في ذكرى 25 يناير: لماذا سقط التيار السلفي وتقهقر خطابه؟

في ذكرى 25 يناير: لماذا سقط التيار السلفي وتقهقر خطابه؟


25/01/2021

ثمّة مسافة بينية هائلة بين مجلس النواب المصريّ، عام 2012، والذي جاء في أعقاب أحداث ما عرف بـ "الربيع العربي"، في نسخته المصرية، والاستحقاقات الانتخابية النيابية الأخرى التي تلت تلك المرحلة، لا سيما فيما يخصّ التمثيل السياسي للأحزاب الدينية، خاصة التيار السلفي، ممثلاً في حزب النور، الذي يعدّ أحد أكبر الأحزاب السلفية في مصر، والذراع السياسية للدعوة السلفية.

شكّل انتقال التيار السلفي، للمرة الأولى، من العمل الدعوي والخدمي إلى الحزبي والسياسي، تعقيدات جمّة، وتوقعات متفاوتة حول مآلاته ومستقبله

وقد شكّل انتقال التيار السلفي، للمرة الأولى، من العمل الدعوي والخدمي إلى الحزبي والسياسي، تعقيدات جمّة، وتوقعات متفاوتة حول مآلاته ومستقبله، بعد أن فاز بنسبة 24 في المئة، من مقاعد مجلس النواب، وحاز، بالتالي، على المرتبة الثانية، بعد حزب الحرية والعدالة، الجناح السياسي لجماعة الإخوان المسلمين، المصنفة على قوائم الإرهاب في عدد من البلدان العربية، وذلك رغم حداثة عهد الأول بالسياسة، وضعف خبرات أعضائه التنظيمية، مقارنة بالإخوان.

الانتخابات البرلمانية المصرية الأخيرة لم تختلف عن سابقتها كثيراً، فيما يتصل بنسبة تمثيل التيار السلفي، والتي أخذت في الانحسار، وذلك على خلفية اعتبارات عديدة، من بينها التناقضات الرئيسة التي رافقت خصوصية تجربة حزب النور السلفي، وقد نجم عنها ضعف في الجسد والتكوين التنظيمي، من جهة، وهو ما ظهر في الانشقاقات بين قيادات الحزب، بصورة مبكرة، وكذا التصدعات بين كوادره، وانفلات قاعدته، ثم الالتباسات الشديدة التي هيمنت على برنامجه السياسي، من جهة أخرى.

اقرأ أيضاً: كيف وظفت السلفية الجهادية مفهوم الطاغوت في القرآن الكريم؟

وفي ظلّ عدم وجود إطار نظريّ متماسك، يتحرّى بناء تصوّر سياسي، يتضمن الرؤية السلفية للدولة الحديثة، وتعيين موقع الشريعة في علاقتها بها؛ ظلّ قبول التيار السلفي بالآليات الديمقراطية والإجرائية للعملية السياسية، أمراً مؤقتاً وبراغماتياً، بعدما وجدوا الفرصة مواتية، في ظلّ الانفراجة السياسية بعد الربيع العربي، لاقتسام حصة في الفضاء الديني، الذي انفرد به تنظيم الإخوان لعقود، باعتباره المنافس التقليدي لهم.

السلفيون والسياسة

عندما قدم التيار السلفي نساء للترشح في الانتخابات البرلمانية، كان يتم وضع وردة لحجب صورهن، على لافتات الدعاية، كما أنّ القيادي السلفي الذي شغل منصب الناطق الرسمي بلسان الدعوة السلفية بالإسكندرية، عبد المنعم الشحات، طالب أثناء انعقاد البرلمان، عام 2011، بضرورة تدشين "مجلس فقهي"، على طريقة نموذج الولي الفقيه، إذ تحال إليه القوانين، ليفصل في شرعيتها الدينية.

الباحث المصري محمد الفقي لـ"حفريات": التيار السلفي تخلى عن بعض أفكاره المتعلقة بالمشاركة السياسية، واتجهوا من الهامش إلى الانفتاح على الآخر

وبمراجعة البرنامج السياسي لحزب النور السلفي، فإنّه لا يتضمن أيّة تصورات عن المبادئ الرئيسة في الدولة المدنية الحديثة، ومن بينها قيم المواطنة وحقوقها؛ حيث يشدد على ضرورة أن تكون الشريعة الإسلامية، حاكمة لكافة مناحي الحياة وسبلها، كما أنّ الحزب السلفي لا يكتفي بنصّ المادة الثانية للدستور المصريّ، الذي يقرّ بأنّ "الشريعة الإسلامية هي المصدر الأساسي للتشريع"، بل يرى أنّ تصبح "مرجعية عليا للدولة، في نشاطها السياسي والقانوني والتشريعي والاجتماعي والاقتصادي".

اقرأ أيضاً: هل عمل العقل السلفي على قمع الترجمة؟

وفي دراسته المعنونة بـ "مصر: السلفيون البراغماتيون"؛ يوضح الباحث الفرنسي المتخصص في الإسلام السياسي، ستيفان لاكروا؛ أنّ "حزب "النور" يقدّم أنموذجاً نادراً لحزب شديد البراغماتية في مواقفه السياسية، ومتشدّد للغاية في آرائه الدينية؛ وقد ظهر التوازن بين هاتين السمتين في خطاب حزب "النور"، عبر التغيرات التي طرأت على قيادته؛ ففي البداية، بذل مؤسسو الحزب محاولات حثيثة وجدية لتسوية بعض التناقضات بين مواقفه السياسية والدينية، عبر المجادلة بأنّ العمل السياسي بطبيعته له فضاء مختلف عن الدين، وينطوي على قواعد منفصلة.

لكن في أواخر العام 2012، بسط الشيوخ سيطرتهم على الحزب، ما أسفر عن مقاربة مغايرة للسياسة وتبريرية بالكامل، تستند إلى ما جرى اعتباره أولوية مصلحة الدعوة السلفية.

براغماتية "النور"

وبالتالي، يمكن تفسير مواقف حزب النور الأخيرة عبر تحليله ليس كحزب إسلامي، بل كذراع من أذرع الضغط لصالح منظمة دينية، ما يزال هدفها أساساً تغيير المجتمع من أسفل لا من  أعلى.

اقرأ أيضاً: كيف وصلت السلفية المتشددة إلى تونس؟

ويضيف لاكورا: "كان لدى برهامي نظرة أخرى للحزب؛ حيث رأى أنّ مكاسب الحزب يجب أن تعود بالفائدة على الدعوة السلفية، وأنّ على مواقف الحزب أن تضع مصلحة الدعوة فوق كلّ اعتبار. وبالطبع، كان برهامي سعيداً بفكرة أنّ حزب النور يضغط، حيثما تمكّن، لاعتماد تشريعات مستندة إلى الشريعة، لكن من دون أن يكون ذلك على حساب الدعوة، وهكذا، لم يكن برهامي مستعداً ليطلّ على حزب النور كحزب سياسي عادي؛ بل عدّه قبل كلّ شيء ذراع الدعوة الضاغِط، أو ما يسمى "اللوبي" في المضمار السياسي".

اقرأ أيضاً: تقرير فرنسي يحذّر من الحركات السلفية والإخوان ويقترح هذه الإجراءات

يتفق والرأي ذاته، الباحث المصري، المتخصص في الإسلام السياسي، محمد الفقي، والذي يرى أنّ هناك تحولات حدثت للتيار السلفي عقب الربيع العربي؛ فإذا نظرنا للحالة المصرية نجد أنّ التيار السلفي تخلى عن بعض أفكاره المتعلقة بالمشاركة السياسية، واتجهوا من الهامش إلى الانفتاح على الآخر، منطلقين من رؤية أنّ الفرصة سانحة للتغلغل في الحياة السياسية والمجتمعية بالصورة التي تحقق أهدافهم؛ وذلك ليس فقط بانتشار أوسع، وبحرية تامة، ولكن أيضاً لجهة الحفاظ على "إسلامية" الدولة في نظرهم، وهذا كان له مظاهر كثيرة في فعاليات ومظاهرات، جرى تنظيمها لجهة رفض بعض القرارات أو التوجهات تحت هذه الذريعة.

الدعوة قبل السياسة

بيد أنّه مع وصول الإخوان للحكم، بدا الانقسام داخل التيار السلفي أكثر وضوحاً، بين حزب النور، ذراع الدعوة السلفية السياسي، وأحزاب سلفية أخرى، اختارت الانحياز إلى جماعة الإخوان، بحسب الفقي، في حديثه لـ "حفريات"، وظلّ هذا الانقسام، حتى الوقت الراهن؛ لكنه أخذ منحى أكثر قوة، منذ عزل محمد مرسي من الحكم، على خلفية الاتهامات المحمومة لحزب النور بمعاداة المشروع الإسلامي بالكلية، والانحياز لما يسمونه "التيار المدني والقوة العلمانية".

الباحث المصري المتخصص في الإسلام السياسي محمد الفقي

ويلفت الباحث المصريّ المتخصص في الإسلام السياسي إلى أنّ "حزب النور هو الحزب الوحيد الذي شارك في اجتماع عزل مرسي، وظلّ مشاركاً في العملية السياسية، حتى الآن، أما بقية الأحزاب والكيانات ظلت على موقفها الداعم لمرسي، وطالبت بالإفراج عنه قبل وفاته، وأغلب قياديي تلك الأحزاب إما سافروا إلى الخارج، أو بقوا في مصر، واتُّهم أغلبهم في قضايا تحريض على العنف".

اقرأ أيضاً: السلفيون والإخوان في الجزائر: إغلاق المساجد قرار كيدي!

ومنذ عام 2013، يشهد التيار السلفي حالة انسحابية من المشهد، كما يلمح الفقي، وذلك ليس على مستوى التيار الموالي لمرسي والإخوان، لكن أيضاً على مستوى حزب النور؛ إذ تراجعت أسهم الحزب في الشارع، باعتباره محسوباً على التيار الإسلامي، فضلاً عن انسحاب بعض كوادره من الحياة السياسية عموماً، وعودتهم للمربع القديم نفسه، قبل عام 2011، وهجرهم السياسة التي لم تكن هناك رغبة في طرق بابها من الأساس، لولا الربيع العربي.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية