كيف رصد (المؤشر العالمي للفتوى) ازدواجية الإعلام الغربي في تعامله مع القضية الفلسطينية

كيف رصد (المؤشر العالمي للفتوى) ازدواجية الإعلام الغربي في تعامله مع القضية الفلسطينية

كيف رصد (المؤشر العالمي للفتوى) ازدواجية الإعلام الغربي في تعامله مع القضية الفلسطينية


04/02/2024

في 7 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي 2023م شنت حركة حماس الفلسطينية هجوماً عُرف باسم "طوفان الأقصى" نتج عنه مقتل أكثر من (1400) إسرائيلي، ومن يومها وإسرائيل تشن حرب إبادة جماعية ضد النساء والشيوخ والأطفال والمرضى في غزة، وفرضت حصاراً كاملاً على القطاع، وقطعت الكهرباء والمياه والوقود والمواد الغذائية.

وسائل الإعلام الغربية لعبت دوراً قوياً في تشكيل الصورة الذهنية المزيفة، واستخدمت سلاح الإعلام في التأثير على القواعد السياسية وصناعة الرأي العام، وكشفت الأحداث عن انحياز كثير من وسائل الإعلام الغربية -التي كانت تتحدث عن الحياد والمهنية- لإسرائيل، متجاوزة الضوابط المهنية، وسقط الإعلام الغربي في اختبار غزة، وبرز كإحدى الأدوات التي أسهمت في التبرير للعدوان الإسرائيلي، وانحازت صحف عالمية كبرى لإسرائيل، وروّجت لسرديتها ومزاعمها، وقدّمت صورة مغلوطة مشوهة عمّا يجري في غزة، حتى اعتبر البعض أنّ هذا الإعلام بتغطيته المنحازة أصبح شريكاً في العدوان.

الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء في العالم رصدت ملامح هذه الازدواجية من خلال (المؤشر العالمي للفتوى) التابع للأمانة العامة، واعتمد المؤشر العالمي في رصده على المنهج الوصفي الذي يصف واقع المنظومة الإعلامية في الغرب، والمنهج التحليلي الذي يُحلل التغطيات الإعلامية في تناول "طوفان الأقصى".

واعتمد في تغطيته على عدد من الصحف الأمريكية والبريطانية والفرنسية، مثل:

-نيويورك تايمز

-التايمز

-ديلي ميل

-فرانس 24

-الجارديان البريطانية

-هيئة الإذاعة البريطانية (BBC)

-سي إن إن

-CNBC News

ويلاحظ أنّ هذه المنصات الإعلامية هي الأكثر وصولاً إلى العالم، كما أنّها الأكثر اهتماماً بتغطية القضية الفلسطينية والأحداث في غزة، كما أنّها تغطي (3) دول كبرى، لها تأثير على الأحداث هي (فرنسا- أمريكا ـ بريطانيا).

أظهر المؤشر أنّ الصحف الأكثر والأقلّ تحيزاً هي:

ديلي ميل 5%

التايمز 10%

نيويورك تايمز 15%

شبكة سي إن إن 30%

هيئة الإذاعة البريطانية 40%

وقد تصدرت هيئة الإذاعة البريطانية قائمة الأكثر تحيزاً ضد فلسطين، وانحيازاً لإسرائيل، لعدة أسباب؛ منها: 

-تحويلها لعدد من الصحفيين إلى التحقيق بسبب دعمهم للقضية الفلسطينية.

-استخدام ألفاظ ومفردات متحيزة لإسرائيل.

-نشر تصريحات عن معاناة الجنود الإسرائيليين.

-التركيز على وجهة النظر الإسرائيلية ودفاعها عن نفسها.

-الحديث المتكرر عن قتل حماس للأطفال الإسرائيليين.

