كيف وظفت السلفية الحركية مفهوم الأمّة العابر للحدود؟

تتبنّى السلفية الحركية المنهج القطبي في التغيير ومفهوم الحاكمية، وتجمع بين الأفكار الدينية والمنهج السياسي للإخوان، ومن هنا فلديها مدارس مختلفة تتباين فيما بينها، في جواز العمل السياسي، أو المرحلية في العمل الإسلامي، وفي الآونة الأخيرة حدثت تطورات اعتيادية أدت إلى وضوح التباين الحركي وانطلاق هذه السلفية للعبور نحو بناء تنظيمات معولمة.

السلفية الحركية المصرية
تنتشر السلفية الحركية داخل مصر، خاصة في محافظات القاهرة والإسكندرية ودمياط والفيوم ومدن القناة، ويُعدّ الشيخ محمد عبد المقصود من أبرز رموزها، وكذلك رفاعي سرور.

في الأعوام التي أعقبت "الربيع العربي"، انتهت السلفية الحركية في مصر إلى جماعات وائتلافات كثيرة، منها "حازمون"، و"ائتلاف شباب مصر الإسلامي"، وهو ائتلاف أغلب أفراده من التيار السروري"، و"ائتلاف دعم المسلمين الجدد"، و"سلفيو كوستا"، وهم مجموعة من الشباب السلفيين الذين ظهروا في نيسان (إبريل) عام 2012.

ويُعدّ أبرز مثال لسلفية القاهرة الحركية "الجبهة السلفية"، وهي رابطة تضم عدة رموز إسلامية وسلفية، تضم أفكارها جلّ إيديولوجية سيد قطب، ولها عناصر هاربة في تركيا.

ووفق الملامح العامة للسلفية الحركية، المتميزة بمنهج تغيير مختلف عن باقي السلفيات الأخرى، فإنّنا يمكن أن نضم "الجماعة الإسلامية بمصر" إليها، بعد تحولاتها التي أفرزت مراجعات وقف العنف، التي تم تفعيلها عام 2001، فقد نبذت حمل السلاح، واحتفظت بباقي المكونات الإيديولوجية والحركية الأخرى، التي تتشابه إلى حد كبير مع السرورية.

وتنتشر الجماعة الإسلامية في صعيد مصر بمحافظات بني سويف، الفيوم، المنيا، أسيوط، قنا، سوهاج، أسوان، حيث يتواجد أغلب أفرادها في القرى، وما تزال تقوم ببعض الفعاليات تحت مراقبة أمنية حثيثة لها. 

مركز السلفية الحركية العالمي
في الآونة نفسها التي نشأت فيها السلفية الحركية بمصر نشأت بالكويت، وأصبحت جمعية إحياء التراث الإسلامي بمثابة هيئة شاملة لهم، وأصبحت دولة الكويت مركزاً كبيراً لتلك السلفية.

تنتشر السلفية الحركية داخل مصر، خاصة في محافظات القاهرة والإسكندرية ودمياط والفيوم ومدن القناة، ويُعدّ الشيخ محمد عبد المقصود من أبرز رموزها

ووفق مركز كارنيغي يرتبط أعضاء أكبر كتلة برلمانية سلفية (التجمّع السلفي الإسلامي) ارتباطاً وثيقاً بجمعية إحياء التراث الإسلامي، وربما يكون أشهر شيخين في هذا المجال هما شافي العجمي وحجاج العجمي، وهما اللذان جمعا الأموال وأرسلاها إلى سوريا، ووظّف الاثنان وسائل الإعلام التقليدية والاجتماعية بطريقة فعّالة لاستقطاب التبرعات.

وليس شافي وحجاج العجمي الوحيدين في المجتمع السلفي الحركي، لكن ثمّة مراجع سلفية أخرى مثل حاكم المطيري وحامد العلي، الموجودان الآن في تركيا.

وليس أوضح على السلفية الحركية ممّا جرى في عام 2012 حين أسّس فهد الخنة وسياسي سلفي أصولي آخر، هو محمد هايف المطيري زعيم تجمع ثوابت الأمّة، مجلس الداعمين للثورة السورية، وهو منبر للسلفيين الحركيين الذين يجمعون التبرعات للمقاتلين السوريين ممّن يرفضون فكر تنظيم القاعدة، ولعبوا دوراً قيادياً في توحيد (6) ميليشيات سلفية وتأسيس جيش الإسلام في ضواحي دمشق، وتبرعوا له بمبلغ (470) ألف دولار أمريكي ليتمكن من بدء عملياته.

في الكويت أيضاً ما يُسمّى "تيار الأمّة"، الذي بدأه نعيم التلاوي بالتعاون مع "حاكم المطيري"، والذي يرتكز على (4) ركائز أساسية: أوّلاً مفهوم الأمّة العابر للحدود الجغرافية، مركّزاً على العمل الشعبي المشترك و"تأسيس الأحزاب السياسية"، ثانياً رفض الهيمنة الأمريكية والغربية بتحرير إرادة الشعوب العربية واستقلالها، ثالثاً مواجهة حالة الاستبداد الداخلي، رابعاً دعم مقاومة الشعب الفلسطيني.

اعتمدت السلفية الحركية مفهوم الأمّة العابر للحدود الجغرافية، وتركز بكل قوة على العمل الشعبي وتأسيس الأحزاب السياسية

من هنا كانت سلفية المطيري والتلاوي الحركية هي أقرب إلى السرورية السعودية، من حيث المشاركة السياسية، ومنهج التغيير العنيف، ومفهوم الحاكمية عند سيد قطب، وحق الأمّة في عزل الحاكم وتجريده من السلطة.

العبور للعولمة السلفية
يقول د. محمد أبو رمان في كتابه عن السلفية: تزاوج السلفية الحركية بين حركية الإخوان المسلمين من حيث العمل الحركي والسياسي والعقيدة السلفية، وتؤمن بالعمل السياسي ومشروعية المعارضة، وتأخذ غالباً طابع المعارضة للحكومات، لكن يمكن التمييز بين اتجاهين: الأوّل يدعو إلى ممارسة العمل السياسي والمشاركة الديمقراطية، ولكنّه أقرب إلى فكر سيد قطب والدعوة لتطبيق مفهوم الحاكمية؛ ومن أبرز منظريه، محمد بن سرور زين العابدين؛ ومحمد قطب مثل (الجبهة السلفية)، ثم تيار الصحوة الإسلامية في السعودية (سفر الحوالي، وسليمان العودة)، والثاني يؤكد ضرورة الدخول في العمل السياسي، وتشكيل الأحزاب السياسية، والاستفادة من هامش الديمقراطية؛ إلا أنّه في الوقت ذاته ضد مبدأ الخروج على الحاكم، مع الالتزام بالخط السلمي، وتجنب المواجهة مع النظم السياسية، ومن أبرز منظّريه عبد الرحمن عبد الخالق.

من هنا انطلق السلفيون الحركيون من الكويت ليؤسسوا بنية تنظيمية دولية عابرة للحدود تحت مُسمّى التنظيم السلفي العالمي "مساع"، ويتضمن (3) مكونات رئيسية:

أوّلاً: مكتب الأمانة العامة الذي يتكون من (علي السويدي، ومنيف الطوالة، وهاشم العوضي).

ثانياً: مؤسسات رأسية، تتكون من الاتحاد العالمي للمؤسسات الشرعية، والاتحاد العالمي للمؤسسات الإنسانية، ومنتدى المفكرين المسلمين.

ثالثاً: المؤسسات الأفقية، وتتكون من (الرابطة العالمية للحقوق والحريات، ورابطة التربويين، ورابطة الإعلام، والاتحاد العالمي للدعاة، والحملة العالمية لمقاومة العدوان، والهيئة العالمية للسنّة).

في الختام، لقد اعتمدت السلفية الحركية مفهوم الأمّة العابر للحدود الجغرافية، وتركز أوّلاً بكل قوة على العمل الشعبي و"تأسيس الأحزاب السياسية"، ثانياً رفض الهيمنة الأمريكية والغربية بتحرير إرادة الشعوب العربية واستقلالها، ثالثاً مواجهة حالة الاستبداد الداخلي، رابعاً دعم مقاومة الشعب الفلسطيني، لذا فإنّنا خلال الأعوام المقبلة سنشهد تنظيمات قُطرية وعالمية لتلك السلفية.