كيف يمكن أن نقرأ نتائج جولة "أستانة" الأخيرة؟

كيف يمكن أن نقرأ نتائج جولة "أستانة" الأخيرة؟


28/04/2019

لعل الملاحظ أنّ جولة مفاوضات "أستانة" التي انعقدت بين الأطراف الضامنة في سوريا (روسيا، تركيا، إيران) يومي 24 و25 نيسان (أبريل) الجاري، لم تحظ بتغطية إعلامية كافية، خاصة في ظل انشغال الإعلام العربي والدولي بقضايا الجزائر وليبيا والسودان، إضافة لقناعة كثير من الأوساط المعنية أنّ جولات "أستانة" أصبحت مجرد ملهاة بين أطراف تجمع بينها صورة مخادعة لكل من بوتين وأردوغان وحسن روحاني. كما يعرف المطلعون والمتابعون للملف السوري، أنّ التحالف بين الأطراف الثلاثة لا يتعدى حدود تلك الصورة المظللة.

اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون في سوريا: خفايا التحالف مع عبد الحليم خدام

لم يكن متوقعاً أن تخرج جولة المفاوضات الجديدة في "أستانة" بأية توافقات جديدة بين الأطراف الثلاثة، تتجاوز حدود مواصلة إدارة الأزمة وخاصة في إدلب، وفق مضامين الاتفاقات "الهشة" المبرمة سابقاً.

لم يكن متوقعاً أن تخرج جولة المفاوضات الجديدة في أستانة بأية توافقات جديدة بين روسيا وتركيا وإيران

خاصة وأنّ التطورات التي شهدتها الفترة ما بعد انعقاد الجولة الماضية، والتي كانت في كانون الأول (ديسمبر) 2018، عززت القناعات بأنّ الفجوة بين هذه الأطراف تزداد اتساعاً، بما يعكس لحظات مواجهة الحقيقة وخاصة فيما يتعلق بالعلاقات الروسية مع إيران وإسرائيل ومواقفها من قضية التواجد الإيراني في سوريا، والصدامات التي تجري بين الطرفين من حين لآخر، وانكشاف التنازع والاختراق الروسي والإيراني للقيادة السورية في مستويات أمنية وعسكرية وسياسية.

ومن المرجح أن تظهر نتائج اللقاء الأخير تباعاً ربما بعد إغلاق ملف إدلب المتشابك، بالإضافة لمخرجات العلاقات الروسية الإسرائيلية، التي تؤكد التطورات أنّها تمضي وفق اتفاقات مع أمريكا وإسرائيل، تحت عنوان "التعامل بإيجابية مع المطالب والهواجس الأمنية الإسرائيلية"، فيما تدرك روسيا وإيران الجوانب المستجدة التي تؤكد "ضعف" الرئيس التركي رجب طيب أردوغان "لأسباب داخلية وخارجية" وممارسة أقسى الضغوط عليه لحسم مواقفه تجاه علاقة تركيا مع فصائل إرهابية في إدلب وشمال سوريا، وتذييل المواقف بعبارة "أخذ مخاوف تركيا من الأكراد بعين الاعتبار".

اقرأ أيضاً: لماذا نفى نصر الله التنافس والاشتباكات بين روسيا وإيران في سوريا؟

لقد عكس البيان الختامي لجولة أستانة الثانية عشرة، حجم الفجوة بين الأطراف المذكورة، فلم يتم التوافق على تشكيل اللجنة الدستورية المكلفة بإعداد مسودة للدستور السوري الجديد، واتخاذ قرار بترحيل قضية تشكيل هذه اللجنة إلى "جنيف" التي يفترض أن تعقد فيها الجولة القادمة، بما يوحي برضوخ الأطراف الثلاثة للمطالب الأمريكية والأوروبية التي ترى أنّ الحل السياسي في سوريا يجب أن يكون في جنيف وليس في أستانة، في إشارة لرفض انفراد الأطراف الثلاثة بأي حل في سوريا، وأن الحل يجب أن يكون دولياً في إطار الأمم المتحدة، وسط اتهامات متبادلة بين روسيا والمعارضة السورية بتحميل كل طرف الآخر مسؤولية إفشال تشكيل اللجنة الدستورية.

التأكيد على سيادة ووحدة الأراضي السورية ربما تشكل القضية الوحيدة المتفق عليها بين الأطراف الثلاثة ضمن حسابات كل طرف

إنّ التاكيد على سيادة واستقلال ووحدة الأراضي السورية، ربما تشكل القضية الوحيدة المتفق عليها بين الأطراف الثلاثة، ضمن حسابات كل طرف، وخاصة تركيا وإيران المعنيتين بألا يكون ضمن مخرجات الأزمة السورية اعتراف أو دعم لأي كيان كردي مستقل، لما لذلك من انعكاسات على الأمن القومي التركي والإيراني، بالإضافة لمخاوف البلدين من مطالبات مماثلة من قبل أكراد تركيا وإيران بالاستقلال، فيما جاء القرار بدعوة لبنان والعراق بوصفهما مراقبين في جولة "أستانة" القادمة استجابة لمطلب إيراني، رغم أنّ حضور العراق ولبنان أو عدمه لن يشكل إضافة أو خسارة لهذه المفاوضات.

ومن جانب آخر، لم يصمد الاتفاق التركي الروسي على تسيير دوريات مشتركة في إدلب وفقاً لاتفاق سابق بين الجانبين؛ إذ بادر الطيران الروسي بعد "أستانة" بشن غارات على مناطق في إدلب، في إشارة منه لتركيا أنه رغم كل الاتفاقيات فإنّ الضربات النوعية للطيران الروسي ضد أهداف في إدلب ستتواصل بالطريقة والوقت الذي يقرره الروس.

اقرأ أيضاً: إخوان سوريا: من تأييد "ربيع دمشق" إلى تجميد الخلافات مع النظام

وبالخلاصة فإنّ جولة مفاوضات أستانة الجديدة لم تشكل محطة ذات معنى بالنسبة للقضية السورية، وأكدت على أنّها، وإن حققت نتائج على صعيد خفض التوتر في مناطق مختلفة وتحديداً في جولاتها الأولى، إلا أنّها بانتقالها إلى مستوى جديد وهو معالجة الملف السياسي، ووضع حلول للقضية السورية أظهرت التباين بين كافة الأطراف، بما في ذلك القناعة بأنّ "روسيا وتركيا وإيران" ليس بإمكانها تقديم حلول للملف السوري، في ضوء المواقف الأمريكية والأوروبية بأنّ أية حلول يجب أن تكون في إطار الأمم المتحدة، وهو ما تقرر بنقل جولة أستانة القادمة إلى جنيف، بما يعطي إشارات بأنّ إيران وتركيا على استعداد لتقديم تنازلات تستجيب لمطالب وشروط أمريكية وأوروبية، ربما تشهد مفاجات، خاصة من قبل تركيا، التي تشهد علاقاتها توتراً مع أمريكا.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية