إنّها، أي الجماعة، "رفعت نسبة مرشحيها مضطرة، لاستكمال قوائمها"! ويطرح السؤال نفسه: ولماذا الإصرار على المنافسة في كل الدوائر الانتخابية من الإسكندرية إلى أسوان؟ ولماذا الإصرار على وضع المنتمين إلى الجماعة على رأس كل القوائم ضمن التحالف الديموقراطي؟ والذي حصل على 235 مقعداً، جميعها ذهبت إلى الحرية والعدالة، الذراع السياسي للإخوان المسلمين، ما عدا 22 مقعداً!

إبان ثورة 25 يناير استمرت الجماعة بانتهاج سياسة التوازنات تتفاوض مع النظام وتمضي في عقد الصفقات

 وفي هذا السياق يعكس تقرير لجنة تقصى الحقائق في حزب الكرامة، والذي جاء تعقيباً على تجربة التحالف مع الإخوان، طبيعة تعامل الإخوان مع حلفائهم، فيقول التقرير إنّ الحزب، أي الكرامة، "أخطأ في الانبهار بإمكانيات حزب الحرية والعدالة، وكان هناك إحساس بالتلاشي والدونية في التعامل معه"، وتجلى ذلك في الانسياق وراء إجراءات حزب الإخوان، فيما يتعلق بعمليات ترتيب المرشحين، كما اعترف الكرامة بـ"إجباره على تبني مواقف شديدة الميوعة"، فيما يتعلق باستخدام الدين في الدعاية الانتخابية، وبتعالي حزب الإخوان في التعامل مع سائر أحزاب التحالف، ما دفع بعضها للانسحاب، مثل: الوفد والعربي الناصري.

 وبالنسبة للانتخابات الرئاسية، تبرّر الجماعة تراجعها عن قرارها السابق بعدم خوض الانتخابات، ذلك أنّها لم تجد المرشح الذي يستجيب لشروطها، ولا يتصادم مع الفكرة الإسلامية، ويقبل التعاون معها، فقرّرت أن تخوض الانتخابات، وتعترف الجماعة أنّ أيّاً من المرشحين الذين توافرت فيهم شروطها، لم يكن قريباً من النجاح، وهو ما يعني أنّها عندما لم تجد رئيساً تستطيع أن تحكم من خلاله، قررت الترشح بنفسها لضمان المغالبة.

اقرأ أيضاً: عندما ثارت القرية ضدّ استعلاء جماعة الإخوان المسلمين على ثقافتها

كما تجاهل الإخوان شعار "الدستور أولاً"، واعتدوا على المتظاهرين ضد سياساتهم حول البرلمان بصواعق الكهرباء لفتح الطريق أمام نوابهم، وتكرّرت الخيانات بشكل متواصل، حتى أصبح هتاف:"اشهد يا محمد محمود.. كانوا ديابة وكنا أسود" شعاراً تاريخياً، يشهد دوماً على سياسات جماعة مراوغة، تعتنق الكذب منهجاً، والخيانة طريقاً.ويتجاهل البيان، هرولة الجماعة إلى صناديق الاقتراع للفوز بالغنيمة، وكيف أنّها أدارت ظهرها للجموع الثائرة في "محمد محمود"، وتشير كذباً إلى أنّها عرضت وقتها على الدكتور محمد البرادعي منصب رئيس الوزراء، وكان ذلك مطلباً للميدان، رغم أنّ ما حدث في الواقع عكس ذلك تماماً، وهو ما نفاه البرادعي نفسه في أكثر من مناسبة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية