في الذكرى الثانية لانفجار مرفأ بيروت ... أين وصلت التحقيقات؟

في الذكرى الثانية لانفجار مرفأ بيروت ... أين وصلت التحقيقات؟


04/08/2022

تحلّ، اليوم، الذكرى الثانية لانفجار بيروت، ولا شيء تغير، فلا الحقيقة ظهرت، ولا أيّ جهة تحملت المسؤولية في تفجير وصف بين أكبر (10) تفجيرات شهدها العالم.

ولم يعرف أحد ماذا حصل في ذلك اليوم المشؤوم، باستثناء بعض الروايات التي تناقلها الإعلام، ولم تصدر أيّ نتائج للتحقيقات، رغم حجم الكارثة ومطالبة الآلاف من أهالي الضحايا بكشف المسؤول عن ذلك الانفجار الذي أودى بحياة أبنائهم، ودمّر جزءاً كبيراً من العاصمة اللبنانية.

في مثل هذا اليوم عام 2020 هزّ انفجار ضخم العاصمة بيروت متسبّباً بوفاة (232) شخصاً وجرح الآلاف، وقد كُلِّف القاضي فادي صوّان محققاً عدلياً ليمكث (6) أشهر قبل أن يُنحّى من قبل محكمة التمييز للارتياب في المشروع الذي تقدّم به النائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر في شباط (فبراير) 2021، لم يُقدّم صوّان أيّ جديد في التحقيق الذي أُجري في وسائل الإعلام، محاولاً استرضاء الرأي العام، بل رفع سقف ادعائه ليحصره بالمسؤولين السياسيين، رغم أنّ المسؤولية أمنية عسكرية بالدرجة الأولى، لينال تصفيق الشارع مخفياً أداءه المهزوز، وفق صحيفة "الأخبار" اللبنانية.

ذهب صوّان، ليخلفه المحقق العدلي طارق البيطار، اسمه اقترحته وزيرة العدل لينال موافقة مجلس القضاء الأعلى، واستبشر الجميع خيراً في استقبال القاضي الذي لم يُعرَف له لون سياسي، سوى انتماء قومي لعائلته العكّارية، كذلك الأمر لجهة نظافة الكفّ، ولم يكن الرجل قد وُضِع تحت المجهر بعد.

انكبّ القاضي على التحقيق ليستمع لعشرات الشهود والمدّعى عليهم. ومرّت (4) أشهر لينهي المرحلة الأولى. في تموز (يوليو) 2021 طلب بيطار أذونات لملاحقة قادة أجهزة أمنية ورفع حصانات نواب مشتبه في تورّطهم بإهمال قصدي، مع علمهم بالخطر، ممّا تسبّب بوقوع الانفجار. ووجّه كتاباً إلى مجلس النواب يطلب فيه رفع الحصانة النيابية عن كلّ من وزير المال السابق علي حسن خليل، وزير الأشغال السابق غازي زعيتر ووزير الداخلية السابق نهاد المشنوق. ووجّه كتابَين؛ الأول إلى نقابة المحامين في بيروت لإعطاء الإذن بملاحقة خليل وزعيتر كونهما محاميين، والثاني إلى نقابة المحامين في طرابلس، لإعطاء الإذن بملاحقة وزير الأشغال السابق المحامي يوسف فنيانوس، وذلك للشروع باستجواب هؤلاء جميعاً بجناية القصد الاحتمالي لجريمة القتل وجنحة الإهمال والتقصير.

كذلك ادّعى على ضباط في القيادة السابقة والحالية للجيش، بينهم قائد الجيش السابق العماد جان قهوجي ومدير المخابرات السابق العميد كميل ضاهر، إضافة إلى المدير العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم، والمدير العام لأمن الدولة اللواء طوني صليبا. وطلب محاكمة قضاة مشتبه في تورطهم في التقصير والإهمال الذي أدى إلى وقوع الانفجار، لكنّه لم يقترب من قائد الجيش الحالي جوزيف عون، وحيَّد هيئة القضايا في وزارة العدل ووزراء العدل والدفاع جميعاً.

 

بعد عامين لم تصدر أيّ نتائج للتحقيقات، رغم حجم الكارثة ومطالبة الآلاف من أهالي الضحايا بكشف المسؤول عن ذلك الانفجار

 

وكانت ردة الفعل عليه صادمة، وكان أكبرها وأعنفها من "حزب الله" الذي أرسل التهديدات المباشرة إليه عبر أحد كبار مسؤوليه وفيق صفا الذي هدد بـ"تطييره".

وتمّ افتعال إشكالات أمنية على الأرض، ومنها ما حدث في منطقة الطيونة في كانون الأول (ديسمبر) 2021 الذي أدى إلى سقوط (4) قتلى، إضافة إلى الضغط على أهالي الضحايا من الطائفة الشيعية للانقلاب على القاضي وعلى رفاقهم المطالبين بالحقيقة.

ولم يتوقف الحزب عند هذا الحد؛ بل وصل الأمر بأحد وزرائه (وزير الثقافة محمد المراضي) إلى تهديد زملائه في الحكومة كوزيري العدل والداخلية بـ"الويل والثبور" في حال لم يتخذا إجراءً بحق المحقق العدلي، وفق ما نقلت صحيفة "النهار".

"وزير نصر الله" هدّد كذلك بتفجير الحكومة من الداخل، وخلق أزمة سياسية جديدة في البلاد، إذا لم تتخذ الحكومة إجراء بتغيير القاضي، وهذا ما رفضه رئيسا الجمهورية ميشال عون، والحكومة نجيب ميقاتي، على اعتبار أنّه ليس للحكومة سلطة على القضاء، فضلاً عن أنّ الدستور اللبناني يأمر بفصل السلطات.

ورغم أنّ البيطار لم يلاحق أيّاً من أعضاء جماعة حزب الله المسلحة المدعومة من إيران، إلا أنّ الحزب شنّ حملة شرسة عليه العام الماضي، بعد أن سعى لاستجواب حلفاء له.

ونفى حزب الله الاتهامات التي وجهت إليه وقت الانفجار بأنّه كان يخزن أسلحة في المرفأ، وقال إنّه لا علاقة له بالانفجار، ولطالما اتهم خصوم حزب الله الجماعة بالسيطرة على المرفأ، وهو ما تنفيه أيضاً.

وآخر إجراء تمّ هو تسليم البيطار التقرير الثاني من المحققين الفرنسيين الذي خلُص إلى استبعاد فرضية استهداف المرفأ بصاروخ، بالاستناد إلى تحليل التربة في موقع الانفجار الذي بيّن عدم وجود عامل خارجي (سواء عبوة ناسفة أو صاروخ) تسببت بالانفجار، إلا أنّه لم يصدر أيّ قرار قضائي يكشف ماذا حصل فعلاً .

دخل بعدها ملف التحقيق مرحلة العرقلة، وقُدّمت طلبات تنحية وارتياب ومخاصمة من معظم السياسيين المدّعى عليهم. وفي كلّ مرة كان يُتّخذ قرار بردّ الطلب، كان يُعاجَل المحقق العدلي بطلب جديد لاستبعاده؛ تسبّب ذلك بشلل في الملف، وجُمِّد المسار القضائي في الوقت الذي أصرّ فيه المحقق العدلي على عدم التنحي، وأعلن تمسكه بالملف حتى الرمق الأخير. وانقضى العام الثاني على انفجار مرفأ بيروت، وقد أنهى فرع المعلومات تحقيقاته، ورُسِم مسار وصول النيترات مروراً بتخزينها وصولاً إلى انفجارها، لكنّ القرار الظني لم يصدر بعد.

 

صوّان حاول استرضاء الرأي العام، بل رفع سقف ادعائه ليحصره بالمسؤولين السياسيين بعيداً عن العسكريين والأمنيين

 

بعد مرور عامين، ما يزال التحقيق حول أسباب انفجار مرفأ بيروت يراوح مكانه، ويرى شق واسع من اللبنانيين في التحقيق المتعثر مثالاً للإفلات من العقاب الذي تتمتع به الطبقة الحاكمة التي لطالما تجنبت المساءلة عن الفساد وسوء الإدارة، بما في ذلك السياسات التي أدت إلى الانهيار المالي، حسبما نقلت وكالة "فرانس برس".

وحول الموضوع، قالت مديرة قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في "هيومن رايتس ووتش" لمى فقيه لـ DW"": واصلت جماعات حقوق الإنسان دعواتها لإجراء تحقيق في الانفجار"، وبعد عامين من الصدمة، ما تزال الآثار ملموسة على نطاق واسع، لأنّ أهالي الضحايا ما زالوا يفتقرون إلى إجابات".

وأضافت فقيه: إنّه من الصعب تصديق أنّ أيّاً من المسؤولين الحكوميين، مثل رئيس الوزراء المؤقت آنذاك حسان دياب، لم يحاسب. ومع ذلك، يحتجز ما بين (10 و20) من عمال المرفأ المدنيين منذ الانفجار. وتوضح: "ليس لديهم فرصة للدفاع عن أنفسهم طالما أنّ التحقيق معلق"، وكما تبدو الأمور، فإنّها تخشى من أنّ "الوضع لن يتغير في وقت قريب".

وقد دعت (11) منظمة حقوقية مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة لإصدار قرار يقضي بإنشاء بعثة لتقصي الحقائق بشأن انفجار مرفأ بيروت، على أن يكون ذلك في دورته القادمة في أيلول (سبتمبر) المقبل.

واتهمت المنظمات، في بيان أوردته صحيفة "النهار"، السلطات اللبنانية بأنّها "عرقلت مراراً وتكراراً سير التحقيق في الانفجار بحماية السياسيين والمسؤولين المعنيين من الاستجواب والملاحقة القضائية والاعتقال".

وقالت المنظمات، ومن بينها "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية": إنّه بعد مرور عامين، لم يتقدم التحقيق المحلي، "وما من بوادر تَقدُّم تلوح في الأفق"، على حدّ وصف البيان.

وحثت المنظمات أعضاء مجلس حقوق الإنسان على أن "يوفد، من دون تأخير، بعثة مستقلة ومحايدة لتقصي الحقائق في انفجار مرفأ بيروت، لكي تحدد الحقائق والملابسات، بما في ذلك الأسباب الجذرية للانفجار، بغية تحديد مسؤولية الدولة والأفراد، ودعم تحقيق العدالة للضحايا".

وخلصت المنظمات إلى أنّه "من الواضح الآن، أكثر من أيّ وقت مضى، أنّ التحقيق المحلي لا يمكن أن يحقق العدالة، ممّا يجعل إنشاء بعثة دولية لتقصي الحقائق بتكليف من مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أكثر إلحاحاً".

 

لمى فقيه: واصلت جماعات حقوق الإنسان دعواتها لإجراء تحقيق في الانفجار الذي ما  تزال آثاره ملموسة، وأهالي الضحايا ما زالوا يفتقرون إلى إجابات

 

من جانبها، أعربت مجموعة الدعم الدولية من أجل لبنان عن قلقها إزاء عدم إحراز تقدّم في المسار القضائي المتعلق بانفجار مرفأ بيروت عام 2020.

ودعت المجموعة، في بيان أوردته "الإندبندت" بالعربية، السلطات اللبنانية إلى "بذل كلّ ما بوسعها لإزالة كافة العقبات التي تحول دون إجراء تحقيق محايد وشامل وشفاف في انفجار المرفأ".

وأضافت أنّ "متابعة المسار القضائي تُعدّ متطلباً ضرورياً لاستعادة مصداقية مؤسسات الدولة اللبنانية، وضمان احترام سيادة القانون، وإرساء مبادئ المساءلة، وإنهاء ظاهرة الإفلات من العقاب".

وتضم المجموعة التي تأسست في أيلول (سبتمبر) 2013 كلاً من الأمم المتحدة والصين وفرنسا وألمانيا وإيطاليا وروسيا وبريطانيا والولايات المتحدة، إضافةً إلى الاتحاد الأوروبي والجامعة العربية، بهدف حشد الدعم والمساعدة لاستقرار لبنان وسيادته ومؤسسات دولته.

وفي غضون ذلك، انهارت إحدى صوامع الحبوب التي تضررت سابقاً بانفجار بيروت، ولحسن الحظ لم يقتل أحد هذه المرة، لكنّ الصوت الذي كان أشبه بالانفجار، الذي جاء مرافقاً لدخان كثيف وحرائق، أعاد إحياء الصدمة الناجمة عن انفجار آب (أغسطس) 2020.

ووفقاً لوكالة الأنباء الألمانية، فإنّ انهيار الصوامع وقرار إزالتها يعكس حالة الخوف التي يمرّ بها عدد من المسؤولين، خاصة أنّها يمكن أن تحتوي على أدلة للتحقيق القضائي في انفجار عام 2020، هذا بالإضافة إلى رغبة الكثير من المسؤولين بطمس معالم ذلك الانفجار، ولأنّ تلك الصوامع ستظلّ تذكر عائلات الضحايا، وبالتالي ستجدد المطالب بإتمام التحقيقات وكشف المسؤول عن هذه الكارثة.

يُذكر أنّ الانفجار أودى بحياة أكثر من (200) لبناني، وأصاب نحو (6500) آخرين، وأضرّ بحوالي (50) ألف وحدة سكنية، وقُدّرت خسائره المادية بقرابة (15) مليار دولار.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية