ندد تقرير أعدّه محققون تابعون للأمم المتحدة، أمس، بهجمات لمقاتلين إسلاميين متشددين في محافظة إدلب. وقد توثقت علاقة تركيا مع طيف من المقاتلين الإسلاميين في شمال غرب سوريا، ونقلت "بي بي سي" عن أبي محمد المقدسي، منظّر الجهاديين الأشهر، أنّ شرعيي "جبهة تحرير الشام/ النصرة سابقاً" في إدلب، باتوا، منذ أعوام، يعتبرون التعاون مع تركيا - برغم علمانيتها-خياراً أساسياً، بل يُنظًرون لذلك الخيار. وكان المقدسي، وجّه نقداً في السابق لتوجه جبهة "تحرير الشام" هذا، بشكل متكرر على قناته على التيلغرام.
لجنة أممية: مقاتلو هيئة "تحرير الشام" التي كانت تعرف في السابق باسم "جبهة النصرة" عذبوا وأعدموا معتقلين
ويرى المقدسي، كما ذكرت "بي بي سي" أنّ زعيم الجبهة أبو محمد الجولاني بات كـ "الغُراب الذي حاول تقليد مشية الحمامة، لم يتقنها فحسب، لا بل نسي مشيته الأصلية".
واتهمت لجنة الأمم المتحدة للتحقيق المعنية بسوريا هيئة "تحرير الشام"، التي تسيطر على جزء من شمال غرب سوريا، بإطلاق نيران المدفعية على مناطق مدنية "بلا هدف عسكري مشروع على ما يبدو". وأضافت أنّ مقاتلي "الهيئة"، التي كانت تعرف في السابق باسم "جبهة النصرة"، عذبوا وأعدموا معتقلين، كما نقلت وكالة "رويترز" للأنباء. وقال باولو بينيرو رئيس اللجنة في إفادة صحفية أمس إنّ "كل الأطراف ارتكبت على ما يبدو جرائم حرب". وأضاف "تعرض الأطفال للقصف في المدرسة، وتعرض الآباء للقصف في السوق، كما تعرض المرضى للقصف في المستشفى. تعرضت عائلات بأكملها للقصف حتى في أثناء الفرار من هذه الهجمات".
وكان الجولاني قد فك ارتباطه بالقاعدة في تموز (يوليو) عام 2016، وغير اسم "النصرة" إلى "الجبهة"، نزولاً عند رغبة قطر وتركيا لتحسين صورة التنظيم القاعدي، ودمجه في استراتيجيات الصراع في الشمال السوري؛ وفق رؤية أنقرة هناك.
ولطالما اشترطت موسكو على تركيا حل "هيئة تحرير الشام" (أي جبهة النصرة) و"حكومة الإنقاذ" التابعة لها في محافظة إدلب. كما طالبت روسيا من تركيا بشكل متكرر طيلة العامين الماضيين بإنهاء الكتائب الإسلامية المسلحة في إدلب، وفرط عقدها في مجمل مناطق الشمال.
وقد شهدت "جبهة تحرير الشام" خروجاً من قبل الأفراد الأقرب إلى خط تنظيم "القاعدة" الإرهابي، وتشكيل تنظيم جديد يعرف باسم "حراس الدين"، بحسب قناة "بي بي سي"، التي لفتت النظر إلى أنّ وضع الولايات المتحدة الأمريكية "جبهة تحرير الشام" على لائحة الإرهاب دفع الجولاني إلى العودة جزئياً إلى تعميق "شرعيته" الجهادية، وأعاد تمويل "حراس الدين".
بؤرة للجماعات الإرهابية برعاية تركية
وعلى مدى الأعوام الأخيرة تحولت إدلب إلى بؤرة للجماعات الإرهابية والمتشددة التي تتبادل المنافع مع تركيا؛ حيث إنّ إدلب كانت الوجهة النهائية لآلاف المسلحين وأسرهم الذين انتقلوا إليها في إطار اتفاقات مع الحكومة السورية، فوصل عدد سكانها إلى نحو مليوني شخص بينهم مئات الآلاف من النازحين واللاجئين من مناطق ريف دمشق، وحلب وحمص وحماه. وتحد محافظة إدلب من الشمال تركيا، ومحافظة حلب شرقاً، ومن الجنوب محافظة حماه ومحافظة اللاذقية من الغرب. وتحتل المرتبة السابعة من حيث المساحة في سوريا، وبلغ عدد السكان حسب إحصائيات ما قبل 2011 ما يقارب المليون وخمسمئة ألف نسمة، وفق ما أوردت "بي بي سي".
ومن المهم التنبّه إلى تأكيد تقرير الأمم المتحدة أمس إلى موضوع الإساءة للأطفال وكونهم ضحية أساسية للصراع في سوريا عموماً وفي إدلب. ويشير الكاتب السوري فايز سارة، في سياق متصل، إلى أنّ الروس جندوا أطفالاً من الأيتام السوريين، وألحقوا بعضهم بكليات عسكرية روسية بهدف تأهيلهم ضباطاً يعودون للخدمة في الجيش السوري ليكونوا بين قادته في المستقبل، حسبما أكدت مصادر روسية رسمية، وزجت ميليشيات "حزب الله" اللبناني بأيتام سوريين في دورات معسكراتها التدريبية في قاعدتها بمدينة القصير، ليكونوا لاحقاً بين أعضاء ومقاتلي الحزب، فيما درج تنظيم "داعش" على تجنيد أطفال وإخضاعهم إلى دورات تدريب عسكري وتربية عقائدية بهدف جعلهم مقاتلين وقادة مستقبليين للتنظيم، وضمت قوات سوريا الديمقراطية (قسد) أطفال المناطق التي تسيطر عليها في شرق الفرات إلى قواتها في إطار سياسة التجنيد الإلزامي، التي أعلنتها في مناطق سيطرتها، وقامت الجماعات المسلحة في مناطق الشمال السوري بتجنيد الأطفال في مراحل مختلفة وإشراكهم في القتال.
ويضيف فايز سارة، في مقال نشرته صحيفة "الشرق الأوسط": "لكن الأخطر فيما قامت به، كان إرسال بعضهم بالاتفاق مع السلطات التركية إلى ليبيا للقتال إلى جانب أحد أطراف الصراع الليبي هناك، فحولت الأطفال إلى مرتزقة وبنادق للإيجار، وهي حالة تقارب نتائج تجنيد أطفال في العصابات الإجرامية المسلحة، التي صارت ظاهرة عامة في غالبية المناطق السورية، سواء الخاضعة لسيطرة النظام أو الخارجة عنه".
الفصائل الجهادية تعتمد الليرة التركية
وقد بدأت السلطات المحلية في مناطق سيطرة الفصائل المقاتلة والجهادية في شمال غرب سوريا باعتماد العملة التركية في التداول اليومي، بعدما سجلت الليرة السورية انهياراً غير مسبوق، وفق ما أبلغ مسؤول محلي وكالة "فرانس برس". وانضمت إدلب بذلك إلى مناطق أخرى في شمال سوريا، تمتد من جرابلس في ريف حلب الشمالي الشرقي إلى عفرين في الريف الشمالي الغربي، بدأت منذ دخول القوات التركية إليها بدءاً من عام 2016 اعتماد العملة التركية تدريجياً إلى جانب الليرة السورية.