قطر في أفريقيا... معادلة الخسارة والربح

قطر في أفريقيا... معادلة الخسارة والربح

قطر في أفريقيا... معادلة الخسارة والربح


24/05/2023

منذ فرض عقوبات خليجية وعربية على دولة قطر في العام 2017، وحتى بعد رفعها في العام 2021، حاولت قطر الاصطفاف وراء تركيا، رغم أنّها حاولت إظهار نفسها كدولة قوية ذات مواقف مستقلة، وكانت تحاول أن تجرّ قاطرة حلف عربي لدول محكومة بالإسلام السياسي؛ مستعملة ورقة الإخوان المنتشرين عبر تنظيمهم الدولي في أفريقيا، لكن في الحقيقة هي كانت تواكب المشروع التركي القائم على التوسّع في النفوذ في شمال أفريقيا، وفي السودان، وفي العمق الأفريقي، وكان جزء كبير من هذه السياسة مدعوما بالتمويل القادم من قطر. 

وبالتالي، لا يمكن الحديث عن توغّل قطري في هذه الدول بمعزل عن الدّعم التركي، رغم محاولة الدوحة في كثير من الأحيان الخروج من تحت جناح الأتراك، لكنّها كانت محاولات غير ناجحة، ومغامرة غير محسوبة العواقب، وها هي الآن بصدد خسارة الكثير جرّاء وجودها هناك، وهي خسارة أكبر بكثير ممّا يمكن أن تكون جنته؛ فالتوازنات الاستراتيجية في المنطقة أكبر من تفوق التصور القطري التركي.

انحسر دور قطر في القارة السمراء على الديبلوماسية، ومحاولة لعب دور الوسيط بين المتخاصمين الأفارقة، وهو دور ضعيف الأثر على الأرض؛ بحكم أنّ الأفارقة تعلّموا كيف يأخذون ولا يعطون؛ وذلك بعد عقود طويلة من تعرّضهم للاستنزاف والاستغلال.

وبالفعل تقوم قطر اليوم بأكبر نشاط دبلوماسي في أفريقيا، وأصبحت الدوحة العاصمة التي يذهب إليها الجميع من القارة السمراء؛ فيتمتعون بنزلها وعطاياها، ثمّ يديرون لها ظهورهم نحو القوى الكبرى التي تخطب ودّهم مثل: الصين وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية. تماماً مثل الدور الذي لعبته في المصالحة الأفغانية بين طالبان والولايات المتحدة، والذي لم تغنم منه شيئاً سوى القليل.

وبالتالي، فدور قطر في أفريقيا، ورغم الدعاية الإعلامية، لم يجعلها تغنم شيئاً في أفريقيا التي يتصارع عليها كبار القوم، ولن تجد فيها مكاناً على الموائد، ولن تلعب بذلك سوى دور الوسيط الذي الذي يتاجر كثيراً من الأحيان في الاستثمارات قليلة المردود.

بادرت قطر إلى الاستثمار في دول أفريقية عدّة؛ كنوع من ردّ الجميل لموقفها خلال فترة المقاطعة، ولتظهر كقوة مالية بامكانها تغيير الواقع الجيوسياسي الأفريقي، وخصّصت لذلك أموالاً ضخمة، فعلى سبيل المثال في العام 2019 وافقت قطر على استثمار ب 60% في مشروع بقيمة (1.3) مليار دولار، لبناء أكبر مطار في شرق أفريقيا، هو مطار رواندا الجديد، الذي من المتوقع أن يكون مركزاً إقليمياً للطيران.

وفي العام 2020 اشترت الخطوط الجوية القطرية 49% من شركة الخطوط الجوية الرواندية المملوكة للدولة. هذا فضلاً عن الاستثمار في الطاقة، حيث أعلنت مجموعة (جينيك) الأسترالية للطاقة عن اعتزام قطر الاستثمار بالمجموعة بقيمة (6) مليارات دولار في (9) دول أفريقية.

وتعمل قطر الآن بنشاط على توسيع مصالحها الاقتصادية في شرق أفريقيا، لا سيّما في رواندا وإثيوبيا وكينيا وتنزانيا، وتتولى التنقيب عن النفط والغاز في شرق أفريقيا، لكنّها استكشافات في أغلبها تتمّ بآليات تركية، كما أنّ الربح الأكبر منها يذهب إلى الاقتصاد التركي.

ويرى مراقبون أنّ الاستثمارات القطرية في أفريقيا هي استثمارات خاسرة في أغلبها، نظراً لهشاشتها؛ بسبب التحول في المواقف السياسية بين الفينة والأخرى في الدول المستثمر فيها، وهو ما يجعل هذه الاستثمارات مهدّدة في كل لحظة، إضافة إلى عوائدها المحدودة.

وفي المحصّلة، فإنّ التواجد القطري في أفريقيا لم يكن، ولن يكون، تواجداً مستقلاً، إنّما هو تواجد مواكب للقوى الكبرى إقليمياً ودولياً.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية