طارق أبو السعد
مع سقوط «الإخوان» في مصر قبل 11 عامًا، وتوالي خسائره في بلدان المغرب العربي، ولى التنظيم الإرهابي وجهه شطر بريطانيا التي اعتبرها العاصمة الثانية له.
عاصمة فتحت أذرعها لقيادات الإخوان الفارين، من أحكام قضائية جراء تورطهم في جرائم في البلد الذي فيه نشأ التنظيم، بعد الإطاحة به وقياداته من على سدة الحكم، إلا أنها (بريطانيا) حصدت نتائج سياساتها، بتزايد جرائم الكراهية، وخاصة بعد حرب غزة.
وضع دفع لندن إلى التحرك ضد جماعات الإسلام السياسي وفي القلب منها تنظيم الإخوان المسلمين، بتقديم الحكومة البريطانية، الخميس، تعريفا أكثر صرامة للتطرف يهدف إلى مكافحة ما وصفه رئيس الوزراء ريشي سوناك بأنه «سم للديمقراطية».
فما سر توقيت الخطوة البريطانية؟
بينما وصف الباحث في الإسلام السياسي هشام النجار، خطوة إعادة تعريف المنظمات الإرهابية بـ«الهامة جدا والمفيدة في الحرب على الإرهاب»، اعتبرها «غير كافية وقد لا تحل جذور المشكلة».
وأوضح الباحث في الإسلام السياسي، في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن «إعادة بريطانيا تعريف التطرف يأتي في سياق المضطر؛ فبعد تزايد التطرف والتطرف المضاد إثر حرب غزة وقعت أحداث عنف كثيرة من قبل اليمين المتطرف، وزادت خطورة تفجر المشهد الاجتماعي في بريطانيا عن ذي قبل بسبب هذا التصارع الأيديولوجي والطائفي والديني المتشدد».
في السياق نفسه، قال الخبير في شؤون الحركات الإسلامية أحمد سلطان، إن الخطوة البريطانية تأتي بعد تزايد جرائم الكراهية، مشيرًا إلى أنه يصعب القول إن التحرك يمثل تغييرًا في النهج البريطاني تجاه الإخوان، فالواقع يؤكد أن حكومة ريشي سوناك تتبنى منهجًا براغماتيا لضمان مصالحها.
وأوضح الخبير في الحركات الإسلامية، في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن «القرار موجه للداخل البريطاني ولتهدئة بعض دوائر اتخاذ القرار؛ فالمظاهرات التي خرجت من لندن منددة بالحرب على قطاع غزة نظمتها منظمات وجهات متطرفة، ورفعت شعارات تهدد السلم العام البريطاني وهي نغمة جديدة لم يعتادوا عليها».
وأشار إلى أن بريطانيا تواجه أزمة مزدوجة؛ فهي تريد الحفاظ على مبادئها بشأن حماية حرية التعبير والقيم الليبرالية، وتعاني من توظيف الجماعات الإسلامية واليمين المتطرف هذه القيم في نشر أفكارهما وترجمتها ضد الآخر، الأمر الذي صنع واقعًا قابلاً للانفجار في أي لحظة.
فهل تدفع لندن فاتورة إيواء الإخوان؟
يرى الكاتب والباحث في الحركات الإسلامية والتطرف العالمي منير أديب، أن لندن تدفع فاتورة رعايتها للجماعات المتطرفة، فقد سبق واحتضنت كافة الجماعات الإرهابية وسمحت لها بالإقامة على أراضيها، «رغم علمها أنها ضد الديمقراطية».
وأوضح الباحث في الحركات الإسلامية منير أديب في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن بريطانيا دأبت على «توفير ملاذات آمنة للإخوان ولكافة الجماعات المتطرفة، وسمحت بأن تكون عاصمتها مقر مكتب التنظيم الدولي، وكذا مقر قيادات السلفية الجهادية وجماعة الجهاد وغيرها من التنظيمات الإرهابية المتطرفة، رغم علمها خطورة تلك الجماعة على سلامة المجتمعات».
