لم يعد سراً أنّ إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن تسعى خلف دول الخليج العربي لزيادة إنتاجها من النفط، المحرك الرئيسي للتضخم، لخفض أسعاره، ولا سيّما قبل انتخابات التجديد النصفي في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل، غير أنّ ذلك لا يبدو ممكناً دون التوافق مع المملكة العربية السعودية، التي لوّحت بـ"إمكانية خفض أوبك بلس لإنتاج النفط في أيّ وقت"، الأمر الذي اعتبرته مجلة "فوربس" الأمريكية يعكس "عدم ثقة السعوديين بإدارة بايدن".
وتحت عنوان "صبر السعودية مع بايدن ينفد حول صفقة إيران"، أشارت المجلة الأمريكية، في تقرير نشرته أمس في موقعها الرسمي على الإنترنت، إلى أنّ المملكة العربية السعودية قدّمت العديد من الأسباب المتعلقة بسوق النفط لذلك التلويح، "لكنّ المنطق الحقيقي على الأرجح سياسي، وهو متجذر في عدم ثقة السعوديين بإدارة بايدن"، على حدّ تعبيرها.
ويأتي مقال "فوربس" بعد أيام من حوار لوزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان مع وكالة "بلومبرغ"، فقد قال: "أصبحت مجموعة أوبك بلس أكثر التزاماً ومرونة، كما أنّ لديها وسائل ضمن إطار آليات إعلان التعاون تُمكّنها من التعامل مع هذه التحديات وإرشاد الأسواق، وتشمل هذه الوسائل إمكانية خفض الإنتاج في أيّ وقت، وبطرق مختلفة، وهو ما أثبتته مجموعة أوبك بلس مراراً وبوضوح خلال عامي 2020 و2021".
النفط وصفقة إيران
تقرير "فوربس" وصف تصريحات وزير الطاقة السعودي بـ"التهديد"، معتبراً أنّه "ليس مصادفة أن يأتي ذلك التهديد هذا الأسبوع؛ حيث يقترب بايدن من إحياء الاتفاق النووي مع إيران"، التي وصفتها المجلة الأمريكية بـ"الخصم اللدود" للمملكة العربية السعودية.
لـ #forbes: قدم #وزير_الطاقة السعودي العديد من الأسباب المتعلقة بالسوق في تأكيد تصريحاته، لكن المنطق الحقيقي يحتمل أن يكون سياسيا، يعكس انتقاما من #السعودية لسعي إدارة #بايدن إلى التوصل لـ #الاتفاق_النووي مع #إيران، كما يؤكد أن #الرياض لا تزال أكثر انحيازا لـ #موسكو
— عبدالرحمن Abdulrahman (@3bdulr2hmn) August 24, 2022
ورأت المجلة أنّ إعادة إحياء الاتفاق النووي مع إيران قد "يوفر إغاثة اقتصادية لطهران، مع إغاثة أقل درجة لأسواق النفط العالمية، من خلال إطلاق حوالي مليون برميل يومياً من صادرات النفط الإيرانية التي خنقتها العقوبات الغربية."
ودفعت المخاوف بشأن الركود الاقتصادي، وارتفاع التضخم، وضعف الطلب، أسعار النفط إلى ما دون (100) دولار للبرميل، وفقاً للمجلة التي أكدت أنّ "الرياض لن تقف مكتوفة الأيدي بينما تمدّ واشنطن شريان الحياة إلى طهران."
ولم يحظَ الاتفاق النووي الإيراني الأصلي، الذي أبرم في عام 2015 في عهد الرئيس باراك أوباما ثم نائب الرئيس جو بايدن، بشعبية كبيرة بين الناخبين، وانسحب الرئيس دونالد ترامب من الصفقة في عام 2018، ممّا أدى إلى تحسن كبير في العلاقات الأمريكية السعودية.
عواقب غير سارّة
تلويح السعودية بخفض إنتاج النفط جعل من إيران، وفقاً لـ"فوربس"، "السبيل الوحيد" لزيادة كمية النفط في السوق العالمية، وبالتالي كبح التضخم، غير أنّ المجلة حذّرت من "عواقب" هذه "الطريق التي يسلكها بايدن"، قائلة: "بايدن يسلك هذه الطريق، لكنّه الآن يرى العواقب."
"فوربس": السعودية قدّمت العديد من الأسباب المتعلقة بسوق النفط لخفض الإنتاج لكنّ المنطق الحقيقي على الأرجح سياسي
ووفقاً للمجلة الأمريكية، فإنّ تلويح السعودية هذا الأسبوع بخفض الإنتاج يشير إلى سعيها لوضع حدٍّ أدنى لسعر برميل النفط عند (100) دولار، الأمر الذي "لا يمكن أن تكون إدارة بايدن سعيدة" به، على حدّ قول "فوربس".
انتقام سياسي
شهدت أسواق النفط، منذ مطلع العام الجاري، ولا سيّما بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية في 24 شباط (فبراير)، ارتباكاً وهزات، مع العجز "المتكرر" لمنتجي "أوبك بلس"، في الوصول إلى حصص مرتفعة، ممّا جعل تفكير السعودية في خفض الإنتاج بمثابة أمر "صاعق" بالنسبة إلى "فوربس"، التي رأت أنّ "تهديد" خفض الإنتاج "ينمّ عن انتقام سياسي لسعي بايدن للتوصل إلى اتفاق نووي، وتحسين العلاقات مع إيران."
وذهبت المجلة الأمريكية إلى أبعد من ذلك، فقالت: إنّ تلويح السعودية بخفض الإنتاج يؤكد أنّ المملكة "ما تزال أكثر انحيازاً لروسيا من الولايات المتحدة على المسرح العالمي"، مشيرة إلى أنّ روسيا "بحاجة إلى أسعار نفط أعلى لأنّ عقوبات الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي أضرت بقدرتها على إنتاج وتصدير النفط".
وعلى الرغم من ضغوط متزايدة تمارسها إدارة بايدن على السعودية لزيادة إنتاج النفط للسيطرة على ارتفاع أسعاره بالسوق العالمية، فاجأت منظمة البلدان المصدرة للنفط "أوبك" بقيادة المملكة العربية السعودية، إضافة إلى حلفائها في "أوبك بلاس"، في 3 آب (أغسطس) الجاري، فاجأت الأسواق العالمية والولايات المتحدة الأمريكية بالاتفاق على إبطاء وتيرة زيادة الإنتاج.
يأتي مقال "فوربس" بعد أيام من حوار لوزير الطاقة السعودي أشار فيه إلى "إمكانية خفض الإنتاج في أيّ وقت"
ونقل موقع "دويتشه فيله" الألماني عن بيان "أوبك بلاس" الختامي قوله: إنّ ممثلي الدول الـ13 الأعضاء في منظمة البلدان المصدرة للنفط (أوبك) بقيادة الرياض، إضافة إلى شركائهم الـ10 بقيادة موسكو (أوبك بلاس)، اتفقوا على زيادة متواضعة جدّاً للإنتاج، "بمقدار (100) ألف برميل يومياً خلال شهر أيلول (سبتمبر)"، مقارنة بحوالي (432) ألفاً، ثمّ (648) ألف برميل إضافية في الشهرين السابقين.
ووصلت ضغوط بايدن ذروتها عندما زار الرياض في منتصف تموز (يوليو) الماضي، فقد عدّل مضطراً سياسته المعادية للسعودية التي وصفها سابقاً بـ"المنبوذة"، للتودد إليها ضمن محاولاته تكثيف الضغوط عليها لزيادة إنتاجها من النفط لكبح التبعات الاقتصادية السلبية الناجمة عن العقوبات الأمريكية والغربية على روسيا، على خلفية الحرب الروسية الأوكرانية الدائرة، غير أنّ زيارته للسعودية باءت بالفشل، ولم يحصل على أيّ التزامات سعودية بزيادة الإنتاج، وفقاً لوكالة "رويترز" آنذاك.
ردود فعل
مقال "فوربس" تداوله رواد مواقع التواصل الاجتماعي" على نطاق واسع، فقد غرّد الإعلامي عبد الرحمن الشاطري، عبر حسابه الرسمي على "تويتر"، باقتباس من المقال، قائلاً: "قدّم وزيرالطاقة السعودي العديد من الأسباب المتعلقة بالسوق في تأكيد تصريحاته، لكنّ المنطق الحقيقي يحتمل أن يكون سياسياً، يعكس انتقام السعودية لسعي إدارة بايدن للتوصل إلى الاتفاق النووي مع إيران، كما يؤكد أنّ الرياض ما تزال أكثر انحيازاً لموسكو".
تقرير "فوربس" أكد أنّ "الرياض لن تقف مكتوفة الأيدي، بينما تمدّ واشنطن شريان الحياة إلى طهران"
وفي مقطع فيديو عبر حسابه الرسمي على "تويتر"، قدّم الإعلامي عبد الله محمد الملا تحليلاً عن رغبة واشنطن الحقيقية من وراء الاتفاق النووي الشامل مع إيران، باقتباس نقاط من مقال "فوربس"ومن بينها: "تلويح السعودية بخفض الإنتاج سببه عدم الثقة بإدارة بايدن"، و"الرياض لن تقف مكتوفة الأيدي بينما تقوم واشنطن بإنقاذ طهران"، معلقاً بالقول: "هذا ما حللناه بتقرير الإثنين عن الاتفاق النووي الشامل مع إيران، وما هي رغبة واشنطن الحقيقية".
مواضيع ذات صلة:
- مفاوضات فيينا على سرير الموت: ما مصير نووي إيران؟