كيف أصبحت أمريكا اللاتينية الملاذ الخفي للإخوان المسلمين؟ (1)

كيف أصبحت أمريكا اللاتينية الملاذ الخفي للإخوان المسلمين؟ (1)


30/03/2022

لعل نقطة الارتكاز، التي استند عليها التنظيم الدولي للإخوان في أمريكا اللاتينية، هي مراكز الدعوة الإسلاميّة، وهي نفس الاستراتيجية التي اعتمدتها الجماعة في أوروبا؛ حيث يتم الانتشار والتمدد داخل الأقليات المسلمة، عن طريق المجال الديني، ومن خلاله انتظمت جملة من التحركات على الصعيدين؛ الاجتماعي والاقتصادي، انطلقت عبرها استراتيجية التمكين؛ لتبدو من خلالها الجماعة أكثر فاعليّة في ميدان السياسة.

كان رجل الأعمال الإخواني، أحمد الصيفي، قد شرع في الانطلاق من البرازيل، لعدة عوامل، أبرزها وضع المسلمين هناك، فمن حيث الكم، هم الأكثر عدداً بين الأقليات المسلمة في أمريكا اللاتينية، ومن حيث الكيف، فالمسلمون هناك أكثر تنظيماً، بفضل جهود وزارة الأوقاف المصرية، وجهود الدكتور عبد الله عبد الشكور كامل، الذي أرسلته الأوقاف في العام 1956؛ ليكون مندوباً لها، ومشرفاً على مبعوثي الأزهر والأوقاف في مدينة ساوباولو، حيث تأسّس بفضله أول مسجد للمسلمين، كما تأسّست المدرسة الإسلاميّة البرازيلية، في حي فيلا كارون، بالمدينة ذاتها، في العام 1966، وتم بناء مقابر خاصّة بالمسلمين.

إخوان لبنان واختراق المراكز الإسلاميّة في البرازيل

قد يكون الدكتور عبد الشكور قريباً من الإخوان، لكنّه بأيّ حال لم يكن تنظيمياً، أو ربما حاول إخفاء ذلك، على العكس من عناصر الجماعة الإسلاميّة اللبنانية، الذراع الإخواني في لبنان، والتي نشطت في البرازيل منذ منتصف الستينيات، أمثال: محمد سعيد صالح، وأحمد الصيفي، حيث شرعت تلك المجموعة في اتباع النهج التنظيمي الإخواني، واختراق المؤسات الإسلاميّة التي كان يشرف عليها الشيخ عبد الشكور، وعن ذلك يقول محمد سعيد صالح، القيادي في الجماعة الإسلامية اللبنانية: "كان يجمع الشباب في مسجد ساوباولو مرة في الأسبوع، ويعطيهم درساً، ثم يقوم الشباب بنقله إلى المسلمين في بيوتهم مرتين في الأسبوع، وكان يشجع الشباب المتدين، ويعطيه فرصة للحديث والخطبة، وكان يحاول التراجع خوفاً من تهمة الإخوان".

تأسّست بعد ذلك شبيبة الندوة الإسلاميّة، وكان غالبية قياداتها من إخوان لبنان، وشهدت الشبيبة تنظيم أول مؤتمر إسلامي في أمريكا اللاتينية، العام 1971، وسرعان ما انتشرت الجمعيات الإسلاميّة التابعة للشبيبة، وبلغت نحو 38 جمعية، غلب عليها الطابع اللبناني، وأصدرت الصحف والمجلات الخاصّة بها.

اقرأ أيضاً: كيف يستغل داعش الإسلام ليضع قدمه في أمريكا اللاتينية؟

هذه البنية التحتيّة القوية، شرع الإخوان في الهيمنة عليها تنظيمياً، في العام 1987، حيث أسّس القيادي الإخواني، أحمد الصيفي، مركز الدعوة الإسلاميّة في أمريكا اللاتينية، وفيه انتظمت مجموعة من الأنشطة الدعوية والاجتماعية والاقتصادية، اخترقت المجتمع الإسلامي بشكل كامل، واستهدفت فئة الشباب، عبر الأنشطة الترفيهية، ومعسكرات الكشافة والتخييم، على نفس الأسس التي وضعها المرشد الأول والمؤسّس حسن البنا.

لعل نقطة الارتكاز التي استند عليها التنظيم الدولي للإخوان في أمريكا اللاتينية هي مراكز الدعوة الإسلاميّة

مع الوقت تضخمت موارد مركز الدعوة الإسلامية، وتجاوزت ميزانيته المعلنة، في آخر التقارير، الملياري دولار، ما ساعد على تحقيق المزيد من التمدد، والانتشار في أنحاء القارة، وتعددت الجمعيات والمدارس الإسلامية والمساجد التابعة لمؤسسة الصيفي، أبرزها الهيئة الإسلاميّة للإغاثة، كما حظى المركز برعاية تركية خاصّة، وربطته صلات تنظيمية بالأذرع الإخوانية في المملكة المغربية، وعدد من قيادات منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (الإيسيسكو)، واستقبل المركز عدداً من قيادات التنظيم والمتعاطفين معه، من أمثال: وجدي غنيم، ومحمد العريفي، وغيرهم.

اقرأ أيضاً: كيف تأسس الوجود الإخواني في أمريكا اللاتينية؟

تواصلت عملية التمدّد الإخواني، بفعل توغل الرافد اللبناني، حيث لعبت الجماعة الإسلاميّة دوراً مهماً في ذلك، بفضل التفوق العددي للعنصر اللبناني، بالمقارنة بأبناء الدول العربية الأخرى في أمريكا اللاتينية، فتأسّست رابطة الشباب المسلم في منتصف التسعينيات، وضمت مسجداً وقاعة للمحاضرات، كما أنشئ المجلس الأعلى للأئمة والشؤون الإسلامية في البرازيل، في العام 2005، بمسجد ساوباولو.

رجل الأعمال الإخواني، أحمد علي الصيفي

وبحسب دراسة لمركز المسبار، تمّ إنشاء الاتحاد الوطني الإسلامي في البرازيل في العام 2007، ويضم نحو 22 مؤسسة إسلاميّة، تعد من أكبر المؤسّسات الدعوية العاملة بالساحة البرازيلية، من بينها مركز الدعوة الإسلاميّة في أمريكا اللاتينية، واتحاد المؤسسات الإسلاميّة، والندوة العالمية للشباب المسلم بأمريكا اللاتينية.

اقرأ أيضاً: تركيا توظف "الدبلوماسية الدينية" بأمريكا اللاتينية لتحقيق أهداف سياسية

كما تعتبر دار الفتوى الإسلاميّة البرازيلية، واحدة من أبرز الشركات المساهمة، التي تنتمي إلى جماعة الإخوان، وأسّسها القيادي في الجماعة الإسلامية اللبنانية، محمد المغربي، والذي تربطه علاقات وثيقة بحزب الله اللبناني.

التمدد في دول القارة اللاتينية

انطلاقاً من البرازيل، أرسل علي الصيفي نجله أحمد إلى الباراغواي، والذي شرع في تأسيس بنية مؤسسية للجماعة؛ بالتعاون مع عدد من عناصر التنظيم من جنسيات سورية ولبنانية وباكستانية، وجرت الترتيبات للعمل تحت غطاء خيري، سواء في العاصمة أسونسيون، أو في مدينة فوز دو إيغواسو، التي شهدت اجتماعاً تنظيمياً لعناصر التنظيم في خريف العام 1987، وأثمرت الجهود عن تأسيس جمعية علي بن أبي طالب الخيرية، وبناء مسجد التوبة، وفي أوائل التسعينيات، أشهر الإخوان المركز الإسلامي في الباراغواي، وفي جويانا يعد معهد جويانا الإسلامي، أبرز الأذرع الإخوانية هناك، أما في كولومبيا، فيُعد معهد القرطبي واجهة الإخوان الرسمية في العاصمة بوجوتا.

العام 1987 أسّس أحمد الصيفي مركز الدعوة الإسلاميّة بأمريكا اللاتينية وفيه انتظمت مجموعة من الأنشطة الدعوية والاجتماعية والاقتصادية

وبحسب "المسبار" أيضاً، فإنّ قيادات الإخوان يتوزعون في غالبية دول أمريكا اللاتينية، وأبرزهم: "علي محمد البدون، خالد رزق تقي الدين (رئيس المجلس الأعلى للأئمة)، السوري جهاد حمادة، محمد الباشا، المغربي محسن الحسيني، اللبناني خالد عبد الباقي، اللبناني يحيى عبد القادر داوود، والمصري عمر نبيل علي حسن. وكذلك (جهاد سلیمان) ومن غویانا (سلیمان) ومن شیلي (سیرجیو) ومن فنزویلا (قاسم طجین) ومن الإكوادور (یحیى سوكیلو) ومن بولیفیا (أیمن الترامسي)، وهم من أوفدوا إلى مؤتمر كوالالمبور الذي حضره الرئيس التركي وقادة التنظيم الدولي في العام 2019".

نشاطات مالية مشبوهة

في دراسة بعنوان: "الإسلام الراديكالي في أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، التداعيات على الأمن القومي الأمريكي"، يرى الباحث الاستراتيجي الأمريكي، الدكتور إيفان إليس، أنّ المؤسّسات الإخوانية في أمريكا اللاتينية تقوم بجمع أموال الزكاة من المجتمع الإسلامي هناك، وخاصّة من كبار رجال الأعمال من اللبنانيين، ثمّ تقوم بضخ تلك الأموال ضمن مشروعات استثمارية في الشرق الأوسط، ويتم جمع جزء كبير من هذه الأموال، تحت غطاء دعم القضية الفلسطينية.

 انطلاقاً من البرازيل أرسل علي الصيفي نجله أحمد إلى الباراغواي الذي شرع في تأسيس بنية مؤسسية للجماعة

وبحسب الدراسة نفسها، فإنّ حصيلة أموال الزكاة تقدر بعشرات الملايين من الدولارات، أو أكثر سنوياً من أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي، والغالبية العظمى من هذه الأموال، تتدفق ضمن حزم مالية وأوعية ادخارية، تحت مظلّة الأعمال الخيرية، وتجد هذه الأموال طريقها في النهاية إلى الإخوان.

  مع الوقت تضخمت موارد مركز الدعوة الإسلامية وتجاوزت ميزانيته المعلنة في آخر التقارير الملياري دولار

بالإضافة إلى ذلك تتم عمليات غسيل الأموال عبر فنزويلا والإكوادور، وهي المهمة التي دشنها بنك التقوى في جزر الباهاما، ودخل على الخط الصندوق الثنائي القومي لإيران وفنزويلا، الذي تأسّس في نيسان (أبريل) العام 2008، كما تورط بنك التنمية الدولي (IDB) في فنزويلا، ومصرف COFIEC في الإكوادور في أعمال مشابهة.

ويمكن القول إنّ بنوك ومصارف أمريكا اللاتينية، أصبحت الباب الخلفي لدعم قدرة جماعة الإخوان وتحريك وإيواء أموالها، يضاف إلى ذلك الشركات الخارجية المتعددة، ومنها الوهمية، خاصّة في بنما، والجماعة على دراية كاملة بمعطيات العمل بهذا النصف من الكرة الأرضية، وترغب في استخدام ظروفه دوماً لأسباب مالية.

الصفحة الرئيسية