
محمد غندور
منذ "توقف" الحرب الإسرائيلية على لبنان لم نسمع خطاباً واقعياً من مسؤولي "حزب الله". وكثيراً ما كان الكلام عن استمرارية القتال والتجهز للمرحلة المقبلة، أما الأخطاء التي حصلت فلم يتطرق إليها حديث أو تصريح لمسؤول ما.
في حديث مصور لمسؤول ملف الموارد والحدود في "حزب الله" النائب السابق نواف الموسوي يقول بواقعية مفرطة، إن أمن الحزب أخطأ في التعامل مع الحرب وارتكب هفوات كان من الممكن تفاديها، وينتقد الأداء الذي أوصل إلى اغتيال أمينين عامين والجهة التي فحصت أجهزة البيجر.
كلام لن يمر مرور الكرام، إذ توالت ردود الفعل على المقابلة التلفزيونية التي يمكن القول إنها صدام حاد بين الجانبين السياسي والأمني في الحزب، وهذا كثيراً ما عُدَّ من المحرمات.
مقابلة مثيرة للجدل
يعد الموسوي في مقابلته المثيرة للجدل أن "إنجازات الإسرائيلي التي يتفاخر بها ضدنا لم تكن ناجمة عن ذكاء، بل عن قصور لدينا وأحياناً تقصير، مثل هجوم البيجر" الذي أودى بحياة 37 مقاتلاً وجرح أكثر من 4 آلاف شخص.
وأضاف "أنا لو أتتني ساعة هدية أرسلها إلى الأمن الوقائي لدينا لفحصها، عندما كنت أذهب إلى السيد نصرالله كنت أخضع كل خواتمي وأزرار قميصي وكل شيء للتفتيش، فكيف أحمل بيجر من دون فحصه؟".
وأكمل نواف الموسوي في استغرابه الشديد للتقصير الذي حصل، موضحاً أن مؤسس قوات الرضوان "الحاج عماد مغنية هو من اخترع تفخيخ البيجر أثناء عمله، ليست القصة جديدة علينا".
وكشف عن أن نصرالله شعر أن "هناك خرقاً تقنياً، فاعتمد مراسلة الأوراق كما نعتمدها الآن"، وفي كلام مغاير عن تصريح نائب "حزب الله" حسن فضل الله الذي قال إن هاشم صفي الدين هو من رفض مغادرة مقر عمليات "حزب الله"، أوحى الموسوي في حديثه إن صفي الدين خجل من أن يقوم بالخطوة.
وهنا انتقد الموسوي بصورة مبطنة الجهاز الأمني الحزبي، كيف وقع في نفس الخطأ مرتين، وكيف له أن يسكن صفي الدين في مكان مشابه لمكان اغتيال نصرالله، ولماذا أساساً لم يُخرج من الضاحية!
المنطق
ما يقوله الموسوي منطقي وواقعي وقد تكون المرة الأولى التي يتحدث فيها مسؤول حزبي بهذه الصراحة، لكن القريب من بيئة الحزب يعرف أن هذا الكلام يقال يومياً، والانتقادات توجه للجهاز الأمني من داخل البيئة الحاضنة والكلام عن وجود عملاء في الصف الأول للحزب أيضاً موجود، لكنه لا يظهر إلى الإعلام.
ويقال أكثر من ذلك أيضاً، حول تورط الجنوب تحديداً في فتح جبهة كان يفترض أن تبقى نائمة. ومن الأسئلة التي يطرحها مقاتلو الحزب أيضاً "لدينا صواريخ مدمرة، لماذا لم نستعملها واعتمدنا على صواريخ بدائية؟". هذا السؤال تحديداً تجده يتنقل بهمس بين المقاتلين، لكن من دون إجابة منطقية.
ويمكن استخلاص كثير مما قاله نواف الموسوي، فالرجل قيادي بارز في الحزب وكان سابقاً نائباً في البرلمان اللبناني ومسؤول العلاقات الخارجية في الحزب، ومطلع على صناعة القرار.
