كيف نتوقّّف عن إلهام الإرهابيين؟

كيف نتوقّّف عن إلهام الإرهابيين؟

كيف نتوقّّف عن إلهام الإرهابيين؟


31/12/2023

العنود المهيري

حفظنا السيناريو لكثرة تكراره: يفتح إرهابي النار عشوائياً في الأماكن العامة، أو يفجّر قنبلة، أو يدهس المارة، لنجده قد ترك "مانيفيستو"، أو مذكرات، أو رسائل ومحادثات، تشرح ما تفتق عنه ذهنه المعتل. وبالضرورة، فقد ظهرت أخيراً تدوينات ديفيد كوزاك، مطلق النار العشوائي في براغ.

تبيّن أن ابن الـ24 عاماً نظر بإجلال وإعجاب إلى ألينا أفاناسكينا، وهي مراهقة روسية سبقته بأسبوعين فقط في إطلاق النار على زملائها في المدرسة. لقد ألهمته بجريمتها، حتى أنه كتب "كان الأمر أشبه بقدومها من الجنة لمساعدتي في الوقت المناسب"!

ولئلا نحمّل ألينا وزر ديفيد، فكوزاك كان يُريد أصلاً أن يُرى باعتباره معتوهاً - مثلما دوّن في تطبيق "تيليغرام" ـ واعترف بأنه "لطالما" رغب في القتل. ولكنه ذكر أيضاً أنه فقط حينما شاهد جريمة فتح النار العشوائي التي ارتكبها إلزناز جاليافييف في 2021، وهو روسي آخر أزهق 9 أرواح، أدرك أن جرائم القتل العشوائية "مربحة أكثر بكثير" من جرائم القتل المتسلسل. 

وأنا أقرأ هذا الجنون المحض، لم يسعني بصراحة سوى الترحّم على حكمة جاسيندا آردرين، رئيسة الوزراء السابقة لنيوزيلندا. فحينما أقدم إرهابي على فتح النار في مسجدين في مدينة كرايست تشرتش، رفضت آردينت ذكر اسمه في بياناتها وخطاباتها، كما لن أفعل أنا في هذه الأسطر. أصرت آردينت على ترك القاتل مجهول الهوية، موضحة أنه "ربما يكون قد سعى إلى سوء السمعة، ولكننا في نيوزيلندا لن نمنحه شيئاً، ولا حتى اسمه".

هل تفطنت آردينت إلى أحد الحلول البسيطة لكبح لجام ظاهرة القتلة العشوائيين؟ 

من السذاجة الزعم أن كوزاك لم يكن ليتوصل إلى إمكان رفع البندقية، وقتل الناس العشوائي، لولا السنّة السيئة التي سنّها جاليافييف وأفاناسكينا من قبله. إننا نتحدث عن شخص كان موبوءاً بالاعتلالات والاضطرابات النفسية الخطيرة، ولم يحتج إلى الكثير من "الإلهام" ليقرر سفك الدماء.

ولكننا أثبتنا لكوزاك، وللإرهابيين مثله ممن لا يضعون قيمة لحياة الآخرين أو لحياتهم الشخصية، أنهم يستطيعون مد ألسنتهم لإغاظتنا للمرة الأخيرة وهم متوجهون إلى الجحيم. فهم يفعلون فعلتهم الشنيعة، فإذ بأسمائهم تُنشر وتُحفظ، مع صورهم، وقصص نشأتهم، وأسرار صدماتهم، ومسببات تطرفهم، ومذكراتهم وتدويناتهم وهلوساتهم. 

أتخيل كوزاك وهو "يدرس" مشروعه الإجرامي. ينفخ الغبار عن "موسوعة القتلة العشوائيين"، فإذ بصفحة "المراجع" تحمل له النموذج تلو الآخر عمن ارتكبوا الجريمة، فكوفئوا بالخلود: ألينا، وإلزناز، وغيرهم الكثير، لأننا بغبائنا لم ندع ممحاة الزمن القاسية تصيّر هؤلاء الإرهابيين إلى "نكرات". 

أتخيله يقرأ أسماءهم ويتساءل مندهشاً: "لم يحققوا مبتغاهم فحسب، بل نالوا مكافأتهم المضطربة من الشهرة والصيت أيضاً؟". أتخيل سيلان لعابه، إذ اكتشف أن الهدف ممكن وسهل.

ليتنا تناسينا ديفيد، واسمه، وصورته، وعتهه، واكتفينا بتذكّر ضحاياه، وبينهم روضة المحرزي وأحمد آل علي، الزوجان الإماراتيان اللذان كُتبت لهما النجاة. 

عن "النهار" العربي




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية