"لن تتردّد في استخدام القوة عند الحاجة لذلك من أجل الدفاع عن مصالحها"؛ عبارة وردت في وثيقة الأمن القومي الأمريكي، التي صدرت في غضون 45 يوماً من وصول الرئيس جو بايدن للحكم، بينما حددت الملامح العامة والإستراتيجيات الخاصة بالإدارة الديمقراطية الجديدة، تحديداً فيما يتصل بسياساتها الخارجية.
الصين باعتبارها خطراً
وضعت وثيقة الأمن القومي الأمريكي الصين على قمة أولوياتها، وقد وصفتها بـ "الخصم الرئيس المحتمل"، كما ألمحت إلى أنّ بكين تشكّل تهديداً لـ "استقرار النظام العالمي والاقتصاد العالمي المفتوح".
وفي حين ذكرت الوثيقة الأمريكية روسيا باعتبارها تقع في نظاق أولوياتها، هي الأخرى؛ فإنّ بكين تنفرد بالأهمية القصوى في نظر واشنطن وذلك لأنّها "تهدد مصالح واشنطن وقيمها"، ومن ثم، شدّدت على ضرورة "الردّ على سلوك الصين"، بالإضافة إلى مواجهة "الممارسات التجارية غير العادلة وغير المشروعة والقرصنة الإلكترونية، والممارسات الاقتصادية التي تؤذي العمال الأمريكيين".
ومع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، والتي تتشكل على إثرها الأوضاع الجيوسياسية في العالم من جديد، فإنّ ثمّة جبهة أخرى من الصراع تبدأ ملامحها مع بكين، وذلك في ظلّ التصعيد القائم بين الأخيرة وواشنطن، وقد أعلنت وزارة الخارجية الصينية، الإثنين الماضي، إدانتها ومعارضتها "الشديدة" لموافقة الولايات المتحدة على صفقة لبيع أسلحة إلى تايوان.
وقالت الناطقة الرسمية بلسان الخارجية الصينية، ماو نينغ: "الصين تعارضهم وتدينهم بشدة وسنتخذ إجراءات قوية وحازمة للدفاع عن سيادتنا ومصالحنا الأمنية".
وتابعت: "مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى مقاطعة تايوان الصينية تشكل انتهاكاً صارخاً لمبدأ صين واحدة ولأحكام البيانات المشتركة الثلاثة بين الولايات المتحدة والصين".
ورأت الناطقة بلسان الخارجية الصينية أنّ مبيعات الأسلحة تؤدي إلى تقويض سيادة الصين ومصالحها الأمنية، و"تضرّ بشدة بالعلاقات الأمريكية الصينية والسلام والاستقرار في مضيق تايوان، وترسل بإشارة خاطئة خطيرة إلى القوى الانفصالية المؤيدة لاستقلال تايوان".
وضعت وثيقة الأمن القومي الأمريكي الصين على قمة أولوياتها، ووصفتها بـ "الخصم الرئيس المحتمل"، كما ألمحت إلى أنّ بكين تشكّل تهديداً على "استقرار النظام العالمي والاقتصاد العالمي المفتوح"
اللافت أنّ صفقة الأسلحة التي أعلنت عنها واشنطن لتايوان، نهاية الأسبوع الماضي، وقيمتها 1.1 مليار دولار، تتزامن وتنامي التوترات مع بكين، وكذا إعلان الرئيس الأمريكي عقد قمة لزعماء جزر المحيط الهادئ، نهاية الشهر الجاري، للحدّ من نفوذ الصين في المنطقة ذات الأهمية الاقتصادية لواشنطن وحلفائها، كما أنّ هذه الصفقة، التي ترفع منسوب التوتر الذي على ما يبدو مقصوداً، تمّ تدشينها بعد قرابة شهر على زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، لتايوان، والتي بعثت بمخاوف شديدة لدى الصين حيال تلك الخطوة المثيرة، ومن ثم، قامت (بكين) بتنفيذ أكبر مناورة عسكرية في تاريخها حول الجزيرة التي تعتبرها ضمن أراضيها.
ووفق بيان الخارجية الأمريكية؛ فإنّ هذه الصفقة الضخمة تتضمن "60 صاروخاً من طراز هاربون، تستطيع إغراق سفن حربية، و100 صاروخ قصير المدى من طراز سايد ويندر قادر على اعتراض صواريخ أو طائرات دون طيار، وعقد صيانة لنظام الرادارات التايواني".
وقال البيت الأبيض إنّه "سيزود تايوان بما تحتاجه للحفاظ على قدراتها الدفاعية في ظل استمرار الصين بزيادة الضغط عليها".
تايوان والضغط على بكين
وإلى ذلك، قال ناطق بلسان الخارجية الأمريكية؛ إنّ المبيعات الجديدة "تخدم المصالح الاقتصادية ومصالح الأمن القومي للولايات المتحدة من خلال دعم جهود تايوان لتحديث قواتها المسلحة".
وأضاف: "مبيعات الأسلحة هذه ضرورية لأمن تايوان وسنواصل العمل مع صناعة الدفاع لدعم هذا الهدف"، كما طالب بضرورة "إنهاء ضغوطها العسكرية والدبلوماسية والاقتصادية على تايوان والدخول في حوار بدلاً من ذلك"، وتابع بأنّ "الولايات المتحدة تواصل دعم الحلّ السلمي للقضية، بما يتفق مع رغبات الشعب التايواني ومصالحه".
إذاً، الوضع السياسي الدولي يبدو معقداً بسبب ملفات كثيرة في المنطقة والعالم، منذ عام 2011، وهو العام الذي أعلن فيه الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما "تحوله إلى الشرق"، حسبما يوضح الباحث الروسي في جامعة الصداقة بين الشعوب في موسكو، ديميتري بريجع، والذي يصف هذه الانعطافة الأمريكية بـ "المثيرة للجدل"، موضحاً لـ "حفريات"؛ أنّها تسبّبت في "زيادة التوترات في شرق وجنوب شرق آسيا، حيث كان الهدف غير الرسمي للاحتواء هو الصين".
ويتابع: "الانعطافة إلى الشرق كانت بمثابة أول مناورة إستراتيجية موجهة ضدّ جمهورية الصين الشعبية في القرن الحادي والعشرين".
ومنذ عام 2018، بدأت المواجهة بين بكين وواشنطن تدخل في طور أكثر حدة.
الباحث الروسي ديميتري بريجع لـ"حفريات": الانعطافة الأمريكية للشرق تسببت في زيادة التوترات في شرق وجنوب شرق آسيا، حيث كان الهدف غير الرسمي للاحتواء هو الصين
وتنظر الصين إلى العلاقات مع الولايات المتحدة بـ "نوع جديد من العلاقات بين القوى العظمى"، وفق بريجع، والذي يقوم على التعاون البراغماتي.
ووصفت الولايات المتحدة في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب الصين بأنّها "منافس إستراتيجي" لكنّ بايدن جاء بـ "خطاب آخر يقوم على المواجهة"، ومن ثم، ذكرت الإدارة الأمريكية، مراراً وتكراراً، بأنّ الصين هي "المنافس الإستراتيجي الأكثر أهمية".
هل تنجح واشنطن؟
وبسؤال الباحث الروسي في جامعة الصداقة بين الشعوب في موسكو عن الخطاب المعادي تجاه الصين، وكذا السياسات المتوقعة تجاه الصين، أجاب: "يتم تفسير الخطاب الحالي المعادي للصين من خلال عدة عوامل، منها تقييم وتصنيف الولايات المتحدة للصين باعتبارها تمثل تهديداً لها، مع الأخذ في الاعتبار أنّ تعميم القيم الأمريكية على الشعوب الأخرى يعد إحدى الركائز الأساسية للسياسة الخارجية الأمريكية، كقوة عظمى، وتورى أمريكا أنّ نظامها السياسي هو الأفضل في العالم (إلى جانب الأنظمة الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية والتعليمية والنقدية).
ورغم أنّ بكين وواشنطن لديهما مصالح وارتباطات اقتصادية وتجارية إلا أنّ الولايات المتحدة تظهر سوء فهم كبير لخصائص طريقة الحياة الصينية، على المستوى السياسي والقيمي والثقافي والاقتصادي، وتحديداً ما يتصل بأنماط الإنتاج، وفق بريجع، كما يتم تقييم الصين، والحديث للمصدر، من موقع الامتثال للمعايير الغربية والنظرة الغربية للعالم، لكنّ الروح الصينية لها "قلب كونفوشيوسي يحدّد القيم الأساسية"، و"عقل طاوي يطور الاستراتيجيات".
وحول قمة بايدن وزعماء جزر المحيط الهادي المتوقع إجراؤها نهاية الشهر الجاري، والنتائج أو الإستراتيجيات المحتملة التي ستسفر عنها، يرى بريجع؛ أنّ "القمة يمكن أن تفاقم الأزمات بدلاً من أن تخفف وطأتها؛ لأنّه من الواضح أنّ الولايات المتحدة الأمريكية تحاول التأثير على الدور الصيني في العالم، وترى أنّ انحساره بات أمراً ضرورياً؛ لأنّه يهدد مصالح واشنطن، ولذلك من المرجح تنامي التوترات مع الدول القريبة من بكين، كما هو الحال مع تايلاند".
وأعرب بريجع عن اعتقاده بأنّ "هناك مناطق أخرى قد تتأثر بالصراعات؛ حيث إنّ واشنطن تستخدم المناطق التي يجري تفخيخها بالأزمات كورقة ضغط لإضعاف الصين وتعطيل نشاطها الاقتصادي. وفي المحصلة، الولايات المتحدة لن يكون بمقدورها تحقيق الأهداف النهائية والإستراتيجية المتمثلة في إسقاط الصين أو ضرب اقتصادها؛ لأن الصين لديها قاعدة اقتصادية قوية ومؤثرة وارتباطاتها الخارجية على هذا المستوى شديدة التعقيد".
مواضيع ذات صلة:
- الصين تجري مناورة هي الأضخم في تاريخها وتايوان تتأهب.. ماذا يحدث؟
- روسيا تفلت من مصيدة العقوبات الغربية... ما علاقة الصين والهند؟
- كيسنجر "العجوز" مستشرفاً المستقبل: راعِ مصالح روسيا لتتجنّبَ الصين