وتابع: اليوم اكتشفت أن رعايتها لتلك الجماعات سيصيبها من الداخل، وأنها (الجماعات الإرهابية) قادرة على بث روح الكراهية ورفض قيم الديمقراطية، وأن سياسة غض الطرف عن أنشطة الإخوان، تقيد يدها تشريعيا وأمنيا في كبح التطرف والتطرف المضاد».
فهل ستؤثر الخطوة البريطانية على الإخوان؟
يقول الباحث في الإسلام السياسي هشام النجار، إن تأثير تلك الخطوة «سيكون كبيرًا على التواجد الإخواني في بريطانيا»، مشيرًا إلى أنها ستؤدي إلى «تحجيم تحركات تلك المنظمات، في المجتمع البريطاني، ويوقف إلى حد بعيد حركة نقل الأموال الإخوانية».
ورغم تلك الخطوة، إلا أنه قال إن هذا الاضطرار التشريعي قد لا يحل المشكلة، «فلم يتم التعامل الجذري مع نشاطات جماعة الإخوان داخل بريطانيا بوقفها أو الحد منها، بل تركت لها الساحة لممارسة كافة الأنشطة التي عزلت قطاعا كبيرا من المسلمين عن مجتمعهم، وصنعت ما يشبه دولة موازية ومجتمعا موازيا».
وتابع: ذلك الموقف البريطاني أدى لتزايد التطرف اليميني العنصري الأبيض الذي شعر ناشطوه وقادته بأن هناك ما يشبه الغزو الإسلامي الجديد لأوروبا، فاندفعوا لترويج برامجهم المتطرفة والعنصرية تحت ذريعة أنهم يواجهون خطر سيطرة الإسلاميين المتطرفين على المجتمعات الأوروبية».
من جانبه، قال الكاتب والباحث في الحركات الإسلامية والتطرف العالمي منير أديب، إن «بريطانيا لو كانت جادة في تلك الخطوة، فسيكون لها تأثير سلبي كبير على التنظيم الإرهابي، فبعد أن فقد الإخوان وجوده في القاهرة العاصمة الأولى له، ها هو مهددًا بفقدان العاصمة الثانية له (لندن)، مما يعني أنه سيكون أمام تشتت غير مسبوق».
هل بات الإخوان بين قوسين من دخول قائمة الإرهاب؟
يقول الكاتب والباحث في الجماعات الإسلامية عمرو فاروق، إن فكرة إدراج بريطانيا الإخوان على قوائم الإرهاب أمر مستبعد، مشيرًا إلى أن الخطوة مجرد تهديد تلجأ إليه لندن من آن لآخر لاعتبارات سياسية داخلية.
وأوضح فاروق، في حديث لـ«العين الإخبارية»، أن بريطانيا هي الراعي الرسمي للإخوان وهي التي انتقل اليها التنظيم الإرهابي عقب صدامه مع السلطات المصرية في 2013، وهي التي استقبلت الإعلاميين الإخوان بعد إبعاد تركيا لهم، وهي التي تستثمر في الإسلام السياسي منذ نشأتهم عام 1928 وحتى الآن، مشيرًا إلى أن كل الأدلة التي ساقتها القاهرة لبريطانيا والتي تثبت تورط الإخوان في العنف، والإرهاب لم تلق منها آذانا صاغية.
واعتبر المحاولة البريطانية ما هي إلا رسالة للداخل البريطاني، أكثر من كونها محاربة للتنظيمات الإرهابية، إضافة إلى أن «الإخوان» لا وجود له في بريطانيا بهذا الاسم، بل إنه مجموعة من الجمعيات المحسوبة على التنظيم والتي أسسها أفراد يؤمنون بالأيدولوجية الإخوانية، مع الوضع في الاعتبار أن هذه المنظمات تعمل وفق القانون البريطاني وتتلقى تمويلاً من الحكومة، لدعم بعض الأنشطة.
وأشار إلى أن بعض هذه المؤسسات لها نشاط اقتصادي إلى جانب النشاط الدعوي، ما يعني أنه سيكون من الصعب، أن تضعها لندن أو المنظمات الإخوانية على قوائم الإرهاب.
عن "العين" الإخبارية