كيف ستكون جماعة الإخوان تحت قيادة صلاح عبد الحق؟

عودة إلى النهج القطبي... كيف ستكون جماعة الإخوان تحت قيادة صلاح عبد الحق؟

كيف ستكون جماعة الإخوان تحت قيادة صلاح عبد الحق؟


02/04/2023

أشعل الإعلان رسمياً من جبهة لندن، منتصف آذار (مارس) الماضي، عن اختيار صلاح عبد الحق قائماً بأعمال مرشد التنظيم، أشعل فتيل أزمة لا يتوقع أن تهدأ في القريب العاجل، يغلب عليها الصراع المحتدم والتراشق العلني بين جبهات التنظيم المتناحرة، وفي ضوء ذلك تبدو قيادة الجماعة مهمة صعبة أمام القيادي القطبي، البالغ من العمر (79) عاماً، ولم يكن ذا صيت أو شهرة داخل الجماعة أو خارجها.

ويمكن الحكم على السيناريوهات التي تتنظر مستقبل التنظيم قريباً، بالنظر إلى شخصية عبد الحق الهادئة، والصارمة فيما يتعلق بالتعاليم الحاكمة لمنهجية الإخوان، والتي يستقيها جميعاً من منهج سيد قطب، باعتباره أحد قيادات هذا التوجه، وأحد الأصدقاء المقربين من قطب، الذي سجن إلى جواره بقضية التنظيم الإرهابي الشهيرة عام 1965.

وفي دراسة حديثة نشرها مركز المستقبل للبحوث والدراسات المتقدمة تحت عنوان: "رسائل اختيار صلاح عبد الحق قائماً بأعمال مرشد الإخوان"، يستعرض الباحث المغربي محمد بوشيخي الدلالات والتداعيات المحتملة لاختيار عبد الحق للمنصب المتنازع عليه، في ظل احتدام الأزمة الراهنة بين عناصر الإخوان، والاختلاف على توليه المنصب.

سياق مضطرب

يتحدث الباحث أوّلاً عن سياق اختيار عبد الحق، ويرى أنّه يتسم باستمرار التشرذم الداخلي وتفاقم أزمة الثقة بين القيادة والقواعد، وخفوت الدعم الإقليمي لجماعة الإخوان الإرهابية.

غير أنّ الإعلان بحدّ ذاته لم يكن مفاجئاً؛ إذ سبقته تسريبات خلال شهر شباط (فبراير) الماضي تحدثت عن اختيار عبد الحق للمنصب، وبات الأمر في شبه المؤكد منذ 20 شباط (فبراير)، وهو تاريخ نشر الخبر على بعض المواقع الإخبارية.

محمد بوشيخي: اختيار عبد الحق يتسم باستمرار التشرذم الداخلي وتفاقم أزمة الثقة بين القيادة والقواعد

وذلك بعد فترة ترقب دامت منذ رحيل إبراهيم منير، القائم السابق بأعمال المرشد، يوم 4 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، حيث أعلنت الجبهة حينها محيي الدين الزايط قائماً "بتسيير أعمال المرشد العام لجماعة الإخوان المسلمين بشكل مؤقت، إلى حين استكمال الترتيبات اللازمة بتسمية القائم بالأعمال".

وقد جاءت تسمية القائم بالأعمال في شخص عبد الحق، حسب منشورات جبهة لندن، نتيجة انتخابه من طرف مجلسي الشورى المصري والعالمي، وتأكيداً لوصية إبراهيم منير حول خليفته.

تشهد الفترة المقبلة، تحت إدارة صلاح عبد الحق أحد أكثر المرتبطين بالمنهج التغييري لسيد قطب، عودة قوية للأدبيات القطبية حول "جيل قرآني فريد" يعيش عزلة شعورية عمّا يسمّونه "المجتمع الجاهلي"، ويتولى الإعداد لقيادة العمل التغييري نحو تحقيق "الحاكمية"

ويرى بوشيخي أنّ هذه التسمية أثارت ردة فعل قوية، وإن كانت متوقعة، من جبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين، التي علقت على خبر اختيار عبد الحق قائماً بأعمال المرشد بالقول: إنّ "المحاولات المتجددة لاستحداث كيانات موازية لمؤسسات جماعة الإخوان الرسمية، أو تسمية أشخاص بمهام ومسميات مدّعاة، بعيداً عن المؤسسات الشرعية للجماعة تحت دعاوى مختلفة، لن تفرض أمراً واقعاً، ولن تجدي نفعاً".

ماذا عن الدلالات؟

حمل قرار اختيار صلاح عبد الحق لقيادة جبهة لندن، بحسب الدراسة، جملة دلالات بالنظر إلى الواقع الراهن للمشهد الإخواني المتسم بالانقسام وتراجع رصيد الجماعة من الدعم الشعبي والدولي، وكذا بالنظر إلى خطة الجبهة في ضوء صراعها مع معارضيها داخل الجسم الإخواني من جهة، ومع الحكومة المصرية من جهة أخرى، وتوضح الدراسة هذه الدلالات في (3) نقاط رئيسية.

أوّلاً: محاولة توثيق العلاقة مع قيادات السجون، حيث يكشف اختيار عبد الحق على رأس جبهة لندن عن رغبة قياداتها في توثيق العلاقة مع قيادات السجون ممثلة في أعضاء مجلس الإرشاد المسجونين بعد ثورة 30 حزيران (يونيو) 2013؛ إذ من شأن الترويج لهذه العلاقة في أوساط الجماعة أن يُقرأ كعلامة رضا من مجلس الإرشاد والمرشد خصوصاً، وبالتالي فتح باب جديد لتلمس الشرعية في مواجهة معارضيها.

ثانياً: أولوية العمل التربوي والبناء الداخلي، فمن شأن اختيار عبد الحق، بصفته شخصية تربوية وقليلة الظهور الإعلامي، ترجيح جبهة لندن، ولو مرحلياً، لخيار أولوية البناء الداخلي بالتركيز على العمل التربوي بصفته القاعدة الأساس لمختلف مجالات النشاط التنظيمي والسياسي.

وما يعزز هذا الافتراض الرغبة في استعادة ثقة القواعد بالقيادة، في ظل الشعور المتنامي في أوساط الجماعة، سواء في جبهة لندن أو غيرها، بضعف الوازع الأخلاقي للشخصيات القيادية أمام حالات التخوين والاتهامات المتبادلة، وما يروج عن سرقة أموال الجماعة والمتاجرة باسمها.   

يكشف اختيار عبد الحق على رأس جبهة لندن عن رغبة قياداتها في توثيق العلاقة مع قيادات السجون

ثالثاً: رسالة إلى مكونات المشهد السياسي؛ لأنّ اختيار عبد الحق، الذي لم يتولَّ أيّ مهام سياسية أو قيادية في جماعة الإخوان، ينطوي على رغبة جبهة لندن في توجيه رسالة إلى مكونات المشهد السياسي في مصر مفادها اقتناع الجماعة بما أعلنته مراراً عن عدم رغبتها في التنافس الحزبي على السلطة وزهدها في المناصب الحكومية.

ومن ذلك تصريح إبراهيم منير، في تموز (يوليو) 2022، بأنّ الجماعة "لن تخوض صراعاً جديداً على السلطة"، وتعقيب صهيب عبد المقصود، المتحدث الإعلامي باسم جبهة لندن، على هذا التصريح بالقول: إنّ "أولوياتنا يجب أن تنصرف إلى إصلاح أحوال الناس الاجتماعية والاقتصادية"، وتوجيه الجهد لملف "الإفراج عن المسجونين" لأنّه "ملف ذو أولوية قصوى".

ما السيناريوهات المرتقبة؟

تفترض الدراسة أن تشهد الفترة المقبلة، التي ستكون تربوية ودعوية بامتياز، وتحت إدارة صلاح عبد الحق أحد أكثر المرتبطين بالمنهج التغييري لسيد قطب، عودة قوية للأدبيات القطبية حول "جيل قرآني فريد" يعيش عزلة شعورية عمّا يسمّونه "المجتمع الجاهلي"، ويتولى الإعداد لقيادة العمل التغييري نحو تحقيق "الحاكمية".

وبالتالي؛ ستبتعد جبهة لندن عن الفكر الثوري ما دامت جماعة الإخوان في حالة استضعاف، وهذا ما سيرسخ السلوك البراغماتي للجبهة الذي أرساه إبراهيم منير، والقائم على توسيع التوافقات مع التنظيمات المعارضة، مع مواصلة الاهتمام بالشأن المصري على المستوى العام. 

لا يُستبعد سعي الجبهة لإعادة تموضعها على مستوى العلاقات بين القوى الإقليمية، والتي من مؤشراتها الأخيرة ترحيبها باستئناف العلاقات السعودية الإيرانية، معربة عن "حاجة أمتنا والمنطقة اليوم للسلام وروح الوحدة والتعاون أكثر من أيّ وقت مضى"

ومن شأن هذا الخيار، وفق بوشيخي، تحقيق قدر من التقارب لجبهة لندن مع معارضيها في جبهة إسطنبول و"الكماليين"، وذلك في ظل التقارب المصري التركي، الذي قد يجبر الإخوان في تركيا على تبنّي الواقعية السياسية، ومن ثم البحث عن حلول وسطى - على الأقل - لإدارة خلافاتهم مع جبهة لندن.

مستويات الحراك الإخواني

يعتقد بوشيخي أنّه من شأن تبنّي هذا الخيار القائم على "التربية"، و"الابتعاد عن السياسة"، و"تعزيز اللحمة الداخلية"، أن يدفع جماعة الإخوان نحو سلك مسارين اثنين، على المستويين الخارجي والداخلي.

أوّلاً: على المستوى الخارجي "بلورة خطاب جديد"، ويُحتمل أن تضاعف جبهة لندن من إشارات حُسن النية تجاه النظام المصري وسعيها لفتح قنوات للتواصل معه بشأن إطلاق سراح المسجونين. ولا يُستبعد في هذا السياق سعي الجبهة لإعادة تموضعها على مستوى العلاقات بين القوى الإقليمية، والتي من مؤشراتها الأخيرة ترحيبها باستئناف العلاقات السعودية الإيرانية، معربة عن "حاجة أمتنا والمنطقة اليوم للسلام وروح الوحدة والتعاون أكثر من أيّ وقت مضى".

يُحتمل أن تضاعف جبهة لندن من إشارات حُسن النية تجاه النظام المصري وسعيها لفتح قنوات للتواصل معه بشأن إطلاق سراح المسجونين

كما ستشدد الجبهة في خطابها تجاه الغرب على توظيف مفاهيم الثقافة الحقوقية وقاموس الديمقراطية الغربية، لطرح نفسها بديلاً ديمقراطياً وجديراً بالثقة.

ثانياً: على المستوى الداخلي "ازدواجية القيادة"، لا يستبعد الباحث تبنّي جبهة لندن لازدواجية القيادة؛ بجعل صلاح عبد الحق قائداً "مُعلناً" يركز على العمل التربوي والدعوي ومخاطبة المعارضين في جبهة إسطنبول و"الكماليين"، وفي الآن ذاته تعيين قائد آخر "سرّي" للعمل التنظيمي والسياسي يتولى مهام إدارة الجبهة من وراء ستار، على مستوى علاقاتها مع الجهات الحكومية الدولية ومؤسسات المجتمع المدني في العالم والغرب تحديداً، ويُحفظ له التواصل مع الجهات غير الراضية عن تسمية عبد الحق.  

وما يعزز هذا التوجه هو وجود كتلة شبابية معتبرة داخل جبهة لندن دافعت بقوة عن تولي حلمي الجزار لمنصب القائم بالأعمال، ولا سيّما أنّ الأخير يُعبّر عن صوت تيار يؤمن ببراغماتية العمل السياسي والتعامل مع ملابساته بمنطق الربح والخسارة، خلافاً للتوجهات القطبية التي تطوقه بالضوابط العقائدية، وهذا ما يحقق مهام القيادة العلنية أيضاً بزعامة عبدالحق، بشأن "إعادة تعريف الجماعة، وتعزيز مكانتها، ولمّ شملها، وإدارة ملف المسجونين وأسرهم، وتمكين الشباب في إدارة المرحلة المقبلة"، حسب ما ذكره موقع الجبهة.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية