فن الحرب الجديد في الصين: على أمريكا أن تتحسّس رأسها

فن الحرب الجديد في الصين: على أمريكا أن تتحسّس رأسها


كاتب ومترجم جزائري
16/07/2022

ترجمة: مدني قصري

ابتداءً من عام 2019 أطلقت الصين مفهوماً جديداً للحرب، أطلق عليه اسم "الحرب الذكية". تقوم الفكرة على الجمع بين الذكاء الاصطناعي والمنصات غير المأهولة (المسيّرات على الخصوص، أي الطائرات من دون طيار) لإخضاع العدو دون اللجوء إلى الحروب "الساخنة" التقليدية.

ففي تقرير وزير الدفاع الأمريكي لعام 2019 الذي عُرض على الكونجرس بعنوان "التطورات العسكرية والأمنية المتعلقة بجمهورية الصين الشعبية"«Military and Security Developments Involving the People's Republic of China »  نقرأ ما يلي:

"يستكشف جيش التحرير الشعبي الصيني (PLA) المفاهيم التشغيلية للجيل التالي بغرض أذْكَنَة الحرب (أي صناعة الحرب الذكية)، مثل حرب استنزاف الأسراب الذكية، والحرب المتحركة عبر المجالات، والمواجهة الفضائية القائمة على الذكاء الاصطناعي، وعمليات التحكم المعرفي. يَعتبِر جيشُ التحرير الشعبي الأنظمةَ غير المأهولة تقنيات ذكية أساسية ويسعى إلى إيجاد طرق لجعل المركبات الجوية والبرية والغواصات ذاتية التشغيل قدر الإمكان، حتى يتيح، من بين أمور أخرى، تطوير تشكيلات هجينة مأهولة وغير مأهولة، وحتى يجعل من الهجمات بواسطة الأسراب دعماً لوجستياً كاملاً، وقدرات ISR (الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع) من بين إمكانات أخرى محتملة".

يؤكد منظرو جيش التحرير الشعبي الصيني بأنّ أذكنة الحرب تستهدف "مساحة معرفية" تفضل التفكير المعقد واتخاذ القرار الفعال

إنّ ما يميز الصين في هذه "الحرب الذكية" ليس كونها تراهن على الذكاء الاصطناعي والطائرات بدون طيار. فالمشاة والقوات الجوية والبحرية الأمريكية يمتلكون أيضاً مشاريع أسراب طائرات بدون طيار، ويقوم مشاة البحرية بتجربة أسراب طائرات كاميكازية من دون طيار. تفرُّدُ الصين هو أنها تُموقِع نفسها على الجوانب المعرفية للحرب الذكية. ووفقاً للعقيد كويشيرو تاكاجي، من قوة الدفاع الذاتي البرية اليابانية وقيادة البحث والتطوير:

افترض المنظرون الصينيون بوضوح أنّ المفهوم العملياتي الأساسي للحرب الذكية هو الاستيلاء على إرادة العدو. يجب استخدام الذكاء الاصطناعي للتحكم المباشر في إرادة كبار صانعي القرار، بما في ذلك الرئيس وأعضاء الكونغرس والقادة المقاتلون، فضلاً عن المواطنين. ستصبح "هيمنة الذكاء" أو "التحكم في الدماغ" عن بعد مجالات جديدة في الصراع من أجل السيطرة في الحرب الذكية. تَمنح خطوط البحث هذه للذكاء الاصطناعي مهمةً مختلفة تماماً عن المشاريع الأمريكية والحليفة حول هذا الموضوع.

الحرب المعرفية ضرب من الخيال العلمي عند معظم الناس، لكنّ العديد من الخبراء يعتقدون أنّ الولايات المتحدة يجب أن تأخذ التهديد على محمل الجد

وفقاً لتاكاجي يعتقد المنظرون العسكريون الصينيون أنّ الحرب كما نعرفها على وشك التغيير:

"المنظرون الصينيون، مع ذلك، يذهبون أبعد بكثير. فهم يعتقدون أنّ تطوّر تقنيات المعلومات قد بلغ حدوده، وأنّ حروباً مستقبلية ستقع في المجال المعرفي. بالنسبة لجيش التحرير الشعبي الصيني تتضمن الحروب المستقبلية هجوماً مباشراً على العمليات الإدراكية البشرية باستخدام الذكاء الاصطناعي والأسلحة غير المأهولة. لم يتخيل بناة خط ماجينو Maginot الفرنسيون أنّ الدبابات الألمانية ستهاجم عبر غابة الأردين Ardennes. وكذلك الأمر اليوم. فنحن الصينيين روّضتنا منذ حرب الخليج ثلاثةُ عقود من حرب عصر المعلومات، فقد تبدو الحرب المُؤَذكَنة أو الإدراكية طريقة تفكير غريبة وغير واقعية".

كتب بن نون، مساعد باحث في معهد المؤسسة الأمريكية American Enterprise Institute، والدكتور كريس باسلر، زميل أول في مركز التقييمات الاستراتيجية والميزانية، في أيلول (سبتمبر) 2021:

"يؤكد منظرو جيش التحرير الشعبي الصيني بأنّ أذكنة الحرب تستهدف "مساحة معرفية" تفضل التفكير المعقد واتخاذ القرار الفعال. ففي ساحات المعارك، حيث تتيح تقنية الذكاء الاصطناعي المتقدمة اتخاذ قرارات أفضل، سيكون للطرف الذي يدمِج بشكل أفضل الإبداع البشري والقدرة الحاسوبية الروبوتية اليد الطولى الحاسمة ...

سوف تسعى أذكنة الحرب لبناء ميزة فريدة في الحرب النفسية. المنظّرون يصفون "مواجهة معرفية" سيهيمن فيها قادة جيش التحرير الشعبي الصيني نفسياً على القيادة الخصم من خلال اتخاذ قرارات أفضل بسرعة أكبر. يخطط جيش التحرير الشعبي الصيني لاستخدام جميع الأدوات المتاحة لخدمة هدفه الرئيسي: الحد من إرادة العدو على المقاومة".

سوف تسعى أذكنة الحرب لبناء ميزة فريدة في الحرب النفسية

في كانون الأول (ديسمبر) 2021 فرضت وزارة التجارة الأمريكية عقوبات على 12 معهد أبحاث صينياً و22 شركة تكنولوجيا صينية، في مقدمتها الأكاديمية الصينية للعلوم الطبية العسكرية ومعاهدها البحثية الـ 11. وقالت وزارة التجارة إنّ السبب المعلن عنه هو "استخدام الصين عمليات تكنولوجية حيوية لدعم الاستخدامات النهائية للجيش، بما في ذلك أسلحة التحكم في الدماغ المزعومة".

وفقاً لثلاثة تقارير كتبها جيش التحرير الشعبي الصيني في عام 2019 ونشرتها صحيفة واشنطن تايمز، أجرت الصين منذ عدة سنوات أبحاثاً حول التحكم في الدماغ، أو حرب الدماغ كجزء من عملها على تطوير أذكنة الحرب.

يقول أحد التقارير الصينية ومنها ما ورد في يومية الجيش PLA Daily: "لم تعد الحرب تدور حول تدمير الجثث، بل تتعلق بشل حركة الخصم والسيطرة عليه".

"لم يعد الهدف هو التدمير المادي للعدو، بل تدمير إرادته في المقاومة"، "أسلحة من نوع جديد تجعل الدماغ الهدف الرئيسي للهجوم والدفاع ... الفوز من دون قتال لم يعد بعيد المنال".

كشفت تقارير جيش التحرير الشعبى الصينى أيضاً أنّ الصين تعمل أيضاً على التكامل بين الإنسان والآلة لرفع القدرات الفسيولوجية والمعرفية البشرية.

يشير أحد تقارير جيش التحرير الشعبي إلى أنّ "الاندماج بين الإنسان والآلة في المستقبل سيكون منافسة للتحكم في الدماغ".

"سيستخدم كلا الطرفين المتحاربين تقنيات مختلفة ونماذج للتحكم في الدماغ تستهدف طريقة تفكير العدو ووعيه. الهدف هو التدخل المباشر في أذهان قادة العدو وطاقمه، وشن الحرب للسيطرة على الوعي والفكر".

وبحسب صحيفة واشنطن تايمز:

"من بين مختلف خطوط البحث" هناك تقنيات التحكم في الدماغ التي تتضمن قياس النشاط العصبي في الدماغ وترجمة الإشارات العصبية إلى إشارات معلوماتية، وإنشاء أسلوب إرسال إشارات أحادية الاتجاه أو ثنائية الاتجاه بين الدماغ والمعدات الخارجية" و"تكنولوجيات الدفاع العصبي مثل "استغلال التقنيات الكهرومغناطيسية والفيزيائية الحيوية والمادية لتعزيز دفاع الدماغ البشري ضد هجمات التحكم في الدماغ".

يشير تاكاجي إلى أنّ الحرب الإدراكية تتطلب كميات كبيرة من المعلومات، لكنّ الصين لديها بالفعل مخزون ضخم من المعلومات.

باحث أمريكي: في ساحات المعارك، حيث تتيح تقنية الذكاء الاصطناعي المتقدمة اتخاذ قرارات أفضل، سيكون للطرف الذي يدمِج بشكل أفضل الإبداع البشري والقدرة الحاسوبية الروبوتية اليد الحاسمة

"يتطلب التأثير على العمليات الإدراكية البشرية تدفقات كبيرة من المعلومات الشخصية والمفصلة لتحديد هويات الأفراد المؤثرين، أو لإجراء عمليات التأثير المصمَّمة خصيصاً لمجموعات فرعية من الأشخاص.

لقد جمعت الصين بالفعل قدراً هائلاً من المعلومات الشخصية حول المسؤولين الحكوميين والمواطنين الأمريكيين العاديين، مما يمنحها أساساً للتأثير على العمليات المعرفية للأفراد. تتضمن هذه المعلومات البيانات السرية لـ 21,5  مليون شخص التابعين إلى مكتب الإدارة الشخصية (الوكالة التي تدير موظفي الخدمة العامة في الولايات المتحدة)، والمعلومات الشخصية لـ 383 مليون عميل لسلسلة فنادق كبيرة وبيانات حساسة تتعلق بأكثر من 100000 فرد ينتمون إلى البحرية الأمريكية US Navy .

عهدت الحكومة الصينية بعد ذلك إلى عمالقة الكمبيوتر في بلدها بمهمة معالجة هذا الكم الهائل من البيانات، ومن ثم ربطه بأنشطة الاستخبارات. الكميات الهائلة من البيانات التي جمعتها الصين على مر السنين يتم تحويلها تدريجياً إلى أسلحة بالمعنى العسكري للمصطلح. وكانت هذه البيانات قد مكنت الصين بالفعل من تحديد عملاء وكالة المخابرات المركزية الذين يعملون في دول أجنبية. هذه الأنشطة عدوانية وقسرية بشكل خاص في تايوان وهونغ كونغ التي تعتبرها الحكومة الصينية جزءاً من أراضيها. كما شوهدت محاولات استخدام الوسائل الرقمية للتأثير على الانتخابات خلال الانتخابات الرئاسية الأخيرة في تايوان".

الحرب المعرفية ضرب من الخيال العلمي عند معظم الناس، لكنّ العديد من الخبراء يعتقدون أنّ الولايات المتحدة يجب أن تأخذ التهديد على محمل الجد.

وحذر تاكاجي: "يجب على الولايات المتحدة وحلفائها تحليل الحرب الذكية بشكل أكبر لتجنب الهجمات المفاجئة في الحروب المستقبلية".

طائرة صينية دون طيار

"ويتعين عليها أيضاً اعتبار الحلبة المعرفية كحلبة تشغيلية جديدة، جنباً إلى جنب مع الأرض والجو والبحر والفضاء والفضاء الإلكتروني، من أجل توعية العقول واستثمار موارد حديدة. علاوة على ذلك، من الضروري التفكير في كيفية كسب "معركة الروايات" لمواجهة التلاعب بالرأي العام في أوقات الحرب".

تاكاجي ليس وحده الذي يأخذ أبحاث الحرب المعرفية الصينية على محمل الجد. بحسب نون وباسلر الذي يقول:

يجب أن يسعى الجيش الأمريكي إلى فهمٍ أفضل لتصورات الصين للاستخبارات وجهود جيش التحرير الشعبي لدمج المعلومات الاستخباراتية في نموذج الحرب المستقبلية. يجب أن تكون الاستفادة من نقاط الضعف المحتملة في نهج جيش التحرير الشعبي أولوية قصوى، وأن تساعد أيضًا الجيش الأمريكي على تقليل بعض نقاط الضعف في رؤيته وتصرفاته".

ينصح باسلر ونون أيضاً الجيش الأمريكي بعدم تكرار أخطاء الماضي، وعدم الوقوف مكتوفي الأيدي مثلما كان عندما كانت الصين تبني قوتها التدميرية من خلال سرقة كميات هائلة من كل ما أتيح لها من معلومات.

وكتب باسلر ونون: "يجب على الجيش الأمريكي أن ينشر على نطاق أوسع مناقشاته الداخلية بشأن جهود أذكنة جيش التحرير الشعبي الصيني".

وبدلاً من مواجهة مبادرات مهمة لجيش التحرير الشعبي الصيني، ظل الجيش الأمريكي "جالساً" على معلومات سرية وأهدر وقتاً ثميناً بدلاً من حشد الرد. ضاعت عدة سنوات خلال حملة بناء الجزر في بحر الصين الجنوبي. وفي الآونة الأخيرة ظلت المعلومات القليلة التي أُعلن عنها الجيش الأمريكي بشأن النمو السريع للبرنامج النووي الصيني بلا أي أثر يذكر. هناك محققون "مفتوحو المصدر" open source هم الذين سلطوا الضوء، بعد عدة سنوات، على الجهود الصينية في هذا المجال. في مواجهة المعلومات الاستخبارية يتعين على الجيش الأمريكي أن يحرص على عدم تكرار هذا الخطأ. يجب على الجيش الأمريكي أن يسلط الضوء بشكل أكثر وضوحاً على طبيعة جهود جيش التحرير الشعبي حتى أثناء تنفيذ هذه الجهود.

مصدر الترجمة عن الفرنسية:

https://fr.gatestoneinstitute.org/18668/chine-nouvel-art-guerre




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية