كأس العالم والصحة: حالات انتحار أقل والمزيد من النوبات القلبية

كأس العالم والصحة: حالات انتحار أقل والمزيد من النوبات القلبية

كأس العالم والصحة: حالات انتحار أقل والمزيد من النوبات القلبية


كاتب ومترجم جزائري
26/12/2022

ترجمة: مدني قصري

أثبتت العديد من الدراسات أنّ المصاعد الانفعالية للرياضة يمكن أن يكون لها تداعيات كبيرة.

مع ستة أهداف وركلات الترجيح جعلت العديدُ من التقلبات والمنعطفات مباراة الأرجنتين وفرنسا يوم الأحد 18 كانون الأول (ديسمبر) 2022 تسجَّل في التاريخ. حتى إنّ البعض وصف هذه النهائيات بـ "أجمل نهائيات كأس العالم". لكنّ وراء صرخات الفرح أو دموع المشجعين يمكن أن تكون آثار هذه المنافسة أكثر خطورة. يمكن أن يكون للأنظار الموجّهة إلى أحذية اللاعبين والانفعالات الناتجة عن هذا الضغط العصبي المتكرر عواقب حقيقية للغاية على صحتنا.

لحظات جامعة موحِّدة

لكأس العالم على معنوياتنا أوّلاً وقبل كل شيء تأثير إيجابي. وقد تم بالفعل تسليط الضوء على هذه الظاهرة من خلال الدراسة التي أجريت بعد اللقب الدولي الأول للفرنسيين في عام 1998. لقد أظهر الباحثون انخفاضاً ملحوظاً في معدل الانتحار (-10,3٪) خلال الشهر الذي شهدته المنافسة، مع انخفاضات قوية ( -19,9٪) في الأيام التالية لكل مباراة خاضها الفريق الفرنسي.

تمثل العزلة الاجتماعية أحد أسباب الانتحار، وهو ما أطلق عليه عالم الاجتماع إميل دوركهايم اسم اللامعيارية  Anomie. (اللامعيارية هي الحالة التي تقل فيها قدرة المجتمع على التوجيه الأخلاقي لأفراده). ومع ذلك فإنّ نهائيات كأس العالم هي لحظات جامعة وموحِّدة، كما هو الحال نادراً. لوحظ هذا التأثير أيضاً خلال أحداث جامعة أخرى، حتى الأحداث المؤسفة، مثل الحروب على سبيل المثال. وبالتالي فإنّ المونديال يكسر العزلة الاجتماعية، ولو مؤقتاً.

تمثل العزلة الاجتماعية أحد أسباب الانتحار

يهم هذا الانخفاض الكبير بشكل رئيسي الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 30 و44 عاماً. يقول الباحثون: "يمكن تفسير التأثير الملحوظ على الرجال من خلال كونهم متفرجين أكثر تفاعلاً من النساء".

وهكذا، قبل المباراة النهائية يوم الأحد طلب العديد من المرضى الذين دخلوا المستشفى بسبب أزمة انتحارية الإذن بمشاهدة المباراة مع العائلة أو الأصدقاء. وهتف مشجعو ليفربول "لن تمشي بمفردك".

%25 زيادة نسبة النوبات القلبية بعد ركلات الترجيح

مرة أخرى في عام 1998. خلال دور الـ16 لكأس العالم لكرة القدم واجهت إنجلترا الأرجنتين. بعد أربعة أهداف انتهت المباراة مرة أخرى بركلات الترجيح. ومرّة أخرى فاز الأرجنتينيون.

أحصت إحدى الدراسات أسباب الاستشفاء في إنجلترا بعد مباريات مونديال 1998، خاصة بعد دور الـ16. وكان تشخيص مؤلفي الدراسة واضح: خلال اليومين التاليين لذلك اللقاء المشوق كانت هناك زيادة بنسبة 25٪ في حالات احتشاء عضلة القلب. كيف نفسر ذلك؟

أظهر الباحثون انخفاضاً ملحوظاً في معدل الانتحار (-10,3%) خلال الشهر الذي شهدته المنافسة، مع انخفاضات قوية    ( -19,9%) في الأيام التالية لكل مباراة خاضها الفريق الفرنسي

يمكن أن تسبب الأفعوانية الانفعالية تقلصات الأوعية الدموية، وبالتالي ترفع خطر أمراض القلب والأوعية الدموية.

أظهرت دراسات أخرى أنّ مستويات هرمون التستوستيرون والكورتيزول، المرتبطة بالتوتر العصبي تزداد بشكل ملحوظ عند المشجعين (على التوالي + 29%٪ و + 52%٪). "يمكن للتأثير الانفعالي للأحداث المحفزة أن يعطل الغدد الصماء العصبية والدورة الدموية والجهاز البطاني (الغشاء المبطّن للأوعية الدموية والقلب). وأوضح مؤلفو الدراسة أنّ هذا يمكن أن يؤدي إلى تمزق لويحات تصلب الشرايين، مما قد يؤدي إلى انسداد الشرايين التاجية.

في ما يتعلق بالسكتات الدماغية كان بالإمكان أيضاً أن يتوقع الباحثون زيادة، لكنّ هذه الزيادة تناقَش في الأدبيات العلمية أكثر من مناقشة احتشاء عضلة القلب. التشنجات الوعائية التي يمكن أن تثير انفعالات قوية كما كان الحال أثناء مباراة كرة القدم لها عواقب على مستوى القلب أكثر من تأثيرها على المستوى العصبي. ولنفس هذا الإجهاد النفسي نُسِبت جميع حالات الشرايين التاجية لمتفرجي منتخب فرنسا طوال المونديال حتى حصيلة يوم الأحد.

هل الرجال أكثر تعرّضاً للإصابة؟

مَن هم المتأثرون أكثر بشكل خاص؟ توصل تحليل تلوي لعام 2018 (التحليل التلوي هو تحليل في عِلم الإِحصاء يتَضَمَّن تطبيق الّطُرُق الإحصائيّة على نَتائِج عِدّة) والذي جمع جميع الدراسات المنشورة حول أحداث القلب والأوعية الدموية المتعلقة بمشاهدة الألعاب إلى الاستنتاجات ذاتها تقريباً. ترتبط مشاهدة مباراة كرة القدم بخطر أكبر للإصابة باحتشاء عضلة القلب لدى الرجال والنساء على حد سواء.

ترتبط مشاهدة مباراة كرة القدم بخطر أكبر للإصابة باحتشاء عضلة القلب لدى الرجال والنساء على حد سواء

يشير الباحثون في دراستهم إلى أنّ هذا قد لوحظ بالفعل في أوقات أخرى من الإجهاد النفسي، مثل الزلازل أو الحروب. مرة أخرى  يمكن أن تسبب الأفعوانية الانفعالية التي يواجهها المتفرجون أيضاً خلف شاشاتهم تقلصات في الأوعية الدموية، وبالتالي تزيد هذه الأفعوانية من خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية. لكن لا يتأثر الجميع بنفس الطريقة، ويذكر الباحثون أنّ الهشاشة الأصلية تلعب بالطبع دوراً مُهِمّاً.

يمكن أن تكون آثار المنافسة الكروية أكثر خطورة ويمكن أن يكون للأنظار الموجّهة إلى أحذية اللاعبين والانفعالات الناتجة عن هذا الضغط العصبي المتكرر عواقب حقيقية

وهكذا فإنّ الرجال - ولا سيما أنصار الفريق الخاسر - معرّضون بشكل خاص لخطر الإصابة باحتشاء عضلة القلب، ممّا يؤدي إلى الوفاة. الفرق بين الرجال والنساء "يمكن تفسيره بالاختلاف في الاهتمام بكرة القدم، والضعف تجاه المحفزات الانفعالية. المتفرجون الذكور يهتمّون بقدر أكثر بمباريات كرة القدم، لكنهم يهتمّون أيضاً بالكحول والتبغ، ويقل اهتمامهم بالرعاية الطبية"، حسب تحليل مؤلفي الدراسة.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

www.slate.fr



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية