
في ظل تحركات الإخوان وتحالفاتهم المريبة في أوروبا، ينشط اليمين المتطرف على الجهة الأخرى، متذرعاً بمواجهة الإسلاموية، التي قدمت لليمين مبررات وجوده وتمدده على الساحة السياسية، خاصة في الفترة التي تسبق انتخابات البرلمان الأوروبي، المقررة في الفترة من 6 إلى 9 حزيران (يونيو) الجاري.
وعلى وجه الخصوص، يتحرك اليمين من أجل إثبات فشل الدولة في فرنسا، مستغلاً حوادث العنف والإرهاب التي ترتكب من قبل المتطرفين، وإسقاط ذلك على العرب والمسلمين، فبعد يوم واحد من مقتل ضابطين، في هجوم مسلح على سيارة سجن كانت تقلّ تاجر المخدرات محمد عمرة من أجل تهريبه، ذهبت مارين لوبان، زعيمة اليمين المتطرف، إلى سجن بوردو-جراديجنان، وشوهدت وهي تتحدث مع ضباط في السجن المكتظ، والذي يضم ضعف عدد السجناء المصمم لاستيعابهم. كما تم نشر مجموعة من الصور على وسائل التواصل، تُظهر مرشحة اليمين وهي تستمع إلى ضباط السجن وتدين ما سمّته فشل الدولة.
وتستخدم لوبان هذه الأحداث دائماً للعب بورقة القانون والنظام، مع التأكيد في الوقت نفسه على أنّ السبب في انتشار العنف والجريمة، هو الهوية العربية للمدانين، وهي استراتيجية ما تزال تلقى صدى لدى الناخبين اليمينيين، الذين يعتبرون الهجرة سبباً رئيسياً للأزمات الفرنسية والأوروبية.
مواجهة الإخوان تضر بالمسلمين
كتبت مارين لوبان زعيمة حزب اليمين المتطرف على موقع التواصل الاجتماعي (إكس): إنّ "فرنسا أصبحت دولة مخدرات، أدعو بشكل عاجل إلى سن قوانين استثنائية لمكافحة المافيا لمعاقبة هؤلاء المجرمين، والقضاء على الاتجار بالبشر ووقف الهجرة".
لوبان وعدت بتعزيز إغلاق الحدود لمنع الهجرة، وتكريس "الجذور اليونانية واللاتينية والمسيحية لأوروبا" في معاهدات الاتحاد الأوروبي، وعزل الجذور الإسلامية، من أجل الدفاع عن القيم الأوروبية في مواجهة الإخوان المسلمين. كما شرعت أيضاً في القيام بجولة في فرنسا وأوروبا للتحدث علناً عن خطر الأسلمة، وبررت نزعتها العنصرية باستفحال الخطر الإخواني في أنحاء أوروبا.
وفي تحرك خارجي، هاجمت لوبان قيام عمدة مدينة فرانكفورت الألمانية بتعليق زينة رمضان، كما اعترضت على إنشاء مدرسة للقرآن في شاتو دي شينون. وقالت: إنّ وجودها ضار، وإنّ الأمر له علاقة بالإخوان المسلمين، واتهمت بعض النواب الفرنسيين، ووصفت حزب الجمهوريين المحافظ بأنّه يميني إسلامي.
وقالت لوبان في مؤتمر صحفي عُقد في 13 أيّار (مايو) الماضي: "نحن الوحيدون الذين جعلنا الدفاع عن حضارتنا حجر الزاوية في برنامجنا". متعهدة بمحاربة الإسلام كجزء من قضية أوروبية مشتركة، بحسب مزاعمها.
تزايد نفوذ حزب الاسترداد
يحظى حزب الاسترداد اليميني المتطرف في فرنسا بدعم ما بين 6% إلى 8% من الناخبين الفرنسيين، بحسب استطلاعات الرأي الأخيرة. واقترح الحزب، الذي تأسس في أواخر عام 2021 على يد اليميني المتطرف إيريك زمور، سن قوانين صارمة، لحماية أوروبا من الهجرة، وحظر حرية الحركة لغير الأوروبيين.
وكردّ فعل لتحركات الإخوان، حاول حزب الاسترداد توظيف التطرف الإسلاموي، لوصم كل المسلمين بالتطرف، ويريد الحزب فرض حصار عسكري بحري في البحر المتوسط، ووضع حدود عازلة خارج الحدود الرسمية، من خلال اتفاقيات التعاون مع دول البحر المتوسط، لمكافحة الهجرة من دول شمال أفريقيا بشكل خاص.
ويتحجج اليمين الفرنسي بنفوذ الإخوان في أوروبا، ليرفض أيّ شيء قد يؤدي إلى قيام اتحاد فيدرالي أوروبي، وأيّ شكل من أشكال التعاون الاقتصادي، على غرار فرض ضرائب أوروبية موحدة، أو سندات مشتركة، كما يرفض تأسيس جيش أوروبي. ومن بين المقترحات الرئيسية إلغاء المفوضية الأوروبية، السلطة التنفيذية للاتحاد الأوروبي.
وكان وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين قد أعلن أنّه يريد "القتال ضدّ جماعة الإخوان المسلمين"؛ بسبب ما تمثله من خطر على القيم الأوروبية، وفقاً لتقارير الاستخبارات الإقليمية. وقال إنّه في "سباق مع الزمن"، في معركة ثقافية/مؤسسية، ضدّ منظمة شرسة. ووصف دارمانين آليات العمل اللازمة لمواجهة الإخوان بأنّها يجب أن تكون من نوع خاص؛ لأنّ التنظيم الإخواني لا يستخدم الإرهاب التقليدي بشكل مباشر، بل يستخدم أساليب أكثر ليونة ومرونة، لكنّه يعمل بفعالية من أجل تحويل جميع شرائح المجتمع تدريجياً إلى المصفوفة الإسلاموية.
الإخوان حصان طروادة لليمين في إيطاليا
كان الإخوان سبباً رئيسياً في صعود اليمين المتطرف في إيطاليا، حيث يعيش في إيطاليا ما يقرب من (2.7) مليون مسلم، أي ما يعادل حوالي 4.9% من السكان، مستهدفين من قبل الحكومة الائتلافية الحالية بقيادة حزب إخوان إيطاليا اليميني. وهم ثاني أكبر مجموعة دينية في البلاد بعد المسيحيين، لكنّ الحكومات المحلية ورؤساء البلديات يفرضون حالياً قيوداً على حق المسلمين في ممارسة شعائرهم الدينية، بداعي سيطرة الإخوان على المساجد والجمعيات والمراكز الإسلامية، ففي مونفالكوني، وهي بلدة تقع في الجزء الشمالي من شبه الجزيرة الإيطالية، وبعد أن هيمن الإخوان على المساجد، وروجوا لخطاب انفصالي يدعو إلى العزلة، فرضت الإدارة المحلية جملة من القيود بداعي مواجهة التطرف.
ويعاني المسلمون في إيطاليا من الضغوط التي يمارسها الإخوان، عبر الجمعيات والمراكز الثقافية من جهة، وصرامة الإجراءات التي تقوم بها حكومة الائتلاف اليميني الحاكم من جهة أخرى، بداعي تقويض نفوذ الإخوان، وهيمنتهم على الجالية المسلمة، خاصّة في تورينو، التي يسيطر الإخوان على المساجد الرئيسية والجمعيات فيها.