من الأمور التي يجب التوقف عندها ما قاله إن عماد مغنية سبق إسرائيل إلى عملية تفجير البيجر. وفي مراجعة بسيطة لما هو معروف عن عمليات الحزب الخارجية لا نجد ما له صلة بالبيجر، لكن إن صح كلام المسؤول في "حزب الله" فهذا يفتح نقاشاً واسعاً، وبخاصة أن الحزب بعد تنفيذ إسرائيل عمليتها عدَّ ما حصل غير أخلاقي وهو موجه بصورة أساس ضد المدنيين. فكيف يمكن قبول ذلك، خلال وقت سبق الحزب إسرائيل إلى هذا النوع من العمليات؟
ويفهم من الانتقادات التي أطلقها الموسوي أن الجهاز الأمني في الحزب غير كفوء، وأخفق في حماية القياديين وأنهم غير مؤهلين لهكذا وظيفة، وهذا يمكن أن يكون أول مواجهة علنية بين الجناحين السياسي والأمني في الحزب.
وهذه الجرأة التي تكلم بها النائب السابق والحديث عن أنه كان يتمنى ألا يبقى بعد هذه الحرب ويرحل مع من سبقوه، يمكن أن تظهر حال الإحباط السياسي داخل المؤسسة الحزبية، وفتح المجال أمام الأصوات المنتقدة لتدلو بدلوها.
يُذكر أن الحزب أطلق مراجعة داخلية منذ بدء سريان اتفاق وقف إطلاق النار لتحديد الأخطاء ومحاسبة المقصرين، إلا أنها ظلت مراجعة داخلية لم تخرج إلى العلن. ولم يسبق لأي من قيادات الحزب السياسية أو العسكرية أن تجرأ على الحديث بصراحة ووضوح عن الأخطاء التي ألحقت الضرر بالحزب وبيئته، كما فعل الموسوي في مقابلته الأخيرة.
رد أوّلي
وفي رد أولي ومقتضب على تصريحات نواف الموسوي، قال القيادي في "حزب الله" غالب أبو زينب "مع احترامي الشديد للسيد نواف الموسوي إلا أن تصريحاته الأخيرة كانت تقديراً شخصياً وقراءة خاصة، وما جرى داخل صفوف الحزب لم يكن تقصيراً أو قصوراً والشباب عملوا اللي عليهم".
وأضاف أن الحزب ملأ الشواغر في مراكزه العسكرية وثمة تحقيقات تجري حول ما إذا تمكنت إسرائيل من معرفة مكان نصرالله ومنشآت الحزب، من خلال مسح جوي للضاحية".
وتشير بعض المعلومات الصحافية إلى أن تصريحات الموسوي أثارت استياء عارماً داخل أوسط الحزب ومؤيديه، وثمة من يقول إن هناك توجهاً يقضي باتخاذ تدابير مسلكية في حق الموسوي قد تصل إلى طرده نهائياً من صفوف الحزب، أو في الأقل تجميد عضويته وإقالته من منصبه الحالي.
الخطورة في ما قاله الموسوي أنه يناقض تماماً ما يروج له الحزب منذ وقف إطلاق النار حول النصر تحديداً، وتكمن الخطورة أيضاً من وجهة نظر الحزب أن ما حصل قد يشجع آخرين على الحديث عن كل هذا الضعف والانهزام الذي مر به الحزب، وبخاصة من داخل بيئته الحاضنة.
هي ليست المرة الأولى التي يواجه فيها نواف الموسوي كل هذا الهجوم، فأفعاله السابقة استدعت من الحزب اتخاذ إجراءات عقابية بحقه، إذ أجبره على الاستقالة من مجلس النواب خلال يوليو (تموز) 2019 وجمد عضويته بعد ارتكابه أخطاء سابقة، أبرزها اقتحامه مخفراً لقوى الأمن الداخلي في بلدة الدامور الساحلية، واعتداؤه على طليق ابنته الذي كان محتجزاً هناك إثر مطاردته لطليقته والتعرض لها.
وخلال فبراير (شباط) 2019، أثارت تصريحاته عن وصول رئيس الجمهورية السابق ميشال عون بـ"بندقية المقاومة" إلى قصر بعبدا ووصول رئيس الجمهورية السابق بشير الجميل عام 1982 "على ظهر دبابة إسرائيلية" غضباً في الأوساط المسيحية، فاضطر "حزب الله" للاعتذار علناً عن هذه التصريحات وجمد عمله البرلماني، ومُنع من التحدث في مجلس النواب وكذلك من حضور اجتماعات "كتلة الوفاء للمقاومة"، لكن الموسوي عاد إلى عمله السياسي خلال أبريل (نيسان) من العام نفسه.
وفي انتخابات 2022 النيابية مُنع الموسوي من الترشيح على لوائح "حزب الله"، لكنه حصل على مسؤولية ملف الموارد والحدود في الحزب.
اندبندنت