وإمعاناً في تصديق القارىء لوسائل الإعلام الغربية، لجأت إلى ذكر بعض الجرائم التي ارتكبتها إسرائيل في حق الفلسطينيين، ولكن جاء ذلك بين السطور، لتقليل حجم تأثيرها على الرأي العام، وهذا نموذج لأبرز العناوين:

🎞

أمّا أبرز الألفاظ والمصطلحات المستخدمة في التغطية الإعلامية الغربية، فقد ركزت على وصف 7 تشرين الأول (أكتوبر) بأنّه: هجوم ـ اعتداء ـ مذبحة ـ عمل وحشي ـ أعمال عنف ـ تسلل، وأمّا حماس، فقد تمّ وصفها بأنّها: - حركة إسلامية مسلحة - منظمة إرهابية ـ منظمة مسلحة، - إرهابيون ومقاتلون.

ومن خلال الرصد والتحليل تبين أنّ أغلب التقارير والأخبار المتداولة اعتمدت على لفظ حركة، بنسة 29%، ولفظ: حركة إسلامية مسلحة بنسبة 25%، ومنظمة إرهابية بنسبة 17%.

والهدف من ذلك واضح جداً؛ وهو السعي لخلق صورة ذهنية تبين أنّ حرب إسرائيل على غزة هدفها مواجهة الإرهاب وتخليص فلسطين من هذه المنظمة الإرهابية، ممّا يخلق دافعاً قوياً لدى إسرائيل في ارتكاب الانتهاكات والمجازر في غزة.

🎞

لو أخذنا هيئة الإذاعة البريطانية كنموذج في تغطية أحداث الحرب، وما نتج عنها من قتل، فإنّنا نُلاحظ أنّها استخدمت ألفاظاً غير حيادية، فمن ناحية إسرائيل استخدمت مصطلحات من نوعية: القتلى من الإسرئيليين ـ الدفاع عن النفس ـ قتل المدنيين، وفيما يخص الفلسطينيين استخدمت الموتى الفلسطنيين - المسلحين الفلسطنيين ـ الوحشية ـ البربرية ـ الإبادة الجماعية.

فالتلاعب بالألفاظ واضح لدى (بي بي سي) في انحيازها للرواية الإسرائيلية، عندما اعتبرت أنّ الإسرائيليين يتعرضون "للقتل"، بينما وصفت الفلسطينيين بأنّهم "يموتون"، والموت قد يكون طبيعياً ومحايداً، وإنّما القتل يكون نتيجة أعمال عنف وإرهاب.

توجه الإعلام الغربي لجذب الدعم والتضامن مع إسرائيل، وعدم تغطية كل ما يتعلق بفلسطين، وتحريف الواقع الفلسطيني المأساوي،

وهذا يفسر لماذا اتجهت مظاهرة إلى مقر هيئة الإذاعة البريطانية، وألقى المتظاهرون طلاء أحمر على واجهة المقر، مع رفع لافتات تقول: "الحرية لفلسطين"، و"أوقفوا المجازر"، و"العقوبات لإسرائيل".

مظاهر الازدواجية في التناول الإعلامي الغربي للأحداث:

أثارت قضية الازدواجية في تناول الأحداث جدلاً في الأوساط السياسية والإعلامية، لعدم الالتزام بمبادىء التوازن والتعددية والمهنية، حيث تماهى الإعلام الغربي مع رواية تل أبيب، وشبه "طوفان الأقصى" بأحداث 11 أيلول (سبتمبر) في أمريكا، وصوَّر ما يحدث بأنّه هولوكوست جديد ضد إسرائيل، وليس مقاومةً للمحتل، وبحثاً عن حق مسلوب، حتى ثار تساؤل: لماذا اعتبر الإعلام الغربي مقاومي أوكرانيا أبطالاً يستحقون التسليح، بينما العكس يحدث مع الفلسطينيين؟

وظهرت الازدواجية وعدم الحيادية في التناول الغربي في عدة جوانب -وفق مؤشر الفتوى العالمي-:

-التحيز في استخدام اللغة والمفردات: ممّا يجعل الفلسطينيين يظهرون بصورة سلبية، كإرهابيين أو متمردين، بينما يصف التصعيد الإسرائيلي بأنّه دفاع عن النفس، ومواجهة للإرهاب.

-نزع السياق: بمعنى التركيز على هجوم حماس وتصويره بالعمل غير الإنساني الذي تسبب في مقتل المدنيين، وتحميل حماس الانتهاكات التي تحدث في المستشفيات، وتحميلها قتل النساء والأطفال وقطع إمدادات الغاز والوقود والغذاء، وعدم التفرقة بين السياق الإنساني والسياق السياسي.

-التركيز على رواية طرف واحد وتحجيم رواية الطرف الآخر: وقد ظهر ذلك واضحاً في مواقف كثيرة؛ منها خوارزميات الـ (فيس بوك) التي تفرض قيوداً على نشر المحتوى الداعم للقضية الفلسطينية.

وقد ضربت إحدى وكالات الأنباء مثالاً يدعم ما ذهب إليه المؤشر بشقيقة أحد الرهائن الإسرائيليين في غزة، عندما كانت ضيفة على أحد برامج (بي بي سي)، فقد بدأت تحكي قصة أخيها، فأبدت المذيعة تعاطفاً معها، قائلة: "أنا آسفة حقاً لأجلك"، لكن عندما تحدث ضيف من منظمة الصحة العالمية عن الوضع المأساوي في غزة، إثر قطع الكهرباء والماء، لم تُبدِ المذيعة نفسها أيّ تعاطف مع تلك المأساة الإنسانية.

🎞

-نشر معلومات خاطئة بناء على إشاعات وأكاذيب تثير العواطف مع إسرائيل، وصناعة تأثير على الرأي العام العالمي، ومن نماذج ذلك: إشاعة قطع رؤوس (40) طفلاً إسرائيلياً، ونشر تقارير حول الأطفال الإسرائليين المشوهين، وعدم مسؤولية إسرائيل عن قصف مستشفى المعمداني.

فقد نشرت صحيفة (ديلي ميل) تقريراً عنوانه: "إرهابيو حماس قطعوا رؤوس (40) طفلاً فى مستوطنة كفار عزا"، وعنوان آخر يقول: "جنود الجيش الإسرائيلي يكشفون عن مقتل عائلات في غرف نومهم، مع أنّها صحيفة عريقة تأسست عام 1896، ويزور موقعها (100) مليون زائر شهرياً، ومتوسط عدد القراء يومياً أكثر من مليون قارئ.

وهو أيضاً ما قامت به صحيفة بريطانية معروفة هي (التايمز) التي كتبت على صفحتها الأولى: "حماس تذبح حناجر الرضّع".

-التضييق على الصحفيين لخدمة أهدافهم: كما حدث مع الصحفي ستيف بيل، الذي أقالته صحيفة (الجارديان) البريطانية -رغم كونها الأقلّ انحيازاً بين وسائل الإعلام الغربية والأمريكية- أقالته بسبب رسم كاريكاتير يُشبّه فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بالمرابي اليهودي شايلوك، بطل مسرحية البندقية لشكسبير، وجاءت الإقالة بعد نشره صورة نتيناهو وهو يُجري عملية جراحية في بطنه، تشكل قطعاً في خطوط قطاع غزة، مع عبارة تقول:  "يا سكان غزة... اخرجوا الآن".

أبرز وسائل إقناع الرأي العام الغربي:

جاءت أبرز وسائل التأثير على الرأي العام الغربي في وسائل الإعلام -حسب المؤشر العالمي- كالتالي:

استطلاعات الرأي

الصور المزيفة

الفيديوهات القصيرة

الهاشتاغات

الرسوم الكاريكاتيرية

أبرز القضايا التي تم تناولها:

توجه الإعلام الغربي لجذب الدعم والتضامن مع إسرائيل، وعدم تغطية كل ما يتعلق بفلسطين، وتحريف الواقع الفلسطيني المأساوي، ومن أبرز الموضوعات التي تم تناولها:

-التأكيد على أنّ حماس جماعة إرهابية، ولا تمثل كل الفصائل الفلسطينية.

-نقل روايات تفصيلية من بعض الإسرائيليين.

-الاستعانة بالمصادر الإسرائيلية، وعدم الالتفات إلى المصادر الفلسطينية.

-توصيف الأحداث بأنّها حرب بين إسرائيل وحماس.

-الدعوة لتهجير الفلسطينيين إلى مصر والأردن.

النتائج المترتبة على ازدواجية معايير الإعلام الغربي:

نتج عن ازدواجية الإعلام الغربي في تغطيته لما يحدث في فلسطين ومحاولة التعاطف مع إسرائيل، واعتبارها الضحية والفريسة التي وقعت في أيدي جماعات الإرهاب، نتج عنه ازدياد معدلات الكراهية في الغرب ضد المسلمين، وازدياد معدلات كراهية المسلمين للغرب، وازدياد الغضب الشعبي العربي من الدول الغربية الداعمة لإسرائيل، وتدعيم خطاب الكراهية، ممّا يؤثر على  نشر العنف والفوضى وتقويض عملية السلام، وبحسب تقرير نُشر من لجنة في الأمم المتحدة خاصة بالعنصرية فإنّ اللجنة الأممية عبّرت عن قلقها إزاء ما سمّته: "زيادة حادة في خطاب الكراهية العنصري، ونزع صفة الإنسانية الموجه من الإسرائيليين، بمن فيهم مسؤولون كبار إلى الفلسطينيين، منذ وقوع أحداث 7 تشرين الأول (أكتوبر)".

وهنا رصد  المؤشر عدداً من نتائج انحياز وسائل الإعلام الغربية لإسرائيل، منها:

1-ارتفاع معدلات خطاب الكراهية ضد المسلمين، ومن نماذج ذلك: المعلم الألماني الذي صفع تلميذاً مراهقاً لأنّه رفع العلم الفلسطيني، وحظر ألمانيا لارتداء الكوفية الفلسطينية.

2-حملات المقاطعة من الدول العربية، لا سيّما مصر.

3-تنديد الصحف والمواقع الأخبارية بانحياز الإعلام الغربي

وما إلى ذلك من تأثيرات يطول شرحها.

🎞

يبقى القول: إنّ المؤشر لم يتناول أداء وسائل الإعلام في جانب آخر كالصين وروسيا، كما أنّ الإعلام الغربي لم يكن وحده الذي قام باستغلال وتوظيف الأحداث لخدمة إسرائيل، فإنّ بعض وسائل الإعلام المنتمية للتنظيمات الإسلامية المتطرفة قامت أيضاً بتوظيف الحرب لتحقق مكاسب سياسية وإيديولوجية، ولم يذكر المؤشر أسباب هذا الانحياز الإعلامي الغربي إلى إسرائيل؛ هل هو بسبب لوبيات داعمة لإسرائيل، أم لأسباب اقتصادية، أم أسباب عقيدية، أم الإسلام فوبيا، أم أسباب أخرى، وهو ما نأمل أن يخصص له المؤشر تقريراً مستقلاً.

يُذكر أنّ الأمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء يرأسها الأستاذ الدكتور شوقي علام  مفتي مصر، ويتولى منصب الأمين العام الدكتور إبراهيم نجم، مستشار مفتي مصر، ومجلة (جسور) التابعة أمانة العامة لدُور وهيئات الإفتاء يدير تحريرها  الدكتور هاني ضوة، ومدير تحرير المؤشر الدكتور طارق أبو هشيمة.

مواضيع ذات صلة:

يرفضون استغلال القضية الفلسطينية... يمنيون يستعرضون جرائم الحوثي

باحث في الحركات الإسلامية: الإخوان خانوا مصر والقضية الفلسطينية

القضية الفلسطينية بحاجة إلى استراتيجية احتواء هدفها "دولة مستقلة"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية