كيف نقرأ المصالحة الخليجية؟

كيف نقرأ المصالحة الخليجية؟


10/01/2021

 ربما لم يكن حضور أمير قطر الشيخ تميم للقمة الخليجية التي عقدت في السعودية مفاجئاً للمتابعين، فقد كانت مقدّمات كثيرة تشير إلى أنّ مصالحة سعودية مع قطر قد قطعت أشواطاً بعيدة، إلّا أنه تمّ إبقاء تفاصيلها بتوافق بين الرياض والدوحة في إطار من السرّية والتسريبات المقصودة أحياناً التي كانت تتردد في خطابات وزيري خارجية البلدين، خاصة أنّه كان واضحاً منذ بداية الأزمة أنّ الدوحة انتهجت سياسات تميز بين خلافاتها مع السعودية عن باقي دول التحالف الرباعي، على الأقل في إطار المحتوى الإعلامي القطري، الذي كان أكثر حذراً تجاه  الرياض.

 

المصالحة بالنسبة إلى الرياض والدوحة جاءت على وقع المتغير في أمريكا بقدوم بايدن، والقناعات الراسخة لديهما بحاجة كلّ طرف إلى الآخر

أرى أنّ قراءة هذه المصالحة، وبعيداً عن العواطف، وعلى أهمية ما تمّ إنجازه، وما يؤمل أن تحققه من وحدة خليجية ستنعكس إيجاباً على الوضع العربي عموماً، بما في ذلك الموقف من إسرائيل والتطبيع، إلّا أنه لا بدّ من التوقف عند جملة من المحطات أو "التساؤلات" حول مستقبل تلك المصالحة، ومن بينها: مصير الشروط الـ"13" التي اشترطتها السعودية وحلفاؤها على قطر في بداية الأزمة، ثم هل ستشمل المصالحة بقية الدول "الإمارات ومصر والبحرين"، والعقبات التي ستواجه المصالحة لاحقاً عند ترجمة السياسات على الأرض، وخاصة المواقف القطرية تجاه إيران وتركيا، وأخيراً الموقف الأمريكي في ظل الإدارة الجديدة من هذه المصالحة؟

اقرأ أيضاً: المصالحة الخليجية مع قطر لا تفكك الرباعي العربي

ولنبدأ بالعلاقة مع إسرائيل؛ فالدوحة والرياض، رغم كل ما قيل عن مواقفهما من التطبيع، إلّا أنهما الدولتان الخليجيتان اللتان أبدتا مواقف حازمة تجاه التطبيع، وأعلنتا شرط اعتراف إسرائيل بالدولة الفلسطينية، ما يفتح أفقاً جديداً لحلّ الدولتين، وربما عبر إعادة إحياء المبادرة العربية، وهو الموقف الذي يمكن أن تتعاطى معه الإدارة الأمريكية الجديدة بشيء من الإيجابية، على الأقل ليس تحت عنوان الانحياز الكامل لإسرائيل، كما هو الحال في عهد ترامب.

أمّا الشروط الـ"13"، فبالإضافة إلى أنّ كثيراً منها سقط بالتقادم، فالمؤكد أنه، وبعيداً عن البيانات الدبلوماسية، فالراجح أنّ ملفات العلاقة القطرية مع كل من "تركيا وإيران والإسلام السياسي" قد تمّ التوافق حولها في إطار قنوات سرّية، كانت تبحث هذه الملفات منذ أشهر، ووفقاً لقاعدة منح قطر هوامش حركة تلعب فيها أدواراً مستقبلية بتوافق مع السعودية، فإيران ذاهبة باتجاه صفقة كبرى مع أمريكا قد يكون لقطر دور فيها، وستكون الدوحة على تماس مع تركيا، وتحديداً في ملفات مستقبل الإسلام السياسي، الذي يتوقع أن تتعاطى معه إدارة بايدن بصورة مختلفة كلياً عن تلك الطريقة التي تعاملت فيها إدارة أوباما مع "الإسلاموية"، كما ستواصل الدوحة دورها في المصالحة الأفغانية، التي تشكّل أحد أبرز الملفات الأمريكية المهمّة.

 

الراجح أنّ ملفات العلاقة القطرية مع كل من تركيا وإيران والإسلام السياسي تمّ التوافق حولها في إطار قنوات سرّية كانت تبحث هذه الملفات منذ أشهر

الإشارات الأولية تدلّ على أنّ المصالحة ليست فقط بين الدوحة والرياض، بل ستشمل القاهرة وأبو ظبي والمنامة، ومؤكد أنّ هذه العواصم كانت مطلعة من خلال السعودية على مجريات مباحثات المصالحة مع قطر، وربّما مرّرت عبر السعودية مطالبها، والمرجح أن تبدأ إجراءات بناء الثقة مجدداً مع الدوحة، والتي قد تبدأ بوقف الحملات الإعلامية المتبادلة وعبر الجيوش الإلكترونية.

موقف إدارة ترامب ملفت تجاه الأزمة؛ إذ لم تقدّم هذه الإدارة أيّ مبادرة جادة لإنهاء الخلاف إلا بعد ثبوت مغادرة ترامب وصهره كوشنر، ففي الوقت الذي كان فيه ترامب شاهداً على اشتعال فتيل الأزمة، كان صهره شاهداً على طيّ ملفها، وهو ما يطرح تساؤلات حول حقيقة دور إدارة ترامب بهذه الأزمة.

اقرأ أيضاً: ما موقف قطر من تركيا بعد المصالحة الخليجية؟

المصالحة بالنسبة إلى الرياض والدوحة جاءت على وقع المتغير في أمريكا بقدوم "بايدن"، والقناعات الراسخة لديهما بحاجة كلّ طرف إلى الآخر، فالدولتان كلتاهما حققتا مكاسب؛ قطر كانت بحاجة لرفع "المقاطعة" عنها، والرياض حققت ما تصبو إليه قياداتها، بتأكيد دورها القيادي "الاستراتيجي"، ليس في منطقة الخليج فقط، بل على المستوى العربي أيضاً، وهو ما يتوقع أن يظهر في المدى المنظور.

الصفحة الرئيسية