قصة الإخوان في الغرب وآليات التعامل مع النزعة الانفصالية

قصة الإخوان في الغرب وآليات التعامل مع النزعة الانفصالية

قصة الإخوان في الغرب وآليات التعامل مع النزعة الانفصالية


19/08/2024

في اشتباك جديد مع الوجود الإخواني في أوروبا والولايات المتحدة، طرح موقع (Anglican) المتخصص في الدراسات الاستراتيجية عدة تساؤلات حول جماعة الإخوان المسلمين، في معرض تقرير نُشر بالإنجليزية منذ أيام بعنوان: "كيفية التعامل مع الإخوان المسلمين".

يبدأ التقرير بسؤال مركزي: هل ينبغي للحكومات الغربية أن تسعى إلى التعامل مع الإسلام السياسي لمواجهة التنظيمات الجهادية مثل: تنظيم القاعدة، وتنظيم الدولة الإسلامية، أم أنّ هذا خطأ كبير؟

كان التركيز الرئيسي في هذا النقاش على الجدل حول كيفية التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين، الجماعة الأكثر انتشاراً في العالم، عبر شبكة عالمية منتشرة، يتمثل هدفها العام في تعزيز الحكم القائم على الشريعة الإسلامية وفق منظورها، وتستخدم المؤسسات الديمقراطية أينما وجدت لتعزيز أهدافها. 

وكان هناك تساؤل أكثر جدلاً، حيث إنّ الدول الإسلامية مثل مصر والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، على وجه الخصوص، قامت بحظر جماعة الإخوان المسلمين باعتبارها منظمة متطرفة مرتبطة بالإرهاب، وهو ما لم تقم به دول غربية تعاني من انتشار التطرف.

جدل العلاقة مع الإخوان

ولا يبدو أنّ الساسة اليمينيين في الولايات المتحدة وبريطانيا قادرون على اتخاذ قرار بشأن هذه القضية. ويبدو أنّ حزب المحافظين البريطاني، الذي انتهت ولايته التي استمرت (14) عاماً هذا الشهر، يتخذ خطوات في اتجاه مثل هذا الحظر. فقد خلص تحقيق حكومي حول جماعة الإخوان المسلمين، أجري في عام 2015، إلى أنّها ليست منظمة إرهابية مثل تنظيم القاعدة، ولكنّها تعمل كبوابة للعنف، وأنّ ادعاءها بأنّها جدار حماية ضد التطرف العنيف غير مقبول.

في الولايات المتحدة كانت قطاعات من اليمين حريصة منذ فترة طويلة على تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية أجنبية، بموجب قانون "الدعم المادي"، وخلال إدارة دونالد ترامب الأولى أعاد السيناتور تيد كروز تقديم مشروع قانون، كان من شأنه إذا تمّ تمريره، أن يتطلب من وزير الخارجية تقديم تقرير إلى الكونجرس، حول ما إذا كان يفي بمعايير التصنيف على هذا النحو. 

كانت هناك أيضاً تقارير صحفية تفيد أنّ ترامب يفكر في إصدار أمر تنفيذي، من شأنه أن يوجه وزير الخارجية لتحديد ما إذا كان سيتم تصنيف جماعة الإخوان المسلمين منظمة إرهابية أجنبية. لكنّ تصنيف الإرهاب، الذي كان من الممكن أن يؤدي إلى حظر أو مقاضاة الجماعات الإسلامية الأمريكية، القريبة من الإخوان المسلمين، لم يحدث أبداً. وعلى الرغم من وجود قائمة ثقيلة من صقور الإسلاموية مثل: مايك بومبيو، وجون بولتون، في طاقم الأمن القومي، امتنع ترامب في النهاية عن إصدار الأمر، على الرغم من أنّه لم يتم استبعاده بشكل قاطع. وكل هذا يفتح الباب أمام عدة احتمالات، بحسب التقرير، ويترك الموقف غير مستقر قبل إدارة ترامب الثانية المحتملة.

ويخلص التقرير إلى ضرورة الوقوف على التحركات السياسية المتزايدة للجماعة، وكيفية مراقبة أموالها، وأوجه إنفاقها.

قصة النزوح إلى الغرب

يؤكد التقرير أنّ الجماعة التي تأسست في مصر عام 1928، سرعان ما تبنت أجندة سياسية. وكان هدفها المعلن هو إقامة دولة تحكمها الشريعة الإسلامية، وتتحد في نهاية المطاف مع غيرها من الدول تحت راية الخلافة، التي أصبحت النموذج الإيديولوجي الأساسي لكل الحركات الإسلامية اللاحقة. 

إنّ هذا التشكيل يتضمن ضمناً رفض الترتيبات السياسية المعاصرة، فبالنسبة إلى البنا، فقد الإسلام المعاصر هيبته وهيمنته؛ لأنّ أغلب المسلمين أفسدتهم التأثيرات الغربية. وكان يعتبر فكرة الدولة القومية ذاتها شكلاً غير شرعي من أشكال الحكم، ويتعارض مع المثل العالمية للحكم الإسلامي. كما رفض النزعات العلمانية للحداثة، التي كانت في نظره تنتهك أسلوب الحياة الإسلامي الصحيح، الذي ينبغي أن يحكمه القرآن والسنّة في جميع جوانبه: ويُعبّر الشعار الأكثر شهرة للجماعة عن هذا الطموح الشامل، "الإسلام هو الحل". وكان هدفه في النهاية هو إقامة دولة إسلامية، وليس دولة وطنية، دولة من شأنها أن توحد في نهاية المطاف كل المسلمين.

وتماشياً مع هذه الرؤية العالمية، سعى البنا إلى إنشاء فروع لجماعة الإخوان المسلمين في بلدان أخرى، وقد نجح في ذلك. فبعد فترة وجيزة من تأسيسها انتشرت الجماعة خارج حدود مصر، فأنشأت فروعاً لها في كل بلد تقريباً في العالم العربي. فضلاً عن ذلك، وفرت الجماعة أيضاً الأساس الإيديولوجي لعدد من الحركات الإسلامية الكبرى الأخرى خارج العالم العربي، وخاصة الجماعة الإسلامية التي تتخذ من باكستان مقراً لها. 

وفي العقود التي تلت ذلك، ومع ضغط الحكومات القومية على الإخوان، في مصر وسوريا والعراق، بدأ العديد من الإخوان البحث عن ملجأ في أوروبا، وخاصة في المملكة المتحدة وفرنسا وألمانيا وسويسرا.

وبحلول ثمانينيات القرن العشرين، أدرك العديد من المهاجرين الذين نقلوا جماعة الإخوان المسلمين إلى أوروبا، أنّهم لن يعودوا إلى بلدانهم الأصلية في أيّ وقت قريب. فشرعوا في إنشاء منظمات دائمة مستوحاة من الإيديولوجية الإسلامية، ولكن بأولويات تتكيف مع الأجيال الجديدة من المسلمين الذين ولدوا ونشؤوا في الغرب. وأدى هذا إلى ظهور منظمات تابعة على المستوى الوطني مثل: الرابطة الإسلامية في بريطانيا (التي تأسست عام 1997)، واتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا (التي تأسست عام 1983)، والجماعة الإسلامية في ألمانيا (التي تأسست عام 1982).

تمدد كبير في الولايات المتحدة

كما بدأت جماعة الإخوان المسلمين في العمل في الولايات المتحدة في ستينيات القرن العشرين، بعد وصول المهاجرين المسلمين من الشرق الأوسط وجنوب آسيا. وبحلول أواخر السبعينيات، أصبح من الواضح أنّ العديد منهم لم يعودوا إلى أوطانهم. وفي أعقاب الثورة الإيرانية عام 1979، ومع تدفق المزيد من الأموال والمهاجرين الإسلاميين إلى الولايات المتحدة، نشأت مجموعة متنوعة من المنظمات التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، مثل: جمعية الطلاب المسلمين (التي تأسست عام 1963)، وصندوق شمال أمريكا الإسلامي (الذي تأسس عام 1973)، والجمعية الإسلامية لشمال أمريكا (التي تأسست عام 1981). وربما يكون أشهرها مجلس العلاقات الإسلامية الأمريكية (كير)، الذي تأسس في أعقاب اجتماع عقد في فيلادلفيا عام 1993 بين قادة ونشطاء من الإخوان الفلسطينيين؛ لمناقشة جهود الدعاية ضد اتفاقيات أوسلو للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين. وتتلخص مهمته المعلنة في "تعزيز فهم الإسلام، وتشجيع الحوار، وحماية الحريات المدنية، وتمكين المسلمين الأمريكيين، وبناء تحالفات تعزز العدالة والتفاهم المتبادل. لكنّه يلعب دوراً سياسياً، يؤدي في كثر من الأحيان إلى عزلة المجتمع المسلم والسيطرة على المسلمين.

وبحسب تقارير، فإنّ الجماعة لا تعلن أهدافها دفعة واحدة، وتخفي اتصالاتها ونزعتها الانفصالية، وتتبع لغة مهادنة، من أجل تمرير أجندتها، والبحث عن إمكانات التوسع والتمدد.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية