كيف يتعامل الإعلام العربي مع قضايا المثليين؟

كيف يتعامل الإعلام العربي مع قضايا المثليين؟


11/07/2020

لم تكد الناشطة المصرية في حقوق المثليين، سارة حجازي، تلفظ أنفاسها منتحرة، تاركة رسالة تشير فيها إلى الصعوبات التي واجهتها، حتى انقسمت وسائل التواصل الاجتماعي لفسطاطَين: أحدهما يؤطّرها "بطلة" و"مقاوِمة"، فيما قسم آخر يتوعّدها ومن يؤازرها بعذاب شبيه بما حلّ بـ "قوم لوط".

د. عبير النجار: فئة المثليين موجودة في المجتمعات كلها، ما يحتّم على الإعلام البحث عن السبل المهنية المثلى في مناقشة قضاياهم والصعوبات والمشكلات التي يتعرضون لها نتيجة لاختياراتهم

الإعلام، بدوره، متمثلاً في الوسائل المقروءة والمرئية على وجه التحديد، كان كمن يمشي في حقل مزروع بالألغام؛ إذ اكتفى بالنقل، في مرات كثيرة، باقتضاب وباستعراض لما تحفل به وسائل التواصل الاجتماعي، حتى إن كان ما تحفل به محض خطاب كراهية، دون مراعاة محاذير نقله.

"حفريات" استطلعت آراء مختصين في أخلاقيات الإعلام وتشريعاته؛ للوقوف على الخطوات الأمثل للتعامل مع حالات من هذا القبيل؛ إذ يبدو أنّ المثلبة الأساسية تتمثل في رفض الآخر المختلف عن الغالبية، لسبب ما، إضافة إلى لعب بعض الإعلاميين دور المدافعين أو المهاجمين، فيتحوّلون بالتالي لجزء من القضية المطروحة، عوضاً عن كونهم محض ناقلين ومحاورين مهنيين فحسب.

التفريق بين القضية والممارسة الإعلامية

تؤكّد أستاذة الإعلام في الجامعة الأمريكية في الشارقة، الدكتور عبير النجار؛ أنّه "لا بدّ من التفريق بين مناقشة القضية المطروحة، كقضية، ومناقشة التعاطي الإعلامي معها"، لتسوق المثال بالقول: "التعاطف مع ما مرّت به سارة حجازي هو من الفطرة الإنسانية، لكنّه لا يعني بالضرورة قبول خيارها، لكن كذلك يجب أن نبتعد عن إصدار الأحكام على الخيارات الشخصية للأفراد".

وتوضح: "لا بدّ من أن نضع نصب أعيننا أنّ التعاطف مع سارة واحترام خيارها ليس بالضرورة قبولاً لهذه الخيارات أو تشجيعاً لها، إنّما احترام للمساحة الشخصية للأفراد وهو ما يتحتم علينا تعلّمه".

تقول النجار أيضاً: "طالما أنّ هنالك فئة ما مهمشة، فإنّ مهمة الإعلام تسليط الضوء عليها، لكن بما لا يجافي الموضوعية والمهنية، وبما يضمن طرح الآراء كلها، كما هو الحال في قضية المثلية، على سبيل المثال".

سارة حجازي

وتنوّه النجار بأنّ فئة المثليين موجودة في المجتمعات كلها "ما يحتّم على الإعلام البحث عن السبل المهنية المثلى في مناقشة قضاياهم والصعوبات والمشكلات التي يتعرضون لها نتيجة لاختياراتهم"، مستدركة: "في الإعلام العربي هناك الكثير من المصادر التي تمارس نوعاً من الـadvocacy"  "، أو المحاماة، التي يجب أن تقوم بها مؤسسات حقوق الإنسان، ومشكلة بعض المؤسسات الصحفية هي الخلط بين إلقاء الضوء على مشكلات فئة مهمّشة وإعطائها مساحة للحديث، وبين الدفاع عنها".

في هذا السياق، تذكّر النجار بأنّ مهمّة الصحافة هي "الالتزام بتقديم طروحات متوازنة وغير منحازة وعدم تجاوز الخط بين الصحفي والمؤيد أو المدافع؛ لأنّ هذا التجاوز عبارة عن سقطة مهنية خطيرة"، مستدركة: "في الوقت ذاته، فإنّ صحافة الجَلْد والدفاع عن قيم الأمة وأخلاق النشء ترتكب التجاوز المهني نفسه الذي ترتكبه صحافة الدفاع والتأييد".

"عقلية القطيع"

من جهته، يرى الخبير الإعلامي، يحيى شقير، أنّ وسائل التواصل الاجتماعي باتت تُحوّل الجمهور نحو "عقلية القطيع"؛ إذ لا يوجد تحقّق من شيء، كما يقول، إيجاباً أو سلباً؛ "إذ يكفي أن تنبري وسيلة ما لتمجيد فلان فترى الكلّ يمجّده دونما تدقيق، لتنبري أخرى لمهاجمة فلان فيفعل القطيع الأمر ذاته، دونما تحقّق، وهكذا".

يستحضر شقير "المرياع" (وهو كبير الأكباش والذي يقودها، ويكون ملوّناً)، مشبهاً وسائل التواصل الاجتماعي بالمرياع، الذي يوجّه القطيع نحو وجهة معينة، دونما التفات للمعايير الأخلاقية والمهنية.

على الصحافة، بحسب شقير، "تعليق الجرس، لكنّ الدور المنوط بها، أو المطلوب منها، ليس التشهير وفضح هؤلاء، الصحافة ليست تناقلاً للأقاويل فقط، لا بدّ من حضور الفعل والفاعل والمفعول به في أيّة قضية يكون فيها اتهام ما، لا بدّ من أن يحظى الكلّ بفرصة الحديث والردّ والدفاع، وفي الموقع ذاته لا أن يأتي هذا بشكل لاحق".

رسالة انتحار سارة حجازي

يضيف شقير: "الإعلام القديم كان  "push media" أي ما يرمز لمحدودية البثّ والخيارات المعدودة، فيما بات الآن "pull media" أي ينطوي على خيارات كثيرة"، مكملاً "في الـ " push media "؛ لا بدّ من التحفّظ، لأنّ المحتوى موجّه للكلّ؛ الأعمار والشرائح الاجتماعية والتنوّعات جميعها، فيما أنت في  الـ "pull media" تختار بإرادة حرة المحتوى الذي ترغب في الاطلاع عليه".

من هنا، يقول شقير، لا بدّ من الأخذ بعين الاعتبار "نوع الوسيلة الإعلامية، ومدى شعبيتها، والجمهور الذي تتوجّه إليه، عند طرحها قضية جدلية من هذا القبيل، مكملاً أنّ الهدف الرائج، وفقاً لما يلحظه هو "جمع لايكات" وليس حلّ المشكلات، بالتالي فالتعامل غير مهني وغير أخلاقي، وأفسح لثقافة القطيع وعقلياتها ميداناً واسعاً للمخالفات والتنميط".

الحذر من خطاب الكراهية

يشير أستاذ التشريعات والأخلاقيات الإعلامية في معهد الإعلام الأردني، الدكتور صخر الخصاونة، إلى أنّ "تناوُل هذا الموضوع إعلامياً يتأثر أيما تأثّر بالمعتقدات الدينية والاجتماعية المتداولة، ما يخلق بدوره نوعاً من الإشكالات عند المناقشة الإعلامية، فيما تخففت الدول التي قطعت أشواطاً في الحريات من هذا العبء، ووضعته تحت بند حقوق الإنسان"، كما يقول.

بيان التل: من المهم تكريس روح التنوّع وقبول الآخر، مهما اختلفنا معه، وضرورة عدم إصدار الأحكام دون الاطلاع على الصورة كاملة، وهذا لا ينسحب على المثليين فقط

يكمل الخصاونة: "مهنياً وقانونياً؛ التحريض على هذه الفئة في الإعلام خطأ ومخالفة، ولا بدّ من مراعاة الاعتبارات المرضية والنفسية عند مناقشة كثير من هذه الحالات"، مستدركاً: "في الوقت نفسه، علينا ألا نشجع على هذه الممارسة ونجعل منها ممارسة واسعة الانتشار من خلال تلميع الأمر وتأطيره، كما لو كان بطولة".

يؤكد الخصاونة أنّ الشخص في مثل هذه الحالات "هو إنسان"، بالتالي التحريض على قتله أو إيذائه مرفوض، لا بدّ من الدعوة لعلاجه، ولا بدّ من مراعاة حقوقه الدستورية، من خلال حماية كرامته وسمعته وحقوقه الإنسانية، والدعوات يجب ألا تأخذ مجرى المساواة، من وجهة نظري، بقدر الدعوات إلى إيجاد حلّ ما"، مردفاً "الإعلام في الحالات كلّها مطالب بالتعامل مع أيّ موضوع على أساس الموضوعية والمهنية، بعيداً عن التحريض أو الانحياز، وفي هذا الملف يجب أن تؤخذ مصلحة عائلته الاجتماعية في الاعتبار أيضاً، ومصلحته وسمعته كإنسان كذلك".

الطرح المتكامل

وتتفق كلّ من رئيسة مركز "تمكين" لتعزيز مفهوم الحماية الاجتماعية للفئات المستضعفة وضحايا انتهاكات حقوق الإنسان في الأردن، ليندا كلش، والمستشارة الإعلامية في معهد الإعلام الأردني، بيان التل، على ضرورة أن يكون الإعلام حقوقياً بالدرجة الأولى، وأن يتحلى بالموضوعية، بغضّ النظر عن وجهة نظر ناقل الرسالة الإعلامية أو معتقده.

تقول كلش: "الأساس هو عدم الاصطفاف مع أو ضدّ؛ لا تمجيد ولا هجوم، لا بدّ من طرح متكامل للجوانب كافة، ولا بدّ من الحذر الشديد من جعل الإعلام منصة لتداول خطاب الكراهية حيال المثليين وغيرهم من فئات تعاني إشكالات اجتماعية".

بدورها، تقترح التل "وسيلة مثلى للتعاطي مع هذا الملف، تتمثل في طرح القضية من جوانبها الاجتماعية والقانونية والدينية والإنسانية والعلمية؛ حتى تكون الصورة مكتملة لدى المتلقي"، مردفة: "والأهم هو تكريس روح التنوّع وقبول الآخر، مهما اختلفنا معه، وضرورة عدم إصدار الأحكام دون الاطلاع على الصورة كاملة، وهذا لا ينسحب على المثليين فحسب، بل وعلى جميع من يحملون اختلافاً مع الغالبية لأيّ سبب كان".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية