كيف يتعايش العالم مع أزمة الغذاء؟ ومتى يتجاوزها؟

كيف يتعايش العالم مع أزمة الغذاء؟ ومتى يتجاوزها؟

كيف يتعايش العالم مع أزمة الغذاء؟ ومتى يتجاوزها؟


29/03/2023

يبدو أنّ العالم سيكون مضطراً للتعايش مع تداعيات أزمة الغذاء العالمية، في ضوء استمرار أزمات الاقتصاد العالمي، والارتفاع التاريخي بمعدلات التضخم بغالبية الدول على مختلف نشاطها الاقتصادي وتفاوت ميزانها التجاري، كنتيجة مباشرة للأزمة الأوكرانية الممتدة منذ شباط (فبراير) العام الماضي، وما تزال عصية على الحل أمام التصعيد العسكري بين المعسكرين الغربي والروسي.

وإضافة إلى التداعيات التي خلّفتها الحرب وجائحة كورونا على منظومة الغذاء في العالم، هناك عوامل أخرى ألقت أيضاً بظلال ثقيلة على جهود العالم نحو تأمين الاحتياجات الغذائية، فضلاً عن ارتفاع أسعار المشتقات البترولية والأسمدة، الذي أثر بدوره على ارتفاع أسعار المنتجات الغذائية وندرتها في بعض الدول.

وتناولت دراسة حديثة صادرة عن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، تحت عنوان: "محركات رئيسية: أزمة الغذاء بعد نهاية العام الأول من الحرب في أوكرانيا"، للباحثة غادة خديوي، تناولت أسباب وتداعيات أزمة الغذاء العالمية وآليات التكيف معها، والطريق إلى تجاوزها أو التخفيف من آثارها السلبية.

الأسوأ منذ 2008

تطرق أبواب العالم من جديد أزمة غذاء جديدة أشد وطأة من أزمة 2008، ويقدّر برنامج الأغذية العالمي (WFP) أنّ عدد الجوعى في العالم ارتفع من (132) مليون شخص قبل جائحة كورونا إلى (276) مليوناً في أوائل عام 2022، و(323) مليوناً حتى منتصف 2022.

تطرق أبواب العالم من جديد أزمة غذاء جديدة أشد وطأة من أزمة 2008

وبحسب الدراسة، ربما تكون أزمات الغذاء التي تجتاح العالم في الوقت الراهن أكبر تأثيراً على الفئات الأشد فقراً والأكثر احتياجاً، وخاصة في الدول الفقيرة التي تعتمد في غذائها على الاستيراد، وما لا يقلّ عن نصف إجمالي نفقات الأسر في البلدان منخفضة الدخل هي نفقات على الغذاء، وبالتالي فإنّهم لا يتمكنون من توفير غذائهم مع ارتفاع الأسعار.

أسباب تفاقم أزمة الغذاء

قبل اندلاع الحرب في أوكرانيا كان هناك (193) مليون شخص يعانون بالفعل من انعدام الأمن الغذائي في (53) بلداً، وتمثلت الأسباب التي أدت إلى هذا، وفق الدراسة، في الظواهر الجوية والتغير المناخي المسؤول عن نقص الغذاء لعدد (23.5) مليون شخص، بينما كان للصدمات الاقتصادية، وخاصة بعد جائحة كورونا، تأثير على (30.2) مليون شخص آخر، أمّا الصراعات وانعدام الأمن، فكان تأثيرها أكبر، فقد أثرت على (139.1) مليون شخص.

التأثير المضاعف للأزمة الأوكرانية يرتبط بكون روسيا وأوكرانيا تلعبان دوراً حاسماً في الاقتصاد العالمي، لأنّهما مصدران رئيسيان للنفط الخام والغاز الطبيعي وخامات المعادن المختلفة، وبالإضافة إلى ذلك فكلاهما من كبار الموردين الرئيسيين للقمح وزيت دوار الشمس في العالم.

يقدر برنامج الأغذية العالمي أنّ عدد الجوعى في العالم ارتفع من (132) مليون شخص قبل جائحة كورونا إلى (276) مليوناً في أوائل عام 2022، و(323) مليوناً حتى منتصف 2022

كما تُعتبر روسيا، بحسب الباحثة، مورداً رئيسياً للأسمدة والمغذيات (النيتروجين والفوسفات والبوتاسيوم)، وتُعتبر أوكرانيا أيضاً من بين أكبر (6) مصدرين للذرة والدجاج والعسل، وحوالي 10% من ناتجها المحلي يأتي من شحن ملايين الأطنان سنوياً عبر البحر الأسود، وهي من البلدان القليلة في العالم التي تصدر كميات كبيرة من الغذاء المنتج محلياً إلى العديد من البلدان.

وقد امتد تأثير الحرب على إنتاج الغذاء عالمياً، وليس على أوكرانيا فقط، من خلال تأثيرها على الأسمدة، التي ارتفعت تكلفتها بالفعل نتيجة لارتفاع أسعار الطاقة وخاصة أسعار الغاز الطبيعي، أحد العناصر الرئيسية في صناعة الأسمدة؛ ممّا أثر بشكل كبير على أسعار الغذاء كما هو واضح في مؤشر أسعار الغذاء، ووصل إلى ذروته في آذار (مارس) 2022، والذي يمثل ارتفاعاً قدره (24.1) نقطة عن كانون الثاني (يناير) 2022 قبل بدء الحرب.

وبالنسبة إلى الحبوب، بلغ متوسط مؤشر منظمة الأغذية والزراعة لأسعار الحبوب ذروته عند (173.5) نقطة في أيار (مايو) 2022 بزيادة قدرها (32.9) نقطة عن كانون الثاني (يناير) 2022، وبلغ المتوسط (147.4) نقطة في كانون الثالني (يناير) 2023، بزيادة جزئية 0.1 %، مقارنةً بشهر كانون الأول (ديسمبر) 2022، وزيادة قدرها (6.7) نقاط 4.8%، مقارنةً بالمستوى الذي كان عليه قبل عام من الآن.

آليات التكيف وتخطي الأزمة

أدى ارتفاع أسعار الغذاء إلى زيادة كبيرة في تضخم أسعار المواد الغذائية في معظم البلدان، وزيادة فواتير الواردات الغذائية، والضغط على الموازين التجارية واحتياطيات النقد الأجنبي في البلدان ذات الدخل المنخفض. ويقدّر تقرير بحثي لصندوق النقد الدولي أنّ الـ (48) دولة الأكثر عرضة لنقص الغذاء تواجه زيادة مجمعة في فواتير وارداتها بقيمة (9) مليارات دولار في عامي 2022 و2023؛ بسبب القفزة المفاجئة في أسعار المواد الغذائية والأسمدة نتيجة لأزمة الحرب.

التأثير المضاعف للأزمة الأوكرانية يرتبط بكون روسيا وأوكرانيا تلعبان دوراً حاسماً في الاقتصاد العالمي

وقال الصندوق: إنّ هذا سيؤدي إلى تآكل الاحتياطيات للكثير من الدول الهشة المتضررة من الصراع.

وترصد الدراسة مجموعة آليات للتكيف وتخطي التبعات الناجمة عن الأزمات العالمية والمنعكسة على نقص الغذاء، على المستوى العالمي والعربي والأفريقي.

توقعات على الصعيد العالمي

يشير أول توقعات الإنتاج في عام 2023 بموجز منظمة الأغذية والزراعة الصادر في شباط (فبراير) 2023 إلى توجه العالم نحو زيادة الإنتاج الزراعي، حيث تم زرع القسم الأكبر من محصول القمح الشتوي في بلدان النصف الشمالي من الكرة الأرضية، وإلى توسّع المساحات في عدد من البلدان المنتجة الرئيسية، وفي الولايات المتحدة الأمريكية تشير التقديرات إلى أنّ المساحات المزروعة بالقمح الشتوي لعام 2023 هي الأكبر منذ (8) أعوام.    

وفي الاتحاد الأوروبي، لا تتوافر بعد التقديرات الرسمية، ولكن من المرتقب أن تبقى الكميات المزروعة أعلى من المتوسط المسجل في الأعوام الـ (3) السابقة، وقريبة من مستوى عام 2022، ومن المتوقع أن تتجاوز المساحات المزروعة بالقمح في الهند المستوى القياسي المسجل خلال العام الماضي.

أزمات الغذاء التي تجتاح العالم في الوقت الراهن أكبر تأثيراً على الفئات الأشد فقراً والأكثر احتياجاً، وخاصة في الدول الفقيرة التي تعتمد في غذائها على الاستيراد

وفي باكستان، تشير التوقعات إلى أنّ المساحات المزروعة بالقمح في عام 2023 ستبقى أكبر من المتوسط المسجل خلال (5) أعوام، في ظل تسبب المياه الراكدة نتيجة الفيضانات الواسعة النطاق في عام 2022 بمعوقات أقل ممّا كان مرتقباً في الأساس.

 أمّا في بلدان النصف الجنوبي من الكرة الأرضية، فقد تمّ زرع معظم محاصيل الحبوب الخشنة المستخدمة في علف الحيوانات والصناعات التخميرية لعام 2023 بحلول نهاية عام 2022، وقد يزيد المزارعون في البرازيل المساحات الإجمالية المخصصة لزراعة الذرة إلى مستوى قياسي.

ماذا عن أفريقياً؟

اتخذت بعض البلدان الأفريقية إجراءات لمعالجة الأمن الغذائي وزيادة القدرة على الصمود؛ منها: دعم الزراعة المحلية، وتوسيع مساحة زراعة محاصيل القمح لزيادة الاكتفاء الذاتي، وأجبرت المزارعين على بيع حصة معينة من محاصيلهم للحكومة، ووفرت لهم امتيازات في الوقت نفسه،  في مقدمتها مصر.

تسعى الدول الأفريقية لتوفير التخزين الممتاز للقمح وتوفير الأعلاف بأسعار مخفضة لتعويض ارتفاع تكاليف الأعلاف الحيوانية

وتسعى الدول الأفريقية لتوفير التخزين الممتاز للقمح وتوفير الأعلاف بأسعار مخفضة لتعويض ارتفاع تكاليف الأعلاف الحيوانية، بالإضافة إلى تعليق استيفاء رسوم الاستيراد للبذور الزيتية، مثل المغرب.

بالإضافة إلى ذلك، زادت عدّة بلدان في المنطقة الإعانات المقدمة للفئات الضعيفة من السكان، وعززت مخزوناتها الغذائية.

يشير أول توقعات الإنتاج في عام 2023 بموجز منظمة الأغذية والزراعة الصادر في شباط (فبراير) 2023 إلى توجه العالم نحو زيادة الإنتاج الزراعي

وقيدت بعض الإجراءات متطلبات ترخيص التصدير (تونس)، وقامت الجزائر بدعم مياه الري وفرض حظر على استيراد البذور. 

وتسعى عدة بلدان في المنطقة لزيادة تنويع الواردات (مصر والمغرب) لتشمل دولاً مثل البرازيل أو الأرجنتين أو الهند، وتوسيع نطاق مساعدة الفاو للمزارعين والرعاة في المناطق الريفية لتصل المساعدة إلى مليوني شخص من خلال التدخلات المتعددة، مثل إنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية وأنظمة الري وإعادة تأهيل البنية التحتية والتحويلات النقدية (مصر).

 

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية