كيف وظّف الإسلامويون الدين؟

كيف وظّف الإسلامويون الدين؟

كيف وظّف الإسلامويون الدين؟


17/12/2023

جعل الله، تبارك وتعالى، الدين لنا نبراساً، يرسم لنا العلاقة بين الإنسان وربه وبين الإنسان وأخيه الإنسان، وبين الإنسان ونفسه، علاقة الإنسان بربّه تفهم من خلال الآية الكريمة: "وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلَاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَۚ وَذَٰلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ" [البينة: (5)]، والآية الكريمة: "وَلَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلَهُ الدِّينُ وَاصِبًاۚ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَتَّقُونَ" [النحل: (52)]، وبين الإنسان وأخيه الإنسان، من خلال الآية: "قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِۖ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَۚ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ" [الأعراف: (29)]، وبين الإنسان ونفسه في الآية الكريمة: "فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفًا فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ" [الروم: (30)].

أفكار المودودي والبنا وسيد قطب كانت بمثابة الكتاب المقدس لكل جماعات التكفير والعنف

الدين وغاياته يفهمان من القرآن الكريم، وأية محاولة لفهم الدين بعيداً عن كتاب الله تعالى، تشوه مفهومه وتبدل غايته؛ فمراد الله من رسالاته عبادة الناس لله، وأن يكونوا مخلصين له، ومن مظاهر هذه العبادة؛ إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة؛ لأنّ هذا هو الدين القيم عند الله، كما في سورة "البينة".
هذا المفهوم ظلّ راسخاً، حتى ظهر الإسلامويون في مطلع القرن العشرين، فإذا بهم يغيرونه ويغيرون غايته إلى وجهة وغاية ما أنزل الله تعالى بها من سلطان، ووظّفوا الدين للوصول إلى الحكم؛ ففي كتاب "الأسس الأخلاقية للحركة الإسلامية"؛ يقول أبو الأعلى المودودي: إنّ غاية الدين إقامة الإمامة؛ أي وصولهم للحكم، وإنّ الإنسان لن يبلغ رضى الله تعالى بأي عمل من أعمال الإسلام، ما لم يجعل غايته من الدين إقامة الحكم، والتباين كبير بين مراد الله تعالى، وبين الإسلامويين الذين يريدون توظيفه ليحكموا الناس؟!

اقرأ أيضاً: حكيم القروي: يجب على المسلمين أن ينتظموا ضدّ الإسلاموية
ولا يختلف المودودي عن حسن البنا، فكلاهما يريد من جماعته الوصول للحكم، فيقول الأخير في رسالة "المؤتمر الخامس": "والحكم معدود في كتبنا الفقهية من العقائد والأصول، لا من الفقهيات والفروع"، ثم يستكمل "والإخوان المسلمون لا يطلبون الحكم لأنفسهم؛ فإن وجدوا من الأمة من يستعد لحمل العبء وأداء هذه الأمانة والحكم بمنهاج إسلامي قرآني فهم جنوده وأنصاره وأعوانه، وإن لم يجدوا فالحكم من منهاجهم وسيعملون لاستخلاصه من أيدي كلّ حكومة لا تنفذ أوامر الله".

الحكم غاية الإسلامويين لكنّهم أرادوا الاختباء وراء الدين ليستخلصوه من أيدي الآخرين

من الواضح أنّ الحكم، ومن اللحظة الأولى هو غاية الإسلامويين، لكنّهم أرادوا الاختباء وراء الدين، ليستخلصوه من أيدي الآخرين باسم الانتصار للإسلام، وليس انتصاراً لأنفسهم، وأنّ على المسلم الحق أن يلتزم جماعتهم وألا يخالفهم في أيّ أمر من الأمور، يقول المودودي: "ألم تروا ما جاء في الكتاب والسنّة من تكرار من ذكر الجماعة ولزومها والسمع والطاعة، حتى أنّ الإنسان ليستوجب القتل، إذا خرج عن الجماعة، ولو قيد شعرة، وإن صام وصلى وزعم أنه مسلم؟"، ثم يستكمل تصوراته عن الغرض من الدين: "إنّ غرض الدين الحقيقي وهدفه؛ إنما إقامة نظام الحق والإمامة الراشدة، وتوطيد دعاته من الأرض؟ كلّ ذلك يتوقف تحقيقه على قوة الجماعة، والذي يضعضع القوة الجماعية، ويفت في عضدتها يجني على الإسلام وأهله جناية لا يمكن جبرها، وتلافيها بالصلاة، ولا بالإقرار بكلمة التوحيد".

اقرأ أيضاً: لماذا تتعثر مواجهة أفكار الجماعات الإسلاموية؟
من هذا النصّ يمكن فهم لماذا ذبحت جماعة داعش الخارجين عليها والمنضمين لـ"أحرار الشام"، بمثل هذا النص يمكننا فهم كيف طابت نفوس الإسلاميين في أفغانستان قتل بعضهم البعض، بمثل هذه النصوص يوظف الإسلامويون الدين لصالح مشروعهم الغامض وغير المفهوم، يكشف لنا مدى استغلالهم للدين ولمفاهيم الدين، هم يحاولون إيهام البسطاء وأتباعهم أنّ الانتماء للجماعة التي وردت في القرآن الكريم، أو في السنة النبوية الشريفة، ينطبق على جماعاتهم، وأنّ أيّ عمل يضعف الجماعة هو، في الوقت نفسه، يضعف الإسلام ذاته! والمصيبة أنّهم تركوا ملامح هذا العمل غائمة وتركوا مظاهر إضعاف الإسلام مبهمة، حتى يتسنى لأيّ منهم اعتبار أيّ عمل، مهما كان بسيطاً أو صغيراً؛ أنّه إضعاف للإسلام، فقد يكون رأيه أو مقالته كالتي بين أيديكم، أو انتماء مختلف لجماعة أخرى، كل هذا وارد أن يعدّه الإسلاميون عملاً يضعف الإسلام، والأخطر أنّهم نفوا أن يتم التكفير عنه بأيّ وسيلة غير القتل، فلا العبادة ستحمي فاعلها، ولن يصون دمه نطقه بالشهادتين وكلمة التوحيد، فاستحلوا قتل الموحدين مرتكزين على هذه المقولات، التي واصلها فيما بعد آخرون.

هل ننجح في استعادة مفهوم الدين وغايته من أيدي هؤلاء المتطرفين طلباً للسلام والأمن والأمان؟

إنّ أفكار المودودي والبنا وسيد قطب كانت بمثابة الكتاب المقدس لكل جماعات التكفير والإرهاب والعنف، فاستباحوا قتل من يخرج عنهم، ولو قيد شعرة، ولم تحسب له صلاته أو صيامه، أو نطقه بالشهادتين.
ومن دواعي الأسف؛ أنّنا لم نجد من يقوم ويفند كلام المودودي مباشرة، وكلّ ما أنتجته المؤسسة الدينية الرسمية هو كلام عام، وتركوا السمّ مدسوساً في العسل، حتى سرى في بدن الأمة، وذلك لأنّهم؛ أيّ الشيوخ والوعاظ لم يحسموا المقصود بالجماعة في الأحاديث النبوية، ولا في القرآن الكريم؛ فمفهوم الجماعة في عهد رسول الله، صلى الله عليه وسلم، اختلفت عن مفهوم الجماعة في عهد الصحابة الراشدين، رضي الله عنهم.

اقرأ أيضاً: الانفصال عن الإسلاموية باعتبارها إعادة اكتشاف للإسلام
وفي ظلّ تراخي العلماء الرسميين؛ انفرد الإسلامويون بالناس، واستقووا بالدين، ووظفوه لحسابهم، بمعنى أكثر وضوحاً، استغلوا الدين في تحقيق مصالحهم سياسية والعمل على التأثير في عقول الآخرين، بما يساعد في انقيادهم خلفهم، واعتمادهم كمرجعية، فكثر القتل باسم الدين وانهارت مجتمعات باسم الدين، وتشتتت ملايين من الأسر باسم الدين، والدين براء منهم، كلّ هذا لأنّهم نجحوا في تغيير مراد الله تعالى من الدين؛ فمن الواضح من كتاب الله تعالى، أنّ الله تعالى أراد لنا من الدين الهداية، بينما أراد الإسلامويون من الدين التوظيف.
ومن المهم الآن؛ أن نحسم أمرنا، فهل سننجح في استعادة مفهوم الدين وغايته من أيدي هؤلاء المتطرفين؟ طلباً للسلام والأمن والأمان؟ أم سنتقاعس ونستمر في تجرع مرارة القتل والانهيار الدخلي وفقدان الأمن والأمان؟

الصفحة الرئيسية